الثقافة الأفريقية بين صورة الجد والأب و الدعوة لقتلهما معا
العقيد بن دحو
لم يكترث الرجل الأبيض
ولاسيما الغربي منه ، ومنذ ان وطأت قدماه
أرض أفريقية لضرب مقومات شعوب هذه القارة ،في علاقة استعمارية فاتح براضخ !.
كان يعرف ان هذه الشعوب
لا يمكن أن تستعمر و تدعن بسهولة إلا اذا ضربت المقومات الإنسانية في مقتل.فقتل
ودمر الحجر و الشجر و البشر ، بل استعباد الإنسان ألافريقي و اقتيد ، وحمل كبضاية
كتلة و مساحة و حجما و نوعا لشتى دول
العالم و لا سيما اوروبا و امريكا ،حيث يباع في سوق النخاسة.
اذن المستعمر وجد أمامه
ثقافة معينة انى كانت هذه الثقافة!..
غير انه تفطن لها مبكرا و
حاول ان يجرها لصالحه ،ترفيه الرجل الأوروبي التري القادم من بلاد الغسق.
حاول ان يوقف كل جميل و
يضفي عليها الطابع الفلكلوري ، قبل أن
يفطن الرجل الأفريقي و يحول ثقافته و فنه و ادبه إلى سلاح.
إسقاط الامرئي على المرئي
: كان و لا يزال يلعب القناع دورا مهما في حياة الأفارقة، فهو ليس مجرد قناع في جوقة او كورس يوناني
لفرقة درامية كلاسيكية، انما هو مكنون و خزان رهيب مدهش هائل مذهل ، مشع
بالسحر الأسر. يستحضر من خلاله صورة ورمز ومؤثر روح الجد او الابطال او الإله
بالمرة.حتى إذا ما رقص الأفريقي فإن هذا الأب او الجد او الإله هو الذي يرقص.
او كما يقول (اميه
سيزاري) : " هنا يمسك بالحياة و يعيد
توزيعها حسب قاعدة الغناء و عدالة الرقص " .
بمعنى : ان الرجل الراقص
الأفريقي ليس حسودا و لا نرجسية، محبا
لنفسه و بعده الطوفان ! انه معلم و قاض ورجل قانون و اجتماعي. يمسك بالحياة ثم
يقوم بتوزيعها على الجميع الدائرين به او المحيطين به بعدل و قسطاس امين.
لطالما استفادت الحضارة
الغربية الني نشهدها اليوم من الخلفيات
الثقافية الافريقية المادية منها و اللامادية
كالتكعيبية و التعبيرية و السيريالية. وحتى من الموروث الشعبي الأفريقي. من حكمهم
و غيرها من سلوكاتهم اليومية.
اذ ينطلق الفن الأفريقي
من تلك الحكمة حالة (كايدارا) من مالي الذي سجله (هامباتا با) وهو أحد حكماء
لفريقيا ، وقد قال عن الرواية الشفوية: " كلما توفي عجوز أفريقي تحترق وراءه
مكتبة ".
هذا ولا يزال كبار فلسفة
الفن يعودون إلى اصل شجرة علوم افريقيا و فنونها و ادابها ليكتشفوا ارثهم الفكري
من جديد ومحبة الحكمة هناك.
كانت هذه صورة الجد او
الابطال او حتى الإله التي ينطلق منها الفن و الفنان الأفريقي. سواء كان فنا
زمانيا او فنا مكانيا ، لاسيما الرسم و النحث و الموسيقى و الرقص .كان
نيابة عن الأب او الجد يتم كل هذا عبر وسيط القناع الطقسي او من يحمل قدرات و
طاقات عجائبية صاعقة !.
اما اليوم و بعد ان تحررت
أفريقيا من ربقة الاستعمار و من العبودية و من حتى فكرة القابلية للاستجابة استطاع
ان يستقل الفنان و ان يضع له بصمة عالمية
من تلك المحلية البكر او كما قال (روجو) : " بقدر ما تكون محليا بقدر ما تكون
عالميا ".
استطاع الفنان الأفريقي
ان بشيد مدينته الحضارية الأحسن معلم ، ان يشيد البنيات التحتية و الفوقية ،
ناطحات السحاب. السدود. المصانع و المعامل.
