حامد حبيب
العازفُ بالكلماتِ نشيجَ الأحلامِ والذكريات
[ محمود رمضان وديوانُه" معزوفةٌ لاقدمِ ناى"]
!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
لسّه الامل بيبُصّلى
والحلم مجدافى الصّغير
والرّيح
.....................
ضَىّ الصدور شوَّاف
وأنا لسّه باجمع من بخار البحر
وصوت الموج
وضربِة المِجداف
حروف حكايتى وقصّتى
------------------------------
إنَّ أهمَّ سماتِ الخَلقِ الإبداعى أنّه مُستمَدٌّ
من العقلِ
الباطِن ، ذلك
العقل الذى يجودُ بسخاءٍ ،
ويضعُ كلَّ مُدَّخراتِه تحت تصرُّف العقلِ
الواعى، وهو مايترجمه
(أبو تمّام)فى قولِه:
ولكنّهُ فَيضُ العقولِ إذا انحلَّت
سحائبٌ منهُ ، أُتبِعَت بسحائِب
والعقلُ
الواعى لايستطيع أن
يُنفق هذه الثروةَ الطائلةَ جميعَها ،
وانما يتخيّرُ منها
، ويُنفقُ من أرباحِها، ومانُسمّيه القوَّةَ المُبدِعة
الخلاقة فى الأدب والفنَّ ، هو قدرة خارقة
غير مألوفةٍ على الغوص فى أعماقِ
العقل الباطِن ،
واستخراج النفيسَ منه، والإفادة من
ثروتِه والانتفاع بثمرات
التجربةِ المُختزَنة.
ذاك الكامنُ فى قلوبنا وأنفسنا وضمائرِنا من
تراكماتِ
الأسى والحرمان يترجمهُ الشاعر من خلالِ سيلٍ من
المشاعرِ التى تفيضُ أسىً ،
فيلجأ تارةً للذكرياتِ وتارةً الأحلامِ ،
من خلالِ صُورٍ
حيَّةٍ ممزوجةً بالصوت واللّون
والحركة ، فى
صياغةٍ شعريّة سلسلة ،
لاتكلُّف فيها ولاتعقيد ، تاركاً
فيها قلمَه يصهلُ كما يشاء ،
ويعدو فى فضاءاتِ البوحِ بحُريّة..
وتلك سماتُه الشَّعرية فى دواوينه بشكلٍ عام ،
وفى
هذا الديوانِ بوجهٍ خاص.
كمُّ الأسى فى هذا الديوان ، كان له تأثيرٌ واضِح
فى تركيبِ الصورة الشعرية
وهيئتِها ، والحديثُ عن الذكرياتِ والأحلام والهمّ الذاتى كان
وُلوجاً له طابعٌ خاص فى رسمِ صُوَرٍ
تتواءمُ مع عالمَيهِما.
* ففى قصيدته " بين الحياة
والموت":
أنا كنت ساعتها
بشوف
مشهد م الماضى
شُفتنى وسط صحابى
وأنا لسّه صغيّر
وماكُنتش بَحسِب
إنّ العُمر قصير
إنّ الفرح قصير
إنّ الحلم قصير
............
وادى اللّى اترسّب
من مشاويرى وأحلامى
ف قَعر الايام
أُوضة
فى طُرقة طويلة
فى مستشفى
............
وأنا وسط الناس النايمة
على سريرها
بين الحياة والموت
---------------------------
أيامٌ
عصيبة مرّ بها
فى مرضِه ، فمرّ
به شريط الذكريات، وعاد للحقيقة ،
تلك المعاناة على
سرير المرض.
*فى قصيدته"وِشّ أُمى"يستكمل
الصورة المأساوية:
وأنا قبل البِنج بثوانى
والفِكر ماسكنى
بيجيب ويودّى
ياترى
الدنيا اللّى قضيتها ف مآسى
ح ارجع واعيش جوّاها تانى
حسّيت بسنّ الإبرة
بيفوت
هيّات نفسى
لبداية رحلتى للموت
وسافرت فى الملكوت
..........
