إياك أن تترك مكانك لاشباه المثقفين
العقيد بن دحو
وهل ترك اولاد الحرام لاولاد الحلال حاجة !. في زمن : لم يعد في الامكان
ابداع اكثر مما كان .
كم يؤسف له أن نجد العديد من الاطر و الكفاءات تقدم استقالتها لأتفه
الأسباب، او نتيجة ضغط إداري بيروقراطي ميكيافلي ؛ فيه يتم عزل الاطر و الكوادر
بطرق ناعمة باردة ، حتى يفضى الجو لاشباه المثقفين و انصاف المتعلمين يعبثون
بالزمكان فسادا ؛ و هذه هي الحال التي وصلنا اليها اليوم البلوكاج التام الاعم السياسي
الاقتصادي الاجتماعي الثقافي.
بل لم يتركوا شيئا زمانيا او مكانيا يعود عليه مثقف اليوم.
وحتى ان حاول مجتهدا ان يتكيف مع الجو و يتأقلم، و يصبر لعل الزمن كفيل بحل
العالق منها و المؤجل.
ان الزمن لاله رحيم كما قالت الاغريق.
بل كل يوم في شان لعل الله يغير
حالا بحال ووضعا بوضع!.
وظلت دار لقمان على حالها ؛ لا قديم يعاد و لا جديد يذكر !.
"ولأن الأوضاع كما هي فلن تبقى كما هي " !. او كما قال (برتولد
بريخت) الألماني الملحمي التجريبي .
نحن على يقين أن الكوادر و الاطر و الكفاءات التي اجبرت على تقديم
استقالتها او اقالتها من المؤسسات العمومية التي كانت ناجحة ؛ و صدرت منتوجها
ارجاء العالم ، و باسم اللبرانية المتوحشة بالانفتاح على اقتصاد السوق العالمي ،
هي نفسها لو اعيدت اليوم ، و اعيد لها الاعتبار كفيلة أن تعود بنفس الروح الوطنية
نشطة جادة قادرة على إنقاذ ما يمكن انقاذه.
فاحيانا كانت السياسة في تلك الفترة و الأجندات و اللوبي و جماعة الضغط
الداخلية و الخارجية تتطلب هذا النوع من التفريغ ؛ حتى ان كان على حساب الذهنية و
العقلية الوطنية القومية.
كانت فترة بداية التسعينات ماساة وطنية وتراجيديا قومية بمعنى الكلمة شرفا
ونبلا ودفئا.
ضربت السياسة بالصميم و الاقتصاد و المجتمع و الثقافة.
اما اليوم و بدأت الذهنية تتعافى؛ و بدأ الحديث حول الشركات و المؤسسات
التي كانت بضاعتها تملأ أسواق الفلاح و السويقات الاخرى ؛ و عوضتها أسواق الشبيهة
بالاسواق الصينية المستوردة و الاغاني و الالات و الالبسة المستعملة !. ساعتها كان
يدرك المثقفون وهؤلاء الذين اقيلوا او أجبروا على الاستقالة اننا دخلنا عصر (
النفايات) الانتاجية ، حين تدفن الملفات لا تضر بالبيئة او الإنسان و انما اضرارها
مست اجيالا اخرى بعد فترة التسعينيات مخرجاتها تعيش نتائجه اليوم بكل تجلياتها
المادية و المعنوية الخفيفة و الثقيلة ؛ الصلبة و السائلة و الغازية. امراض لاحصر
لها ؛ ليست متعلقة لأعضاء جسم الإنسان؛ و انما امراض المجتمع ، حين تظهر لنا
الاخبار بأن فلانا نهب الملايير من الدناتير حتى عدها بالوزن اخف وارحم عدها ورقة
ورقة ، و ان علانا ايضا... كل هذا ناجم عن ازمة اخلاقية. كانت نتيجتها ابعاد
الإطار الكفء الخلاق المبدع للثروة ، وعوض بما يشبهه له القابلية للاستلاب الذهني
و النفسي و الاجتماعي ؛ و له الاستعداد لكل شيئ في سبيل ان يظل في الكرسي قائما.
سامحنا يا شيخ مالك بن نبي لم يتركوا مكانا (...) : ليتركه او يشغله او
يشغره العارف المتعلم لأخبار امته ووطنه.
فكل شيئ مسته يد ميداس الاسطورية ؛ كل من لمسه يتحول إلى ذهب ؛ تحكم
الزراية ، و كل من راك يراك على حسب ربحته و ما يجنيه منك من اموال وعتاد.
المصلحة طفت فوق السطح على حساب الوطنية و الانانية النرجسية عمت الاوجه.
كل نفسه نفسه و كأنها قامت القيامة ، و يخشى أن لا يجني شيئا من مشاع وريع وسقط
متاع الرجل المريض !.
الرجل المريض هذا الذي أصبحت معنوياته المالية و المادية فلكية ليست بنكية
وانما خزائن و مستودعات ، و حقا صارت العملة المالية تقدر بالكتلة ؛ الكتلة
المالية التي كنا نحسبها كتلا متعلقة باوراق نقدية بسيطة على وجه هذه البسيطة ،
تشبه حالة المواطن البسيط الذي غايته الأولى و الأخيرة خبزا وماء ليحفظ ماء وجهه
أمام اسرته البسيطة .
لم يعد شيئا امامه يتركه الجزائري مكانه ؛ كل شيئ لحقته اللعنة ، و الجميع
صار يبحث عن مخرج سليم لنفسه ، كالمطالبة بالتقاعد المسبق ؛ ليس بغية التقاعد
وإنما للهروب إلى الأمام؛ إلى أن يغير الله وضعا بوضع وحالا بحال.
والرجوع إلى تلك الفكرة:
لان الاوضاع كما هي فلن تبقى كما هي.تمة الحديث مجددا عن المكانة و الرتبة
و الترقية حينما تصبح مقرونة بالوطنية و ليست بالتصفية الحسابية المالية المادية
لمؤسسات كانت الأولى انتاجا وانتاجية ؛ كما وكيفا على مستوى العالم .