با اكثر من ذلك استطاع ان يخرج من وطنه و يساهم في بناء صرح حضارة هذا
العالم الحديث و ما بعد الحداثة. دون أن يتخلى عن خصوصياته المحلية وموروثه الشعبي
و قناع جده او ابه ، لا ليعود اليه وإنما انطلاقا إلى مبعث جديد طاقوي قدره ونفائس و علوم و إداب و فنون اكثر عالمية و
اكثر جدة وشدة وانتباه.
انها دعوة لقتل هذا الأب
او الجد ليس كما قتل اوديب ملكا أباه و انما من اجل الإجابة عن اللغز مجددا...لغز العصر ايا كان هذا اللغز !.
لم يتخلى الفنان او الرجل
الأفريقي عن الرقص. الرقص جبلة في نفسيته في طبعه الاصيل. حياته بل طوره إلى تنمية وتعبئة و سلاح.
فالزائر إلى البلدان الأفريقية يشعر بأن كل من حوله يرقص العمار و العمران و
الإنسان. الإنسان مضافا إلى الطبيعة . وكل من حولك يغني ،يرسم،
ينحث حتى ان كان غير ذلك ، كونه اكسيرهم اليومي .
دعوة لقتل الأب كون لا
يزال الأفريقي يؤمن بأن توجد حياة اخرى بعد الموت لتكمل حياتنا هذه !
اليوم تأكد للعالم اجمع و
لا سيما للرجل الأبيض ان افريقيا ايضا لم تكن يوما خارج التاريخ و انما في قلب
التاريخ ،بل الشبيه بالتاريخ ، و ما قبل التاريخ.
اذ يقول ( مالرو) :
" لبناء حضارة يلزمنا تاريخ و الشبيه للتاريخ " .
* - ما
الشبيه للتاريخ : هو كل عادات و تقاليد و حكايات شعبية...لهجات..خرافات...أساطير...
لقد تحرر الإنسان
الأفريقي الاوندراغوجي / Homo sapiens ليس من الآلهة و أصفاد تجار الرق قديما و من
بطش المستعمر ، انما من أصفاد عادات و تقاليد اجداده ، من الفكرة التي تحاول أن
تبعثه من جديد ليس إلى متحف الإنسان بباريس و انما بمتحف كل جميل إلى طقس لا حرارة
فيه.
او كما قال (مالرو) :
" ان المتحف هو الذي يجعل الصليب على ان يغدو نحتا " .
جماجم الملايين من
الشهداء الأفارقة التي يزدحم بها رفوف متحف الإنسان هي جماجم إلى ضحايا شرف واجب
مقدس ، لكن سرعان ما يجعلها هذا المتحف نحتا يوفر اللهو و الترف.... !.
لقد تبث للعالم ان الفن
الأفريقي فكرة وقوة و ما العالم الذي ظلم افريقيا الا ان يقر بظلمه و ان يعود ان
الحكماء مكاتشفا من جديد أو مستثمرا او
مشاركا مفاعلا في نهضة افريقيا من جديد . هذه القارة التي ظلمت في مجرى التاريخ و
لا تزال تظلم
اذن تبث للعالم ان
لافريفيا ثقافة قبل التدوين و بعد التدوين و ان العجوز الأفريقي كان مكتبة بشرية
يمشي بين الناس ؛ وان الراقص الأفريقي لم
يكن يرقص من اجل هز الاكتاف و الارداف وإنما من اجل ان يمسك بالحياة ، وإن الثقافة
الافريقية لم تكن ثقافة زردة وهردة انما ثقافة فكر و توعية و نضال و تعبئة و سلاح.
واخيرا انتصرت افريقيا
على كل العصب و العصابات العنصرية ( الابارتايدية) و علمت الأحرار و الحرائر عبر
العالم روح السلم في حدود انتشار التسامح ، كيف يرقصون كنوع من انواع التحجج و
التحرر...وعاشت أفريقية إلى الأبد بقناع او من دونه ، باب وجد او من دونهما
الإنسان و انسنة الإنسان اولا و اخرا.