وتعود الذكرياتُ تداهمه فى تلك اللحظات:
أبويا صابر ع الحياة
رجليه اللى شايلة
جسمُه التّقيل
عمّالة تجرى
عمّال يفحّر فى الحجَر
اللى راقد جوّه صدرُه
يمكن فى يوم
يتنفّس الحلم اللّى هارِب
فى البراح
.............
أُمّى كانت
رايحة جايّه
فى البيت الصغير
ملايين من المشاوير
رغم المكان ضّيّق
زى ساقية بتلِفّ على روحها
عمرها مابصّت لروحها
.............
عايشة تدّى
ماخادتش من دنيتها شئ
عاشت تعبّى ألبُوم حياتها
بحكايات
إخواتى
وبحكياتى
.............
اكتشفت حاجة غريبة فيها
مقبرة جماعية للاحلام
وأكوام من الاحزان
تشبه خِيَم الهنود الحُمر
ظلال ومدبوحة الحياة فيها
من كُتر ماطال النزيف
واربع فصول فى السنة
صبحُم خريف
____ انتقل فى القصيدة
عبر شريط الذكريات إلى والدَيه،
الأب ومعاناته فى الحياة، ثم الام كيف عانت
كثيراً
وكيف ضحّت لأجلهم ،
وكان المصير موت الأحلام.
استطاع
أن يُجسّد بسلاسة
حقيقة تلك المعاناة، وكأنه يريد أن يقول
أننا نتوارثها عن آبائنا ، وهذا معناه أن أزمان المعاناة فى
أوطاننا لاتنتهى.
كما استطاع أن
يدهشنا بالصُّور المجازية
العميقة...
الألفاظ _أيضاً _حملت إلينا
الإيحاءات التى تخدم الصورة
بعُمق ، كما فى تكرار لفظة"قصير"وكذا "قعر _مآسى _ ضيق _
ساقية _ مدبوحة _ نزيف_خريف"
كل
هذه الألفاظ توحى
بظلامية الحياة وعُمق المأساة.
إنَّ
أدبَ الماساةِ غيرُ
أدبِ الملهاةِ والكوميديا ، لأنّهُ
أدبٌ يتوغّلُ فى أعماقِ الذات ، ويُسلّم
(أرسطو) بأنَّ المأساةَ تُثيرُ العواطف، وتحرّك الشجون، وقد لاتخلو إثارة
العواطف من الخطَر ، ولكنه رأى أنّها
لاتكتفى بإثارة العواطف لِذاتها
، وانما لِتطهَّر
نفوسنا، وتتخلّص من تأثيرها ،
وتأمين سطوتها والمأساةُ كانت فى رأى(أرسطو) فيها شفاءٌ
للنفسِ من الشعورِ
بالخَوف والرأفة، والارتياح، فالمأساةُ فى نظره
تُشبهُ
العلاجَ الطبّى، فشاعرُ المأساة يُنقِّى النفوس،
ويردّها إلى العاطفة السليمة،حتى الشاعر
الانجليزي (مِلتُن)
قال:"إنَّ المأساةَ هى أكثرُ أنواعِ الشِّعرِ
نفعاً".
فالمأساةُ وإن كانت تُدخلُ الحزنَ على نفوسنا ،
فإنها
فى الوقتِ نفسَه تقدّم لنا صوَراّ من الحياةِ تسمو
بنا
وتُقوّى
عزمنا ، وتزوّدنا بنظراتٍ
صائبة ، وتجاربَ نافعة..فالأدبُ الحزين هو الذى يُثيرُ نفوسنا ، ويفجّرَ
فيها ينابيعَ العطف والرحمة.
*وفى قصيدته"نوادر م البشر":
قالِتلى أُمّى
ياابنى
كان
جدّك لُه
فى كل بيت فى البلد
فى قلب الكبير والصُّغيَّر
قَعدة ومكان
كان يُحصد الزرعة
ويفضّى م الزّلعة
ويحُطّ للغلبان
.............
الدنيا عاندتُه
مش لاقى حتى لُقمته
ماسترتوش هدمته
__________حقيقة يحاول أن يؤكّدها ، عن نكران
الجميل، وتغيّر الزمان والقلوب والعواطف ، ومأساة
أن تُذَلَّ بعد عزّ.
