شتاءات الشاعر السيريالي " ملارميه "
العقيد بن دحو
تعتبر رائعة الشاعر الرمزي السيريالي " ستيفان ملارميه / St'ephane Mallarme' (1842 - 1898 )
" هيرودياد/ H'erodiade " من أروع الاساطير الشعرية التي كتبت
حتى الآن، من سلالة و طينة الرمزية
السيريالية و كذا الفنية و المنحوثات ، و
التمثيليات الدرامية التي مثلها الكبار حتى يومنا هذا.
لقد قال عنها (بودلير) و ( ( اليوار) ، و ( كوكتو) ، و ( بيكاسو) :
لايعتقدون مثقفا تنويريا في عصرهم هذا و بقية العصور لن ولم يقرا "
هيرودياد".
" هيردياد" شتاءات الشاعر ملارميه بامتياز ؛ بكل ما يميز فصل
الشتاء من تغيرات في الطقس ا. المناخ ، من حالة برد شديد وظروف طبيعية متقلبة
باردة جدا مصحوبة بتساقطات مطرية و ثلجية معا ، رياح و عواصف... إلى غير ذلك.
سماها النقاد بالشتاءات ؛ كونه ظل يكتبها عند كل فصل واحد محدد دون بقية
الفصول ؛ فصل الشتاء طيلة ثلاثين سنة بحالها واحوالها حتى شكلت للشاعر عقدة ، و
سماها المفكرين و علماء النفس بالحالة " الهيروديادية" ؛ تماما كما صارت
الحالة عند بطل الكاتب الرومانسي الانجليزي تشكسبير" الهاملتية " نسبة
إلى بطل مسرحيتة هاملت ، عندما تكون الحالات متداخلة يصعب حلها و فكها دفعة واحدة
او عندما يكون المسرح داخل المسرح حسب نظرية العوالم المتداخلة.
طيلة ثلاثة عقود من الشتاءات وهو يعود اليها، عودة الحبيب لمعشوقه ؛
الولهان ؛ المتيم بمعدل جيل بأكمله.
انها بمثابة بيت القصيد ، و قصيدة الديوان في ملحمة الحياة و الوجود
الانساني بأكمله.
انها أسطورة الحلم الفردي ، و حلم الجمعي الاسطوري . اذ لم تعد متعلقة بذات
الشاعر انما بالناس أجمعين.
لا يعتقد النقاد الاوروبيبن أحدا من ادعاء الثقافة و الفن و الأدب لم يقرا
او لم يطلع شذر مدرا منها " هيروردياد" .
تعتبر " هرودياد" أسطورة الرعب
بلا منازع ، تصور للاثر الذي يخلفه الشيئ لا الشيئ ذاته.
طيلة هذا الزمن نصف عمره وهو يكتب قصيدة واحدة بصدرها و عجزها؛ بقافيتها
ووزنها ؛ و من الفها إلى يائها في فصل وموسم واحد.
حتى كاد ان يصاب بداء التوحد التكسبي.
( 30 شتاء) بعدها و تعدادها قضاها
جراها و يختصم عن شواردها ، حتى الفها و الفته ، سكنته وسكن اليها إلى أن صار
غيورا عليها كما يغار العاشق على معشوقة!
ظل يرعاها كتابة / ابداعا واسلوبا ولغة ووجدانا و شعرا طيلة حياته ، بل حتى
ما بعد حياته ظلت تقتات و تعيش على اثره و ذكره كما تعيش الارملة على معاش زوجها
المتوقى !.
هيرودياد - دون ما بين قوسين كونها صارت مالوفة واحدة من بين رعايا المملكة
الشعرية ومريدي مولانا صاحب الحبر الاعطم و المعبد (دلف) الاغريقي -
العذرية الباردة ؛ المرأة الجميلة
المجردة الأنوثة لا تحس بشيئ أمامها يسمى الرجل ؛ امرأة فضلت ان تحتوي و تحتفظ
جسدها لنفسها ؛ و انها منذ الولادة فطرت عن عدم التاثر بكلام الغزل بشقيه العذري و
الفاحش و ما يقولون عنها الشعراء و المغنيون و الغاوون و المتسكعون و المتحرشون و
المراهقون؛ سواء من أصحاب المراهقة المتاخرة او المتقدمة !.
هيرودياد الأميرة العذرية الباردة ؛ التي ترفع عن عالم الرجال ، بل من جهة
اخرى قد ترمز إلى عالم القصيدة التي يصعب ادراكها ، كون الشعر هو الاتصال بين ما
يمكن ادراكه و ما لا يمكن ادراكه. يصعب فك مفاتيح الغازها ، و شعريتها و طقسها
التي يقيس الشاعر نفسه من ادراكها .
لقد شغلت هيرودياد الشاعر ميلارميه و شغلت العالم الأدبي و الفني و الفكري
الثقافي الفلسفي النفسي الاجتماعي ، عن دورها المزدوج : كاميرة و أسطورة؛ كشخصية ورمز. كانت قصيدة شتاء بمعنى الحرفي
للكلمة ، أين تلجا الحيوانات ذوات الدم البارد إلى المبيت الشتوي البيولوجي . كان
الشاعر ملارميه كلما حل فصل الشتاء يتعاهدها بالحب و الرعاية ؛ لكن هاجسه الأعظم
وشوقه الاكبر إلى درجة صارت تشكل له بالفوبيا الرهاب المرضي ، ان تكتمل و تصير
فاتحة فهرس الناس اجمعين ، و كانه يحسد بقية الناس ان تتطلع اليها ، و ترى مفاتنها
السحرية العجائبية الخلابة الاخاذة ، و كلما تقدم بها العمر يردها اكثر لنفسه لا
غير.
