حامد حبيب
مأساةُ النَّديم [{ 1}]
-----------------
_صدق (هاشم ُ الرفاعى) حين قال:
مأساتُنا مأساةُ
ناسٍ أبرياء
وحكايةٌ يغلى بأسطُرها الشقاء
------------------------------------
للأُدباء حكاياتٌ تُدمى القلوب
، لو تمّ التنقيب عنها،
والبحثُ فيها
لوجدنا العجبَ العُجاب
، وكم كنتُ أتمنى أن تكون
هناك جهات فنية
وشركات إنتاج تتبنّى تلك الحكايات
ولن يخذلها الجمهور أبداً
فيما
تُقدّم _رغم أننا نعيش
زمنَ العبث الفنى_لكنها ستترك
أثراً ذا قيمة فى حياةِ
شعوبنا.
وكم تبنّى التلفازُ
المصرى_ من قبل_ أعمالاً ذات قيمة
عن طه حسين وقاسم أمين
وحياة الأئمة، وكم نقدّر
للتليفزيون المصرى و مَن
قدّموا تلك السيناريوهات
وأخرجوها هذا الإنجاز
الرائع.
_ كما أنّنى
أميلُ ويقوّة ألاّ يكتفى الأدباء والمفكّرون
بما بكتبونه شعراّ
أوقصة أو كُتُباً ،
وأن عليهم أن يكتبوا عن
حياتهم وماصادفوه فيها
من مواقف
والمناسبات التى دفعتهم
لكتابة تلك الأعمال ، فإنَّ فى ذلك إضافة ثمينة وقيِّمة
لها حصادٌ فى المستقبل
وستُعطى بُعداّ
آخر لتلك الكتابات ، ويتعرّف عليه القارئ ، وربما أن تلك السِّيَر سيكون
لها تأثيرها على
أن تجعل القارئ ينجذب
للأعمال الأدبية للأديب .
______________
ليالٍ طويلة .. عشتُ فيها
أقرأ للنديمِ وحكاياته ومأساته العميقة ، التى جعلتنى أشردُ
كثيراً ، وأحزن
كثيراً وأسافرُ عبر هذا
الزمن متأمّلاً مافيه متحسّرا
على حياةِ الأدباء
ومعاناتهم فى سبيل حرية هذا الوطن ، ومتعجّباً من رداءةِ
أخلاقِ بعض الأدباء فى
كل زمن.. فلا يخلو زمنٌ
من الحاقدين المتآمرين على
كل مبدعٍ متميزٍ له شان، لتبقى مأساةُ الأديب ذات وجوه..من
الأيام والأقدار .. من السُّلطة .. من الاحتلال..من القُرناء،ومن
كثير. حتى بتُّ أعتقد أن
أخطرَ الناسِ
على السُّلطة والناهبين
لخيراته والمتسلقين
والمتملقين هو الأديب ،حتى قيلت لى
ذات يوم ، من نحو عشرين
عاما، حين قدمتُ طلباً
للحزب الحاكم
أن يسمح لى ليومٍ لإقامة مهرجان شعرى كبير ، بعد أن
وجدت نفسى فى اتصالٍ من رئيس اللجنة الثقافية بالمحافظة يخبرنى
باختيارى
عضواً باللجنة ، وعندما
قلتُ له :لكنى لم أقدم طلباً
قال أنه حصل على بياناتى
وصورة لى من الجريدة
التى أعملُ بها ، واستخرج
لى كارنيه العضوية ، فلما
طلبت إقامة المهرجان
، قال لى بالحرف الواحد :
" إلا
الشعر.. إنّ أخطر ما نواجهه
هو الشعر وأكره
الأشياءَ
إلينا"،ويشهد الله أننى بعد هذا اللقاء ماعُدت
ولاشاركتُ فى أيّةِ
فاعليات متحجّجاً ببعض الحجج.
___________________
*لقد كان ل (النديم) مؤلّفاتٌ شتّى ، مايُعَد بالمئات،
منها ديوان شعر نحو
أربعة آلاف بيت ، وآخر ثلاثة آلاف
بيت، وروايتين،هما"الوطن"و"العرب" ، وديوان
يصل لعشرة
آلاف بيت ،
محجورٌ عليه فى القسطنطينية مع كُتُب أخرى ، كما
له رسائل أدبية
تصل للعشرات . ومن كتُبه
: " النحلة فى الرحلة"
و"الاحتفاء فى
الاختفاء " و" الشرك فى المشترك " و
"المترادفات"
و"ومُوحّد الفصول فى جامع الأصول"
و" الرائد فى
العقائد "و " اللآلئ والدرر
فى فواتح
السُّوَر"و"البديع فى مدح الشفيع" و"أمثال العرب".
_وعندما كان فى
يافا ، كان قد ترك
بعض مؤلفاته عند عدد من الأصدقاء ، ولما أرسل رسالة لصديق له
فى مصر أن يذهب لفلان
وفلان ويأخذ هذه الكتب ،
فإنه من اعتذر بضياعها ،
ومَن أنكرها.
_ وكان إذا
كتب شيئاً جاءه من يستعيره منه ، ثم لايردّه عليه ، وقد
فعل معه ذلك جماعة
من أهل القاهرة والإسكندرية
والمنصورة.
_ ومنها، أنه
كان مُقيماً بقرية"بداوى"بالدقهلية،فبلغه
أن فريقاً
من أهل البلدة
يأتمرون عليه ليقتلوه، فاتّخذ فى
الليل جملاً ومضى
إلى مكان يأمن فيه على حياتِه، ولما جاء المؤتمرون ولم يجدوه، أحرقوا
البيت وفيه كتُبه.
_ومنها، أنه
كان لديه متجر بالمنصورة،فغافله خادمه
وسرق بعض متاع البيت
والكتب وهرب
_ومنها، أن
والده هاجر من الإسكندرية للقاهرة فيمن
هاجر ، فأحضر معه
كتبه جميعها وملأ
بها وبباقى أمتعته عربة نقل
من عربات السكة الحديد ، فلما وصل القطار إلى كفر الزيات ازدحم المسافرون من
المهاجرين وغيرهم
ازدحاماً هائلاً ، فلم يسع رجال
المحطة إلا أن رموا جميع مافى تلك العربة من كتب وغيره فى النيل ، ليركب الناس.
_لقد كان
متجره بالمنصورة،والذى كان مملوءاً بأنواع السلع الغالية، وكان بيته أيضاً كعبة
يحجّ إليها الأدباء
حتى غلبه
كرمه الحاتمى على
رأس المال والربح ففقدهما جميعا.
*حكايةُ النديم
ومأساته ، حكايةٌ طويلة ، سنعرضُ
منها ماتيسّر لنا عرضه... إنها حكايةُ الأدباء فى كل عصر...وفى حكاياتكم _أدباء هذا
العصر_المزيد.
________________
حامد حبيب مصر