حامد حبيب
الفلَكة ؟!
* كم للفلَكةِ مِن فضائِلَ علينا
؟
.....................
...........
_من منكم يذكر الفلَكة؟
_ أوّلُ عهدى
بها فى صَيف عام
١٩٦٨م ، فى الإسكندرية ، وكانت المرّةَ الأولى
والأخيرة....حيث
تمنّيتُ أن ألعب بطائرةٍ ورقية على السطوح مثل
باقى الأطفال ، وكنتُ الإبن الوحيد ، ووالدى فى
البحرية ، وكثيراً ماكان يغيب عنا ،
وكانت أمىّ
حريصةّ على تعليمى بشدّة..وكان الشهر الثانى لى
فى كُتّاب الشيخ (خميس) فى "العوايد"
فأعطتنى
التسعةَ قروش حساب الشهر للشيخ ، لكنّ
نَفسى
الأمّارةُ بالسوء ، أقنعتنى بأن أشترى ورقاً وخيطاً
وبعض
لوازم الطيارة الورقية ،
وصعدتُ على أطراف أصابعى لأعلى البيت ، فصنعتها ، وبدأت
أن أُطيِّرَها
، وماكدتُ أفعل
حتى وجدتُ أمى
أمامى ، تركتُ حبل الطيّارة وتسمّرت مكانى، فأمى
كانت امرأةً صارمة ، صديقةٌ لى نَعم ، ولكنها
تعاملنى
على أننى رجل ، لاطفلٌ صغير.. فهى إما
تحكى لى
قصص الأنبياء، أو تعلّمنى القراءة والكتابة
والحساب
وتكره أن أكون بعيداً عنها ، بمعنى أننى لم
أستمتع
بما يستمتع به الأطفال من لهو ،
أو يكون لى من
صداقات ، فنحن
صديقان لاثالث لنا.. سألتنى
فى غضب :" إنت ماروحتش الكُتّاب؟"..لم أنطق....قالت:
صرفت فلوس الشيخ على الطيارة؟..لم أنطق.
أخذتنى من يدى، واضطُرّت أن تأخذ تسعة
قروش
أخرى وتسحبنى سحباً إلى الشيخ خميس ، وحكت
له الحكاية ، ولم تنصرف إلا بعد أن قيّدنى
بالحبل
وضربنى عشرين عصاية، وأنا أصرخ أمامها ، و أنا
أقول : " أول مرة وآخر مرة "..ثم أخذتنى
وأنا لا أستطيع الحركة...لقد فاتنى
درس القرآن وبعضاً من
قراءة وحساب، فعوّضت ذلك لى فى البيت، بعد أن
ضربتنى علقةً ساخنة ، قائلة:" وهذا حساب
خيانة
الأمانة"..وماعهدتُ على نفسى يوماً أنى فعلت
شيئاً
يُشبه مافعلت.
وكان أبى يكره كذلك أن أغيب عن البيت ، أو ألعب
فى الشارع ، كان صارماً إلى حدّ كبير هو الآخر فى
هذا الأمر ، لكنهما فى ذات الوقت يعاملاننى كأنى
صديق لهما.
شعرتُ بقيمة ذلك عندما دخلت المدرسة ، وأنا متزود
بجمال الخط وحلاوة القراءة ، خاصة أنهم عودونى
على قراءة الصُّحف اليومية .. فبعد أيامٍ
قليلة فى
المدرسة ،
وكانت فى عزبة
السيدة زينب ، أننى
نُقِلت من الصف الأول الابتدائي إلى الصف السادس
مباشرة، بطلبٍ من
مدرس الصف السادس الذى كان
اسمه كإسمى، وذلك لحاجته لى فى الفصل وخاصة
فى حصة القراءةوالمطالعة ، حتى إذا انتهى
اليوم
الدراسى أوصلانى هو ومدرستى فى الصف
الأول
إلى أمى.
كنت فخوراً جداً، وأنا أقرأ عناوين الصحيفة فى
الإذاعة المدرسية وأنا فى الصف الأول الابتدائى
كأصغر مشارك فى الإذاعة ، وبقيتُ هكذا
حتى
نهاية الإعدادية.
كانت تلك "الفلكة"درساً لايُنسَى، وحرص أبويَّ
على
تعليمى، ومعاملتى كرجُل.
وكم أعطت تلك الفلكة من دروس لغيرى ، ورأيت
كيف صاروا من القامات الكبيرة فى مجالاتٍ شتى.
كان والد التلميذ يذهب بنفسه ليسأل عن
مستوى
ابنه التعليمى فى المدرسة، فيجده معلّقاً فى
الفلكة
فلايغضب من المدرس، ولاشيخ القرآن فى المدرسة
..بل إنه
إذا عصى الولد أمه أو أباه
، أخذه أبوه للمدرسة ليُعَلّق فيها..كانت وسيلة تربوية
صارمة ،
ولم يكتف المدرس
بذلك أوالشيخ ، إنما بعد
ذلك
يُعقّبان
بالتوبيخ ، ثم النُّصح اللطيف
أمام باقى التلاميذ...فتخرّجت أجيال
بهذا الأسلوب ، كلما
تذكروا ذلك ذكروا مدرّسيهم ومشايخهم ودعوا لهم بالرحمة ، لما كان لهم من فضلٍ
عليهم.
#الآن..إذا حدث يتربصون للمدرّس لإعطائه درساً لاينساه..يوبّخونه...يسحلونه فى
المدرسة...يتطاول عليه أولياء الأمور والطلاب...ماذا كانت النتيجة بعد
ضياع هيبة المدرّس ؟ جيل فاقدٌ للتربية ، فاشلٌ فى
تعليمه، يتطاول على أبويه كما يتطاول على المدرس
..ولادراية له بأخلاقٍ
ولادين..فأبو سيدنا محمد، هو
أبو جهل، والذى بنى هرم خوفو هو خفرع، والذى بنى
الهرم الأكبر(عمرو بن العاص)ورقم تسعة يُكتَب
بالمقلوب
، ويقع القلب على شاطئ البحر الأحمر....
وفقدت الوزارة وظيفتها تماماً ، حتى بات الباحثون
على وشك تأليف كُتب عن نوادر الطلاب، وكتب عن
"المرمطة"التى
يتعرّض لها المدرسون..وهم الوزارة تحصيل المصروفات أولاً، ورسوم الامتحانات أولاً..
وإذا سألتهم عن الدور الذى تقوم به. الوزارة ، فإن
الإجابة(.....................تحصيل المصروفات)!
أما الأسرة..فحدّث ولاحرج..الأم تُعلّم طفلها مالا
يُكتَب أويُقال..وطفلهم يغيب عن أعينهم بالساعات
الطوال ، ولاسؤال.. ولايسألون عما كان ، ولا
عن
أى شئ يخص تعليمه ... وفى هذا
الشأن حديثٌ
لايتّسعُ له المجال.
# زمان..وأىّ زمانٍ كان !