كان الشاعر كلما حل الشتاء يلجا اليها في معبدها الرخامي ؛ إلى شرف كلماتها
؛ إلى نبل معانيها ؛ و إلى دفء حيويتها وحيواتها المتداخلة حسب نظرية العوالم
المتداخلة .
ولذا لم يك غروا ان لقبت بقصيدة الشتاء و شتاء القصيدة . بلياليه ونهاره
الطوال الباردة الممزوجة بذوي وقع اصوات المدافع التي كانت تدك الصفوف الامامية
لمدينة باريس ابان الحرب العالمية الثانية القاسية المدمرة .
يعالج موضوعها موضوع الخصب و النماء و الولادة ، تماما كما كانت تعنيه
أسطورة(جبيتر) او (ديمتر) او ( كاسطاليا) بالاساطير الاغريقية.
احب ميلارمبه قصيدته هيرودياد إلى حد الفضيحة الاخلاقية ، إلى درجة الحب المقدس Eros ، إلى درجة
احبها ان تظل حبيسة مخيلته، إلى درجة الجنون اسيرا لشعره حتى اوشك ان يكتب نفسه !.
عوضا ان يبوح بها للناس أجمعين. الذي يحيل حبيبته هيرودياد إلى سر تكون
العبادة.
الشعر سحر صوفي مقترن بالصلاة ( سوزا).
او انا لا اصلي كما تصلي المخلوقات انا اصلي على البيانو ( جولدن شتاين).
او جميع الفنون تقود إلى المعبد و المعبد يقود إلى الصلاة ( روحي غارودي).
ان اكبر تجلي شعري يعرج اليه معراج الشاعر ان يكون موضوعه ذاته هو نفسه ،
حيث الشاعر يرى ما لا يرى و يحس بما فوق المحسوس. هو نفسه كلام هيرودياد الذي
تواجهه لمراتها.
تتكون القصيدة من ثلاثة أقسام:
- القسم الأول بعنوان : افتتاح قديم/ Ouverture ancie'nne ، حوار بين
هيرودياد ومربيتها.
- القسم الثاني بعنوان "
مشهد" /Sc'ene
- القسم الثالث : يتكون من قسم رئيسي في القصيدة ، ثم من قسم غنائي يرد على
لسان القديس يوحنا/ Cantique de
saint jean
القصيدة تحقق ما يسمى بمبدا الذات ، اي ان الواحد منا بفعل ثقل و صعوبات
الحياة يسعى إلى تدمير نفسه لولا الدين و المعتقدات و البعد الأخلاقي.
ان تصبو إلى أن تصير صورة من كلماتها؛ اكثر اتحادا و تناغما مع ذاته. كما
تعيش مبدأ التحول : ايجاد العلاقة بين الإنسان و العالم المادي ، مثلها مثل
الإله(ميداس) او ( نرسيس) من عوقب كان تتحول سائر اعضائه إلى ذهب !.اسطورية في
الأحلام و المبدعة الفنية.
أسطورة هيرودياد تحيي فينا ذاك التيار الفلسفي ؛ ثنائية : الموت و الكآبة؛
الجمال و الكآبة؛ بين هيرودياد حين تعانق دياجير قتامة الليل.
والسعيد السعيد من يعش *** كالليل غريبا عن هذا الوجود .
او كما قال الشاعر العربي.
كما رأينا الليل عند مثيلتها " ميلوزين " في قصيدة شعر سيريالية
عند الشاعر السيريالي بودلير .
بمعنى : المرأة رمز منبع المدهش في العالم ، بينما الرجل شاعر وحسب ، مشاهد
يتامل هذا المدهش دون أن يتفهمه .
تقول أسطورة " ميلوزين" السيريالية ؛: لحظة راها زوجها تتحول إلى
أفعى، نظرت عبر نافذة غرفتها إلى الليل الذي صار بالنسبة اليها ليل السحر فطارت
عبره. إلى أن تتحول مع بزوغ الفجر إلى نجمة الصباح او إلى نجمة السحر.
وكخلاصة لنص لا بداية و لا نهاية له ، تمثل اعتى انواع عذاب الوحدة .
أحاسيس امرأة باردة (...) تتحول الى كاهنة و السعي للتحول إلى كوكب مشتريا، يتحدث
إلى المرأة و كأنها تتحدث إلى النجوم و الفراغ
هيرودياد الملائكية، الكهنة ، و النرجسية ثلاث وحدات تحقيق أسطورة الشاعر
ملارميه الذي لحقته بدوره لعنة التحول من الرمزية إلى السيريالية.
هذا الشاعر الاناني؛ النرجسي من احتفظ بإسرائيل و الغاز بطلته الشعرية سنينا طويلة ، خوفا من ان يطلع الناس و النقاد
على مفاتيح كهنوتها و يلجون معبدها لا يطلبون غفرانا او تطويبا او تطهيرا او
تكفيرا من ادران انفعالات النفس ، انما ان تصير هيردياد مجرد امرأة يحبها المحبين
و تحب بدورها ، و لا بأس أن حافظت ببعض أسرار جسدها عن الرجل حتى تظل امرأة كنبع
طلق لا طرقا ولا زنقا كيما تظل أنثى و ليست خرافة ينظر الناس إلى جمال غموضها و
سحرها.
من الصعب ان تكون ملما بثقافة العالم مالم تكن مطلعا على الفكرة "
الهيروديادية" ، و على الفكرة " الهاملتية" ، و على الفكرة "
الميلوزينية " ، و على الفكرة " الجابلرية" نسبة إلى هيدا جبلر
بطلة الكاتب ( ابسن). كون الشعراء لم يبدعوا حالات شعرية وإنما أفكارا ايضا.
تلك الفكرة التي تغير وجه العالم.