حكاية بخطّ الضّباب
هيثم الأمين
تونس
في الضّبابْ
نمرّ جنبا لجنبْ
ولا أعرفَكَ/ لا تعرفني !
أمرُّ كجنازة رجل وغدْ
وتمرّ مسرعا، كعادتك،
كقطارْ...
كنت حافيا
لأنّ قدميكَ صارتا
طابورين تنتظران الموت الذي لا يأتي
وكعادتي، كنت منشغلا جدّا
بقدّاحتي البليدة و
بسيجارتي المنطفئة !
أمرُّ.. و تمُرْ
ولا يضحك الضّبابْ
من أصابعنا المبتورة و هي
تحاول اختلاس الاتّجاه من الممرّ الضّيّقِ
ولا نضحك من ارتطامنا..
بي و بكَ
ولا نعتذر، أيضا
فقط.. ننحني لالتقاط آخر
الأشياء التي سقطت منّا
ولم نعد مهمّيّن لها
ثمّ.. تمُرُّ.. وأمُرْ !
وحدهُ الضّبابْ.. يكون
واضحا جدّا.. في الضّبابْ
ووجهكَ
الذي يشبه وجهي قليلا
لم يكن واضحا لوجهي؛
وجهي الذي يشبه وجهك
قليلا، أيضا !
كنتُ.. أسأل عنك زجاج
النّافذةِ
الذي ما عاد يكشفكَ لي
لهذا خرجتُ أبحث عنكَ..
رغم الضّباب
وكنتَ تبحثُ عنّي، أيضا
لأنّك لا ترغبُ في أن
تفقدَ ملامحي
ففكرة أن يكون وجهك دون
وجهي.. كانت تُرعبكَ !!
في الحانةِ، كان الأوغاد
يرقصون و يغنّونْ..
لا تستغرب، يا صديقي
القديم جدّا،
فأنا.. أعرف أوغادا
يجيدون العزفْ،
يحضرون حفلات الجاز و
الأوبرا،
يذهبون إلى المسارح ودور
السّينما،
يكتبون كثيرا جدّا
عن الحب/ عن السّلام/ عن
الانسان،
يقسمون بأنّ الله صديقهم
المقرّبْ
ويكرهون كلّ الحروب
التي لا توفّر لهم مداخيل
جديدة !
أنت.. أيضا.. وغدْ
رغم أنّك لا تحتسي
النّبيذ،
لا تدخّنْ
ولا تخون حبيبتك !
أنا.. كنتُ لا أراني/ لا
أراك.. في الضّباب
وأنت
-با أنا
القديم جدّا-
كنت تراني وتراكَ
ولكن يزعجك أن تفسّر لي
أنّك صرت وغدا
و أنا
حذّرتك، يوم حاصرنا
العالم في وحدتنا، من الخروج
وأنت، ككلّ الوجوه
الواثقة من ملامحها، أخبرتني:
"لن
يجعلني هذا العالم وغدا"
!!!
لا بأس؛ لا عليك
يا أنا القديم جدّا
فأنا الذي لم أغادر وحدتي
و لم أثق، يوما، في
ملامحي
صرت وغدا يبحث عن حروب
توفّر له مداخيل جديدة !!!