هل عرفت الاغريق حركة نقدية ما
العقيد بن دحو
لا يمكن لأي حركة ادبية او فنية او فكرية ثقافية ان تزدهر ، و ان تتطور ان
لم ترافقها و يصحبها حركة نقدية، سواء كانت تحمل صفة نفس ابداعية جماعية ، او صفة
نفس ابداعية فردية.
لقد صاحب ( النقد) و نقد النقد ( الفا...بيتا ... جاما ) / ( alfa - Bita- Gama ) معظم الروائع الانسانية ، سواء كانت ملاحم او اشعار درامية ،
بشقيها التراجيدي الماسوي ؛ و الكوميدي الملهاتي منه.
فكما شكك النقاد الالمان القدامى منهم و الحداثيبن في ان يكون "
هوميروس" او " هزيود" هما من ابدعا جل هذه الآلهة و انصاف الآلهة و
الابطال التي وصلت الينا حتى اليوم.
اذ ، كانت معظم هذه الروائع
الأدبية الفنية الفكرية تبنى بالتراكم او الاضافات . اي كان كل شاعر حسب كل عصر ،
و حسب كل جيل يضفي على النص الاصلي تصوراته الفلسفية و من إبداعات الخلاقة وعواطفه
و ميولاته ورغباته النفسية الاجتماعية السياسية الايديولوجية اللاهوتية .
لقد اعاب النقاد و انتقدوا الشاعر الدرامي (صوفوكل) او يسمى ( صوفوكليس)
وهو يقلل من شان الآلهة!.
وهو يعرض (اوديب ملكا) على الركح
ووجها لوجه أمام الجمهور ، وهو يفقع عيناه و الدماء تسيل منهما ، عكس قواعد المسرح
الارسطوي ، الاخلاقي ، الذي كان لا يسمح
بظهور مظاهر العنف و الدم على المسرح.
كما عابت النقاد نفس الشاعر وهو يظهر البطل( اياس) مجنونا و سيفه البتار في
رقاب ماشية وثيرة اليونان البريئة.
كما عابت الشاعر ارستوفانز وهو يعرض البطل (هرقل) مجنونا ينزل في اهله
وذويه ، أبنائه وزوجته دبحا وتقتيلا !.
الا ان أعظم نقد انتقدته ، ووجهته الاغارقة ، هو النقد اللادع ، الابداعي
الذي وجهه الشاعر الملهاتي الكوميدي (ارستوفانز) للشعراء التراجيديا الثلاث : ( صوفوكليس - يوريوبيدس - اسخيلوس) ، بل وجهه
للتراجيدبا بصفة عامة.
حيث جسد هذا النقد في ملهاته / الكوميدية / ( ملهاة الضفادع) اكثر منها نصا
ادبيا صرفا.
اذ تلخص الملهاة : " حين ذهب الإله(ديونيسيوس) إلى العالم الاخر ، من
مملكة الأموات ، تحت الأرض( هديز) ،
ليسترد واحدا من الشعراء الثلاث : ( صوفوكل - يوريوبيدز - اسخيلوس) لم يكن
قد بقي منهم احدا . ذاك ان الماساة اليونانية انتهت بموت الشعراء الثلاث " !
بطبيعة الحال كانت الكوميديا / الملهاة هذه ساخرة ، هامزة ، غامزة للمال و
الحال التي الت اليه التراجيديا الماساة عند الاغارقة أجمعين دولة وحكومة وشعبا ،
كون الفن المسرحي عند الاغريق من التوابث للدولة اليونانية مدسترا في فهرس
القوانين و مختلف التشريعات التي شهدتها الحضارة الديمقراطية عند الشعب الاثيني
حرية ومساواة وعدالة.
حتى اذا تعلق الشعب بشيئ صار قانونا !.
فالجمهور الاغريقي كان ابعد ما يكون عن الجمهور الورع ، الدرويش ، المسالم
المستسلم، الخانع؛ الضعيف ، لا حول ولا قوة له. فالممثل الردئ ، كان تمثيله احيانا
يقابل ( بالصفير) الناشز حتى يخرج من المسرح ،
و كان يتعرض احيانا للرجم بالحجارة، و كانت علامة استياء الاغارقة ضربه
بكعوب نعالهم، الجزء الامامي من المقاعد الحجرية. ولا بد حالة مثل هذه (...) يكون
له وقعه الساحر الأسر في مسامع الممثل الخاطئة، ليقوم بعدها بالتجريب و المراس
الصحيح كتغذية راجعة ؛ اوكاثر رجعي . اذ الخطأ أصيل بالذات البشرية ، يمكن التقليل
منه لكن لا يمكن القضاء عليه.
