نبيل عودة
من تراثنا الفلسطيني.. : نبيل عودة
اغنية من ايام السفر برلك 1914- 1918 أي الحرب
العالمية الأولى:
حيّد عن الجيش يا غبيشي قبل الحناطير ما يطلوا
ما حيّد عن الجيش لويش وَاللي يعادي غبيشي يا ذلوا
عين واغرب زين شيل شدي واقطع ارض الصين لا تهدي
تراهم جايين فندي فندي معاهم مرتين وبارابيلوا
ماخذ متراسي قاعد حاضر فرودي حراسي والخناجر
وبساحة برجاسِ مين يخاطر ؟ ومن عنة رصاصي يولوا
هدر الماتور نزل القايد وبصوتو الغدار قتلي رايد
و ربي يا ستار كل سايد وغبيشي المغوار ولا يذلّو
لا يعرف الكثير من إخواننا العرب قصة «غبيشي
وحسنة» الفولكلورية التي يتغنى بها الفلسطينيون والأردنيون في أعراسهم ومناسباتهم
وحروبهم، ويختلفون عليها أيضاً، وكل منهم ينسبها الى بلده ـــ وكأنّ غبيشي وحسنة
أصلاً عرفا هذه الحدود أو اعترفا بها، أو كأنّ قصص الحب عند العرب ما بعد سايكس
ـــ بيكو غير ما قبله. لم يعتقد غبيشي العربي اللقاحي المتمرد على كل بُنى السلطة
بضرورة اختراع تاريخ جديد ومنفصل للأردن أو فلسطين أو أي وطن عربي يُعاد فيه تركيب
التاريخ لتبرير حاضر التقسيم الذي صنعه الاستعمار. ولم يعتقد غبيشي بشخصية قطرية
يتم اختراعها لتبرير العنصرية ضد الفلسطيني من قبل أصحاب شعار «القطر أولاً». لم
يقلقه وطن بديل لأنّ الأوطان لا يمكن أن تستبدل (حتى بالجنة)، بل أقلقه وطن مسروق
ومنهوب وشعب مظلوم ومقهور.
وأُغنية المطاردين المفضلة «حَيِّد عن الجيشي يا
غبيشي» تروي حكاية غبيشي وحسنة، وهي، ربما، من أروع القصص العربية المماثلة، فهي
حقيقية وحديثة العهد، وهي أيضاً أكثر من مجرد قصة حب جميلة، وأكثر من قصة تمرد
وثورة على التقاليد والقبيلة والسلطة والدولة والاستعمار. هي قصة تعكس جانباً
مهماً من السيكولوجية ـــ الاجتماعية العربية المتمردة التي نشاهد بعض تجلياتها
اليوم في السجون الصهيونية. ولقد آمن غبيشي، كما يبدو من إصراره على مواجهة الجيش
والدولة وحيداً، أنّه لو كان الإقدام على المواجهة والقتال محكوماً ومشروطاً
بالتكافؤ في القوة والتساوي في القدرة على ممارسة العنف، لكانت الإنسانية كلّها لا
تزال تقبع حتى اليوم في عبودية القوي والمتغطرس. لكن جرأة القلة المتمردة دوماً
على المواجهة اللامتكافئة هي التي تصنع التاريخ، وهي التي تكسر وهم قوة الطغيان
وتفضح للآخرين بشاعة الاستسلام والخضوع. ففي هذا النوع من المعارك يَنْتَصِرُ
الطرف المُجَرّدْ من كل سلاح ويُهْزمُ فيها الطرف المُسلح حتى الأسنان بمجرد
ولمجرد
وقوعها.
يرفض غبيشي المطارد من قبيلة حسنة القوية ومن
الجيش (بقيادة «غلوب باشا» الذي يتهكم عليه غبيشي «بأبو حنيك» لرصاصة أصابته في
حنكه) والدولة، أن يهرب، «يحيد» عن طريق الجيش الذي يتعقبه ويصر على المواجهة:
«ما حيد عن الجيشي لويشي
واللي يعادي غبيشي يا ذله»
قصة غبيشي هي قصة فولكلورية أخرى تكشف تلك الطبيعة
العربية المتمردة والرائعة التي نحتاج إليها ونحتاج إلى تفجرها اليوم لتحرير
الأسرى، وتكشف مدى احترام الناس والتاريخ لهذه النماذج حين أصبحت فولكلوراً يتغنى
بها أهلنا في أعراسهم وحروبهم. هي قصة كل أسير فلسطيني وكلّ مقاوم وكل ثائر عربي.
هي قصة كلّ من يرفض الذل ويدفعه إحساسه العالي بالكرامة الإنسانية إلى المواجهه
غير المتكافئة، وامتحان حدود حاجز الممكن إنسانياً، رغم الموت المحقق الذي يمكن أن
ينتظره:
«ونعيش طريدة ولا مذلة
ولا نقول له سيدي ولا نخضع له
ما يهمني العسكر ولا الدولة
وبيدي إم كركارة وإلها صوله»
ايامها كان يجري شنق الهاربين من التجند للسفر
برلك... الموت واحد، اما شنقا او موتا في حرب لا عودة منها!!