العقيد بن دحو
الأسطورة مجددا و ابدا / الفعل و الوجود
* - "
الأسطورة ميراث الفنون " / (نيكولاس فريده).
لم يعد احد في
غنى عن الأسطورة، اذ وصلت جميع القيم و الفنون و الاجناس الأدبية و الاجتماعية إلى
الضيق بذات نفسها ، و لم يعد أكثر في الامكان ابداع اكثر مماكان.
لقد كتب يوما
(نيكولاس فريده) الخرافة او الاسطورة ميراث الفنون ، و هي زاد معين لا ينضب
للافكار المبدعة ، و للصور المبهجة ، و للمواضيع الممتعة ، و للاستعارات و
للمكنيات. وعليه تهب كل امرئ شيئا . صحيح انها لا تهيئ هدايا لامعة جاهزة
للمتشاعرين ؛ لاشباه المثقفين ؛ لانصاف المتعلمين ليخطوا أسمائهم عليها فحسب. بل انها ايضا تشجع اللامعين ممن لهم مواهب
أكبر.
الأسطورة نفس
جماعية لا فردية ، بمعنى الفرد الواحد مهما بلغت به حدة الذكاء لا يستطيع أن يبدع
أسطورة، انما يصنع حلما فشتان بين الحلم كنفس فردية و الأسطورة كنفس جماعية .
لقد قال
(هرمن بروخ) جميع الآداب تتجه نحو الأسطورة: الأسطورة سذاجة البداية ، لغة الكلمات
الأولى، و الرموز البدائية، و على كل عصر ان يكتشفها بنفسها من جديد. انها نظرة لا
تقوم على العقل ، بل هي نظرة مباشرة إلى العالم ، هي اللمحة الأصلية للنظر الاولى
. انها العالم باسره في صورة واحدة لا تتجرأ.
لقد أصبحت
اليوم موضة عالمية ان تكتب الصحف ريبورتاجات بلغة الكلمات الأولى ( الخبر مقدس و
التعليق واجب ) ، و ان يتظاهر كاتبوها ان النظرة السريعة تكفي لاعطاء اللمحة
الأصلية النظرة الأولى.
ان ما يهم هو
الوجود لا الفعل . لم يعد الناس يهتمون بالاحداث انما يهتمون بالوجود . والفعل
ديناميكي ، بينما الوجود ستاتيكي .واولئك الذين يختارون الوجود بدلا عن الفعل
تماما يختارون الأسطورة بدلا من الواقع الاجتماعي المتغير انما يفعلون ذلك - بشكل
غير واع عن الاعم - بسبب خوفهم من التحول الاجتماعي و التغيير ، و فقدان المنصب و
الجاه و الترقية و الامتيازات .
لقد قال
الكاتب المسرحي الملحمي ( برتولد بريخت ) : " لان الأوضاع كما هي فلن تبقى
كما هي " . و لا تبارك حكاية الوجود الاسطوري الا بانكار هذه الحقيقة.
ان حقيقة
الأسطورة اليوم صارت من حقيقة هذا الوجود ، لا يمكن النمو بعيدا عنها في جميع
المجالات الإقتصادية السياسية الاجتماعية الثقافية.
كون التطور
الثقافي و التقني و الرقمي الهائل الذي وصلت اليه البشرية يجعل العلوم الانسانية
تصل إلى الضيق بذات بنفسها ، و حتما ستكون
الحل كامن بالرجوع إلى ارث الاساطير و الخرافات لا نقاذ ما يمكن انقاذه.
من الصعب
اليوم عن اي سلطة سياسية كانت او غيرها ان تواكب العصر ان كانت تجهل الاساطير
العالمية و تاويلاتها الاغريقية و الرومانية في سالف عصرها الأصلي و حاضرا او
مستقبلا ايضا.
شانها شان من
يملك سلاح فتاكا قويا و لكنه يجهل خلفيته
ومرجعيته الحضارية المادية منها و المعنوية ، الصناعية و الامنية العسكرية ،
العلمية و الحربية الردعية الاستراتيجية.
العديد من
يحسبها مجرد أساطير اولين لا غناء فيها ، من هم يسبحون على السطح بالدواليب
المطاطية المنتفسة.
اما من
يحسنون الغوص فيكتشفون ما تكنه الصدفات من لالئ و جواهر حسان لا تقدر باثمان على
نر العصور و الازمان .
على كل عصر
ان يكتشفها من جديد بنفسه و يضعها في موضع الفعل الديناميكي لا الوجود الستاتيكي ،
فالحياة تتغير باستمرار و علينا أن نتدرب و نتمرس بشكل يومي تحضيرا و تجهيزا
للقابلية لعملية التغيير الهائلة التي اصبحت علينا الاساطير من جميع الجهات و برا
و بحرا وجوا و حتى فضاءا.
ليس لنا خيار
أمام الاساطير اما نتغير
ام نغير بقوة
الطبيعة وسنة الله في خلقه و سنن الكون.
ولأن الأوضاع
كما هي فلن تبقى كما هي .