كانت هذه الصورة الأولى، او اللمحة الأصلية لخلق مسرح النقد ابداع اولا له
بيئته الخاصة وعرقه و ما قبل تاريخه و الشبيه بالتاريخ.
اذ ؛ لبناء حضارة يلزمنا تاريخ و الشبيه للتاريخ او كما قال مالرو.
الا ان مع التقدم الثقافي و الحضاري و الفني ، و ازدهار الحركة المسرحية ،
و كذا تطور مدارسها الفنية و مذاهبها الفلسفية لم يعد النقد يعيش عالة عن الحركة
الابداعية الفنية المحلية و العالمية. كما لم يعد الناقد (ثانيا) ، او ملحقا او
تابعا . بل صار مبدعا خلاقا فنانا ( اولا) ، كتابة على كتابة ، و ابداع على ابداع.
صار منتميا للجماعة الثقافية.وكما صار الكاتب المؤلف مهندس الروح ، و المكتبي
مستشارا لعملية الخلق الابداعي ، و الناشر الراعي الرسمي للكتاب ، فإن الفضل كل
الفضل في نجاح اي إبداع بعود إلى بصمة و توقيع الناقد عن هذا المؤلف او ذاك.
الناقد هو المسؤول عن طريق الصحافة ( المكتوبة - المسموعة - المرئية -
الالكترونية ، منصات شبكات التواصل الاجتماعي) لنقل المحتوى الابداعي من الدوائر
الثقافية إلى الدوائر الشعبية.
تكفي بعض الأسطر المعدة على رؤوس الأصابع الفعل ، فعل السحر الأسر في انفس
القراء ، و ترسخ اسم المؤلف و الكتاب و تعززه في مخيلة القراء.
الناقد ينتمي مع المحيط الاجتماعي جنبا بجنب القارئ ، في الدائرة المثقفة.
له تنويعا في الآراء السياسية و الدينية و الجمالية ، و تنويعا في المزاج.
لقد استفادت الحركة الابداعية عند الاغريق حاضرة اليونان مبكرا من آليات
وفنيات و تطورات التي شهدها ( النقد)[ & - B - $] ,
النقد و نقد النقد اما بشكله المباشر او من خلال نص كوميدي نقدا على نص تراجيدي او
تهكما و سخرية من شاعر ما.
الا ان الراسخ و الثابت أخطر و اكبر نقدا ، هو ذاك النقد ، الضربة القاسية
التي وجهها الشاعر الملحمي " هزيود" إلى الالهة ، جعل منها ان تتخذ صفات
بشرية وخصائص بشرية.
ذاك ان الذهنية الاغريقية كانت تمجد الإنسان و تعتقد فيه اعتقادا عظيما ،
الإنسان عند اليونان هو أفضل شيئ في الوجود.
الواقع التفكير الديني اليوناني تفكيرا خصبا ، يتلخص في ان الآلهة حلوا
بالوجود ، و انها متحدة مع هذا الوجود بل الإنسان حل في الإله بحيث ملئ الآلهة
بالبشرة و صفاتها، و كان لهذا وقعه على الأدب اليوناني لانه امتاز بما امتازت به
الآلهة من تنوع و خصائص و تعدد.
وفي الاخير امتاز بدوره النقد بما امتاز له الأدب عامة ، و بما امتاز به
البشر ، و بما امتاز ت به الالهة.
نجد ( زيوس) سيد النظام ، الإله القوي يتنازل اخيرا عن سطوته ، و عن جبروته
لابن عنه سجين الحرية(برومثيوس) ، واهب النار للبشر ، يتنازل و يشارك معه اخوته في
السلطة وجعل من ديانته اللاهوتية تقترب الى ديانة بشرية.
اخيرا صار للناقد صوتا ، من حيث صوت الشعب من صوت الاله / Veix populei ex veix dei