الرواية على اعتبارها مجمعة للأساطير
العقيد بن دحو
المتفق عليه الرواية تمرين ادبي ،
يستخدم الإنسان قصة كي يعبر عن شيئ آخر.
حتى منتصف القرن 19 لم تكن تعتبر الرواية فنا من الفنون ، الا سبقا صحفيا .
مقالة مطولة ، او وثيقة ما ، او رسالة ما ، او حتى بحثا من البحوث ، بغية إزاحة
اللبس عن حادثة من الحوادث او الاحداث.
عوملت كادب هروب ، أين تمكن القارئ الوظيفي او غيره الهروب من ساعات عمل يومي مثعب مضني ، او من
اجل النوم جراء ارق اصابه ، او من اجل العلاج حين يحول الالم و الوجع عبر القراءة
آلى مسكن او مهدئ قرائي ! او حتى قراءات
حالات مؤثرات رغبات جنسية ما... !.
مع تطور العصر ، و نجاج الرواية ماديا و معنويا . اذ كانت الرواية ثري حرب
القرن التاسع عشر. فلقد أصبحت تملك الثروة الضخمة الثابثة من " التصوير
الاجتماعي" ومعظم الاسهم في ( مصرف
التاريخ) ورقابة المآسي البشرية ، كما صار لها فندقا من انجم خاص بباريس مع
(بروجه) ، و فيلا على البوسفور مع ( لوتي) ، و اقطاعات في الارياف منذ ( بلزاك
" الاله" ؛ و فلوبير). و حتى عام 1800 لم يكن يطلب منها الناس الا ان
تسليهم او تؤثر فيهم ؛ اما الان فانهم يراجعونها فيما يتعلق بمشاكل الفقر او
الطلاق او الاوبئة و الامراض ، كما صار لها لوحات اسهارية بروبجندية ، و لافتات من الادعاءات العلمية.
اخيرا صارت الرواية مؤسسة قائمة بذات نفسها !، لها مشروعها المحلي و الدولي
العالمي الثقافي الأدبي، السوسيولوجي الاقتصادي التجاري المالي المادي و الانساني
ايضا .
لقد أصبح الروائي اخيرا فنانا ، و لقد أصبحت الرواية فنا من الفنون . لقد
كف عن مجاراة التاريخ و الوضع المدني و الحكاية ، لكي يحوز على رؤية خاصة للعالم ،
تضاهي رؤية الرسام او النحاث ، و كما ان الرسام يرى بالألوان، و النحاث يرى
بالحجوم ، فإن من شان الروائي ان يرى وفق الانطباعات المعاشة او وفق ما يدعوه علم
النفس بوقائع الشعور .
وكما استطاعت الرواية ان تسترد من عالم الشعر أسباب خلوده الفني الأدبي،
نفي اللحظة. صارت الرواية شعرا مقروءا ، بقدر ما صار الشعر رواية مغناة . او كما
كان يقول ( بول فاليري) : " هناك انصابا تتكلم و هناك انصابا تغني " .
بمعنى استطاعت الرواية ان تاخذ و تستمد من عالم الملحمة و الشعر كل عجيب ،
مذهل ، مدهش ، هائل. عالم الحكي و الخرافة و الاساطير : اين يكون الإله او نصف
الإله او البطل القضاء و القدر الذي لا مرد لمشيئته.
الأسطورة الشبيهة بالتاريخ ، اذ لبناءةخضارة يلزمنا تاريخ و الشبيه للتاريخ
(مالرو).
صحيح كانت هذه ايام عباقرة اليونان
الافذاذ ، الذين اوصلوا لنا كل هذه الذرر الخالدات. لكن الباحث المتميز ، المثقف
اللقف الحصيف ، يلتمس لا شيئ قد تغير ، فلا تزال الآلهة المردة ( التيتانوس) الهة
الشر بكل ألوانها و انواعها تتحكم في
مشيئة البشر ، قائمة حتى اليوم ، رغم التطور الحضاري و الثقافي للامم و الشعوب ،
في دولة يحكم نظامها الديكتاتورية او
البيروقراطية او اسلوب الدولة الفاشلة.
أين يعتبر ( الحكم) كنزا يصير ميراثا بين أفراد فئة اوليغارشية شعارها هي و
بعدها الطوفان و الحكم و الدولة لمن يحكم .
لا تسمح للحكم بضخ دماء عناصر جديدة تجعله اكثر مرونة و ليونة و قابل للتجريب و التفكير و التغيير.
اخيرا عثرت الرواية على ارثها ووجدت ضالتها هناك ....، حديقتها الخلفية ، من تستند عليه ، و يحمي ظهرها وظهيرها المخلص ،
الشفيع9 ، الحارس ، الوريث " الأسطورة " : (الاسطورة ميراث الفنون) او
كما كان يقول: " نيكولاس فريده" . الأسطورة نفس جماعية لا فردية (
يانك).
لذا قيل عندما تخسر حبيبا او صديقا تكتب شعرا ، و عندما تخسر وطنا او
مجتمعا تكتب رواية. و مادامت الخسارة واحدة فردا او جماعة ، ستكون الكتابة و
الاستعارة من اجل تثبيت مصيرا ما ، و ما دامت الكتابة تدل على الخسارة اكثر منها
على الكسب .
كانت لابد للرواية ان تبحث عن مصير اخر ، عن باب اخر ، بل أبواب عدة لتولج
إلى عالم ، بل عوالم اخرى متداخلة !.
