محب خيري الجمال
***
المتتاليات،
25
لا أحد هنا،
لا أحد هناك،
لا أحد يعرف رأسه من رجليه،
لا أحد هنا يتمكن من إسكات النغمة شديدة الشحوب
لا أحد هناك يفكر في الفصل الأخير لعناقنا الناعم،
كل صباح أرش وجهي البلاستيكي بقليل من الماء
وما بين تكور الليل وتكور النهار أواصل دوري
المناسب
من النباح المتواصل خشية الفصل التعسفي والنظرة
الفارغة
أنا أعمل من نور الصباح بمخيلة وفيرة
حتى حلول العتمة دون انقطاع
نحن عبيد القطاع الخاص ورماد قانون العمل المهجور
ومراكبه المحترقة في مياه ضحلة وضيقة
نبتلع الجزمة القديمة بخطة بالغة الدقة
لنا مخرج ومدخل كأبقار تساق أمام جمهور من الذئاب،
ولا عزاء لقصيدة تبكي بمفردها كل مساء،
بينما أنظر للوقت وأقول:
الساعة السادسة وخمس دقائق من طينتي الداكنة
وامرأة من مسرة الغيم تتسلى بقزقزة رؤوس العصافير
البيضاء
وبجانبها أعمار محطمة ونوافذ معتمة وابتسامة باردة
لجثة هاربة من ثرثرة البحر وارتجاف الأصابع
والشرايين،،
لقد تغير كل شيء أيتها الطيبة،،
ما بين الحياة والموت قصائد مالحة
جماجم مهشمة وأغاني ممزقة عن الحب والفراق
والعناق الواسع كقبر من الشتات والضياع،،
بحرية بسيطة وسهلة المسي النهر،
لا تذهبي بعيدا؟
تعالي لنصعد ثرثرة الأسلاك الشائكة
نلعب لعبة الأمم كجريمة منظمة
تنز بحكمة الجوع ولصوص الحروب،
المسي النهر بأصابعك المضيئة
الطيبة كبيت صغير أو كساقية تدور على اليابسة
مثل أي شيء آخر أو كما تحبين
المهم ضعي بصمتك بسكين باردة في رقبتي،
لا تخافي لن أشعر بالألم
لا تترددي في ذلك أبدا
ليس لي أحد يلصق صورتي الممزقة
ويسلم علي ويصلي صلاة تامة دون خطيئة دامية
لا تخافي وتجاهلي ألم القلب الثقيل،
أعلم أن اصابعك حنونة تلفني كحقيقة ساطعة
دون أن تتنبهي جيدا لكل الذين أحبوك قبل اختراع
الورق
أعلم أنك تنتظرين في نفس المكان عمدا
وفي تلك الأزقة دائما
وتتحدثين كثيرا كأني أمر عليك أول مرة
لا تخافي
ستجدين غرف مظلمة وضواحي خالية من الحياة
وظلي الذي يمشي بمشقة وارتباك في شوارع رأسي
كلما اتسعت خطاه في زنازين الشوك واللاءات
المؤجلة،
لا تخافي وأكتبي ما شأتي عن منتصف العمر
عن الجواد الخاسر ولحظات الجوع والعطش
عن إيقاع السكاكين وهي تلمع في براري الرقبة
عن الذكريات التي تنقر خشب الأكتاف المحنطة
الذكريات التي ضيعتني في عواصم العالم
ومسحت كل أحلامي المرتبة،
عن الغربة والأحلام وسنوات البكاء على الأرصفة
عن الفرح الصغير في محافل الأمم والملاجئ
عن الحب والبضائع الكاسدة في سوق الملوك والأمراء
الروايات الجميلة والصباحات الباردة
عن الرصاصة الطائشة والطائرات التي تطارد الثوار
عن الشجرة والفلاح والعصافير والأوراق الملونة على سبيل المثال
عن الدبابيس التي في ضفائرك الطويلة والغرف الضيقة
وحكايات البنات لو لزم الأمر.
عن المعتقلات والغابات والمتاحف والأحزان التي لا
تنتهي
عن العبودية و الطغيان وكتب الشيوعية وعمال
المناجم
عن ماكينات صناعة الحب والمدن القديمة
عن تنهد الطين في حلق الوردة وطلقة الخرطوش
الخائنة
عن مرونة الموت الكثيف تحت عجلات القطار
عن المجانين والكتاب الذي أقرأه سرا في العمل
عن لحظة الصدق في الانتحار بعد جرعة كاملة من
العدالة
عن القنابل اليدوية والبترول والمياه والأطفال
والقطط والمدافن البعيدة والوداع الأخير،
عن الاستعمار والكآبة والأكاذيب وتفاحة آدم
عن سقوط الدكتاتور وهتافات الضحى والبحر وجراحاته
اكتبي عن يوم العطلة إن أردتي ذلك
وقولي يا له من يوم ماطر وشاق،!
عن قطرات الضوء في زهرة القصيدة
أو عن المغفل الذي أحب ووجده طافيا كبقايا شمع متجمد
في أدراج الليل والصقيع
عن عدد الغرباء ولقمة العيش والبوح القذر في
الحانات،
عن النساء الخائنات وليال صاخبة بالذكريات المرة،
كل الخيارات أمامك مفتوحة ومتاحة "على عينك
يا تاجر" دون شرط أو قيد،
كل ما أخشاه أن تكتبي أحبك بحنجرة مذبوحة
احذري،،
ألا التصق كدمعة في انتظار الذبول على حائط
يسقط مجددا بلا أي حركة،،
أنا الوطن القبر
يدور حول نفسه ويسقط
ينبش جلده من أول شجرة صفصاف
حتى آخر
قطرة عَرق في صف البنادق والهراوات
وعليكِ أن تصدقي الأيام بأسمائها الوهمية،
صدقيني لا أحد هنا يحترم جنوني
حين انظر للجبل وأدعوه للترميم الدموع المحفوفة
بعينه،
كنت على إيمان كامل بقدرتي على تحريك أصابعه
الجافة
وبل ريقه بذكر اسمك على رؤوس الأشهاد
دون أن يدفعونني في لافتات القادة على جانبي
الطريق،
هأنذا أصفق بأضلاعي كلما نبحت الكلاب خلف غيمة
تتوضأ في ليل نافذتي،،
ما زلت هادئا أراقب جثتي وهي تمسح من صحن الوطن
ذباب الذكريات
ما زلت هادئا لساني يركض خلف الأحذية وحافلات
الجند المبللة بالنسيان،
اخرج كل ليلة لأقطف امرأة بحبري الناشف
أهش قطيع الصخور كراع صغير
قال للصحراء: أنا ممتلأ كدمية بقش البرد
فلا تسأليني عن عدد القتلى ورائحة الموت،
لذا سامحيني أيضا إن وقعت في غرام يرغي بالحصى
كلما شد البحر لسانه على الرمال اللينة،
هامش (4)
المناديل التي جفف بها البحر زيت البنايات
نائمة في حقائب من زجاج
الألوان الأليفة تهيم بلا منازل
الأنهار تقفز على كتفٍ نحيلٍ لمهاجرٍ
تخلص مسبقا من فكرة الحب،
يتمتم لأوركسترا الغرقى
متذوقا عورة الملح كعظام قدّيسٍ تعبت من مراقبة
الضوء،
.
محب خيري الجمال
مصر