العمل الرابع و الجدار الرابع / من (روبيرا اسكاربيت) إلى(برتولد بريخت)
العقيد بن دحو
الكتابة عموما تدل على الخسارة اكثر منها على الكسب ؛ و لان الانسانية
جمعاء صارت تخسر من بريقها البشري اكثر من اي وقت مضى .
ولأن الكتابة النشاط الانساني الوحيد الذي لا يطاله زمن . اذ اضفى على
الكتابة الصفة الاجتماعية ؛ قد تتأثر بالمجتمع و العكس صحيح .
ان كل حدث كتابي يفترض وجود مؤلفين و كتب وقراء ، تقتضي وجود مبدعين و آثار
وجمهور ، على صلة معقدة بين الفن و التكنولوجيا و التجارة.
وكما يطرح وجود أفراد مبدعين مشاكل في التاويل النفساني و الاخلاقي و الفلسفي .
تطرح الكتابة نفسها مشاكل جمالية و
اسلوبية و لغوية وتقنية و حتى امنية.
اما وجود القراء - الجمهور يطرح مشاكل ذات طابع تاريخي وسياسي و اجتماعي بل
و اقتصادي ايضا.
ان انتماء الكتابة المثلث إلى عالم الاذهان الفردية و الأشكال المجردة و
البنيات الجماعية.
تدل الكتابة مع التطور التقني و التكنولوجي وازدهار المطبعات و المعدات و
آليات النشر الحديثة الرقمية صارت وظيفة او عمل رابع : حين يصير المبدع الكاتب ، و
الكتابة ( الاثر) ، و النشر ، والجمهور يشكل عملا رابعا ، المرور إلى الحلقة الأهم
و هي التجارة.
صحيح الكتابة و التجارة امران لا يستقيمان و يطرحان بعدا اخلاقيا اكثر منه.
و حتى ان حاول الدكتور طه حسين ان يجد توليفة تحفظ ماء وجه الجميع ؛ بين رجل الادب
و نصير الأدب؛ الا ان الوضع (...) يبقى قائما .حين يذوب الاستغلال الفني
بالاستغلال التجاري التقني.
اما الجدار الرابع ؛ او فكرة الجدار الرابع هي فكرة تعود إلى رائد المسرح
الدرامي الملحمي ؛ الطبيب الألماني التفكيري التغييري. التجريبي ( برتولد بريخت)
.حين لم بتوقف عند ابعاد المسرح الثلاث : المؤلف / المبدع ، الممثل ، و المخرج بل
تعداها إلى البعد الرابع الجمهور.
ذاك الجمهور الذي كان قبل بربخت ارسطويا بامتياز ؛ تكفيريا تطهيريا . يظل غريبا عن المشهد العام،
فليبق دخيلا حتى النهاية غريبا إلى غاية اسدال الستارة.
ان كل ما قام به بربخت حطم الجدار الرابع هذا ؛ و جعل من الجمهور فاعلا ؛
فهو لا يعرض عليه حلولا اجتماعية او يقرر مصيره او غيرها ، و انما لا يتركه يغادر
مجمعه الا وفد حقن ببلسم و تطعيم التفكير و التغيير ؛ له القابلية لاكمال او لصلاح
ما أفسده الدهر.
يعود الفضل لبريخت لان جعل فلسفته تسري بين الناس ؛ اذ الفيلسوف كان شاعرا
قبل أوانه، فإذا كان الرسام يرى بالألوان، و النحاث يرى بالحجوم ، و الروائي يرى
وفق الانطباعات المعاشة او علم الشعور ، و اذا كان الشاعر يرى بالصور فإن من شان
الفيلسوف ان يرى وفق الأفكار. تماما كما كان يرى الكاهن بالرؤى و المعرفة ، و
الجندي المقاتل وفق فعل القتل بالحرب. من حيث يشكل الجميع أسطورة فنان.
اذن سواء بالعمل الرابع أين تكون غاية الكتابة ان تصل إلى الجمهور فالجدار الرابع غايته ان يصل إلى الجمهور ايضا
( الجدار الرابع) وهو يحمل بوادر التغيير القابلية للانتقال إلى ما هو جاد وواع شريكا بالفعل المسرحي . ينتقل من التكفير إلى
التفكير ؛ و من التطهير إلى التغيير.
حين تلتقي سوسيولوجية الكتابة و الأدب مع ( روبيرا اسكاربيت) و رائد المسرح
المحلمي برتولد بريخت ، من العمل الرابع من اجل تحطيم الجدار الرابع ....
اما الحديث عنا مادام لا يوجد تنظير و لا مناظرة فكرية عقب نهاية كل عرض
فني او ادبي او ثقافي فلا عمل رابع و لا جدار رابع ناخذه حائط مبكى تبكي تحت اشاره
خيباتنا ، و نخبة في تشققاته التاريخية مطويات وريقات امالنا الأليم؛ و لا صكوك
غفران تطمئننا عن مصلانا الأدبية وعن الفنان المتضرعة المغلولة إلى اعناقنا .
صحيح الكتابة خسارة فلننظر كم خسرنا من محطة انتظار قطار لا يؤوب منه مسافر
!.