اين لا تكتفي بانتهاك ضمير واحد ؛ بل انتهاك عدة ضمائر دفعة واحدة.
صحيح الأسطورة سواء كانت في الشعر او الرواية او هما معا الرواية الشعرية
او الشعر الرواية ، لا تهيئ هدايا لامعة لانصاف المبدعين ، او أشباه المتشاعرين،
او مدعي الثقافة و الفكر و الأدب. وهي زاد لا ينضب للافكار المبهجة ، و للمواضيع
الممتعة ، و للاستعارات و الكنايات. وعليه
، فإنها تهب كل امرئ شيئا حنى ان كان حلما
جميلا.
انها لا تهيئ هدايا لامعة ، جاهزة للمتشاعرين او لانصاف المتعلمين ليخطوا
اسماءهم عليها فحسب ، بل انها تشجع اللامعين ممن لهم مواهب أكبر اكثر ، مثل (
بلزاك) الاله ، (سبنسر) ، (جونسون) ، ليشيدوا عليها بنياتهم التحتية و الفوقية ،
المادية و المعنوية اللامادية.
قد تختلف مضامين الرواية حسب كل شكل ، و حسب كل اللغة و اسلوب - من حيث
اللغة هي الأسلوب و من حيث الأسلوب هو الرجل او هو المجتمع ( بوفون / Buffon ) - حسب كل
مذهب او مدرسة روائية ، حسب كل عصر ، وحسب كل جيل ، حسب كل كاتب ، حسب كل بيئة ، و حسب كل قارئ بعد ان صار للقارئ
" عصرا " !.
عصر يضاهي به عصر الكاتب المؤلف الاديب.
من خلال توظيف الأسطورة يتم الادراك الملموس عن مختلف الايحاءات و الإشارات
و التيمات الخلفية و الاختلاقية ، الفلسفية ، السيكولوجية ، السوسيولوجية لمجتمع
من المجتمعات زمكانيا و بقية الوحدات الاصلية و الفرعية
الاخرى.
بل من خلال الرواية ندرك صوت الرواية ، ندرك صوت الأسطورة و حديث الأسطورة.
ماذا تريد ان تقول الأسطورة
ماذا تريد أن تقول الرواية
ماذا يريد أن يقول الكاتب
ماذا يريد ان يقول القارئ
ماذا يريد أن يقول العالم ؟
كلها أسئلة لعلامة استفهام واحدة (؟) : ماذا تريد الناس من الرواية مجددا ؟
كلها اصوات عديدة متعددة لحديث واحد .
من حيث صوت المجتمع هو من صوت الاله (الاسطورة).
" اسمودة" تلك الشخصية الاسطورية التي وظفها الكاتب المؤلف
الروائي العمل ليلا9 ، الهزاع الاخير ، يلجا انتزاع سقوف منازل مدينة مدريد ليطلع
على عورات الساكنة و هم نياما !.
في إشارة إلى طرح الحياء كما هي في الرواية السيكولوجية. تمتاز باطراح
الحياء في الأمور السيكولوجية كما امتازت الرياضة قديما (الاغريقو رومانية) باطراح
الحياء في الأمور الرياضية.
حين يرضي المؤلف " سادية" مرضية دفينة في نفسه - مرض الأدب و من
حيث الرواية هي المرض - حين يحبس مصيرا بأكمله بين دفتي كتاب. يصبح البطل شيئه ،
متاعه ، والراوي يمتلكه بأكمله، و يدرسه ، و يسجنه و يجري عليه مختلف التجارب!.
انه السجان الجلاد.
لقد كان دائما بلزاك يقول : "
إذا كان نابليون ازدرد الجيوش و عاش حياة أوروبا، و اذا كان كوفيه تزوج من
الكرة الأرضية ، و اذا كان اوكونيل تجسد
في شعب ، فإني انا أستطيع أن احمل مجتمعا باكمله في ذهني "
هذا يقودنا إلى اسطورة " بروكست" : لجات اليها الرواية ، زعموا
انه لم يعد يكتفي بسرقة المسافرين ، بل
يعمد إلى وضعهم على سرير خاص لديه . فمن تجاوزت قدميه حدود السرير قطهما ، ومن لم
يبلغ السرير شده بحبال حتى يصبح بحجم السرير.
الا ان هناك اسطورة اخرى تمس الرواية بشكل مباشر ، حتى أصبحت الرواية هي
ذاته الاسطورة. أسطورة " بروته". بروته آله البحر بالاساطير الاغريقية ،
قد تلقى من نبتون ابيه أسرار النبوءة، لكنه كان يرفض في أغلب الأحيان ان يتكلم ، و
لكي يهرب ممن يسالونه، فقد كان يغير شكله كما يشاء . وهو حتى يكون مقيدا بالاغلال
يتحول بغه98ضب إلى حريق و حيوان و تنين و ينبوع قبل أن بدعن لحاجة الكائن الانساني
الذي يلقي عليه السؤال.
تلك هي الرواية الحديثة القاضية بالاسطورة تقدم جواب الآلهة لكل من كان
يعرف كيف يرغمه على الإجابة. ان سر سحرها هو صوتها ذاتها او اسطورتها ، فهي تتيح من
خلال حكاية خرافة ، الحياة و الأسرار القائمة وراء الحياة ووراء الواقع . من خلال
الأسطورة انها تستطيع ان تقول كل شيئ من خلال لا شيئ .
( كل شيئ لا شيئ ) المذهب الرمزي.