السجن و الكتاب
العقيد بن دحو
قد تبدو من اول نظرة شيئ لا يستقيم ، كان تحاول عبثا ان يكون ربطا ما بين
السجن و الكتاب !.
بل مدعاة للاستغراب ، وعجب العجب ، بين من يناشد الحرية ، الانطلاق و
الانعتاق ، و بين القيد و الاصفاد.
وفي مجرى الزمن و التاريخ اعتبر الكاتب ، المؤلف ، ذاك الجلاد ، السجان .
هو ذاك الكاتب من يتمكن سجن مجتمع لاكمله بين دفتي كتاب. بل كان المؤلف يرضي حاجات
" سادية" دفينة في نفسه !. اذ ؛
يتلذذ بعذابات جمهور كتابه الداخلي . أبطال، فرسان ، كومبارس ، ووجوه عامة
من سائر أفراد سوسيولوجية كتابه ، من محض
شخصيات من الواقع المعاش.
حين يحبس ويوقف مصيرا باكمله بين دفتي كتاب. كان يحول البطل إلى شيئه ، إلى
متاعه يخصه هو نفسه ، هو ذاته !. الكاتب او المؤلف يمتلكه بأكمله، و يدرسه.
انه السجان و الجلاد الفني الفكري
، بينما غدت الكتابة الحديثة عموما بمثابة " سرير بروكست" او غرفة من
غرف التعذيب .
" بروكست" : شخصية اسطورية ، زعما انه لم يكن يكتفي بسرقة
المسافرين ، بل كان يعمد إلى وضعهم على سرير خاص لديه ، فمن تجاوزت رجلاه حدود
السرير قطعهما ، ومن لم يبلغ السرير شده بحبال حتى يصبح بحجم السرير.
وبما ان الاسطوري يلون الطبيعي بما هو خارق للطبيعة. أدب استولدتها
الاستعارة . بقدر ما تحدد النهاية الأدب ، تكون النهاية بالاسطورة مفتوحة و مجهولة
الهوية و المؤلف ، و تكون النهاية مغلقة.
الأسطورة نفس جماعية لا فردية
كما تعتبر أسطورة " ديدالوس" انموذجا لصورة او رمز المؤلف. فهو
مهندس اغريقي بنى و شيد تلافيف متاهة جزيرة " كريت" ، حيث سجن!"
المينوتور " و حيث سجن هو بدوره
. صنع لنفسه جناحين من ريش ولصقهما بالشمع . واصطحب معه في طيرانه ابنه
" ايكار" . وحين حلقا واقتربا من الشمس فذاب الشمع و سقطا في البحر.
بهذين التحليقين ، يحقق السيريالي نفسه مرتين : مرة بالاتجاه الأعلى حيث
يحقق مبدأ الطيران ، ومرة باتجاه الغوص
بالاعماق حيث يعيد أسطورة يوسف و يحقق مبدأ الحلم.
عموما العلم صيد و الكتابة قيد.
كان هذا المعنى الاخر لصورة الكاتب المؤلف ان يصير رمزا للسجان الجلاد ،
بينما الكتاب يصير رمزا للاعتقال او للسجن. معتقلا او سجنا .
صحيح الأسطورة: " ميراث الفنون" كما يقول ( نيكولاس فريده) لكنها
لا تهدي هدايا لامعة لاشباه المثقفين و لانصاف المتعلمين.
الأسطورة رمزا خصبا لمظاهر الحياة اليومية .