من أجل ذلك تجئُ بُكائية الشاعر:
الخير صبح ضمن الأمانى
والأمانى صبحت كتير
الأمانى باصّة م الشبابيك
ومن الباب الموارب
...........
بتبُص عينها مبحلقة
فى عيون غلام
الدنيا ماشية وهوّا واقف
البسمة راسمة السعادة ع الشفايف
رايحة جايّة تبُصِّلُه
وهوّا خايف
........ .
كان فاكر الدنيا
كما قلبُه النّضيف.
____________
* يواصل
رسم صورة المعاناة فى قصيدته "نفس الكاس":
أنا م الناس
مِن اللى مبقّعة هدومُه
بِعَرَق يومه
ودمعِة عيِّلُه المهزوم
..............
ونظرة ف عين ولاده بتسأل
على بُكرَه
يسيب الأكل ويقوم
ماهو عارف بأنّ بُكرَه
اللى بيقابلُه على الدنيا
حيجى نفس شكل اليوم
----------------
وأنا م الناس
من اللى عاش بيتمرجح
مابين العالى والواطى
وعاش طول عمره بيهاتى
فى آخر رحلته يشرب
مرار الكاس
يصاحب نفسه فى الوحدة
ويلقى الذكريات قاعدة
ووجع الراس
______________
*وفى قصيدته"تقاسيم":
واروح واجى هنا وهناك
ولحظة بَفتح الشبّاك
لقيت الوردة دبلانة
ونشفانة
كما الأرض اللى جوّانا
مع إنى كنت باسقيها
وأراعى كل يوم فيها
بقيت احكى عن الوردة
وعن أشواقى لحبيبتى
خلاص الحلو فى حياتى
صبح حكايات
...............فالودّ صار
مفقود والمشاعر تبدّلت ، ولاتبقى سوى الذكريات.
ومنها: شعوره بمَن حوله، وبمآسيهم، هناك همٌّ
مشترك:
ابُصّ من فراغ الشيش
فالاقى الناس كما هيَّه
كما نفسى
ماهيش قادرة على النسيان
ورايحة وجايّه بمآسيها
وتظهَر نظرة فى عينيها
فتكشفها
تعرّيها
فيه...مفيش
فى زحمة حزنها بتعيش
وادى احنا فى الحياة ماشيين
.......
ملامح تشبه الأموات
__________________
طالما هناك معاناة ، هناك الشعراء ..هم القادرون
على
التوغّل
فى أعماقِ النفوس
، وترجمة مايمور فى وجدان البشر، ولن يُهزَم الشعرُ فى
صدور الشعراء
ذوى الضمائر
الحيّة ، وسيظل
الشعراء لسانُ حال الشعوب وضمير
الشعوب.
وكما قال (نزار قبّانى) :
الشِّعرُ
ليس حماماتٍ نُطيِّرها
نحو
السماءِ ولاناياً وريحَ
صَبا
إنما
هو غضبٌ طالَت
أظافرُه
ما أجبنَ الشعر إن لم يركبِ الغضبا
-----------------------------------------------
*هذا الديوان"تحت الطبع" يحتوى على
عشر قصائد
للشاعر/ محمود رمضان..من شعراء العامية-محافظة
الشرقية_مصر.
* جاء
الإهداءُ فيه مُعبّراً
بإيجازٍ عن الحالةِ الشعورية بالديوان
، وهو إهداءٌ كُتبَ
بالفُصحى ، وكان قطعةً أدبية ثمينة
تستحق الاهتمام.
_ الإهداء:
" إلى عالَمٍ خرجتُ إليه ببُكائى
بهرتنى ملامحُه..
ووددتُ أن أتلمَّسه
ماكنتُ أعلمُ أنّنى
أتلمّسُ دموعَ الأحزانِ الآتية
مِمَّن سبقونى إليه"
---------------------------
كتب الشاعرُ ، وكما قال(المتنبّى):
ولكن تأخذُ الآذانُ منهُ على قدرِ القرائحِ والعلومُ
-----------------------------------------------------------
تحياتى للصديق المبدع/محمود رمضان
وتمنياتنا له بمزيدٍ من الابداع والتوفيق
------------------------
حامد حبيب_ مصر