الإمام والقطة
العقيد بن دحو
" جميع الفنون في الاسلام تقود الى المسجد و المسجد يقود الى الصلاة
" .
تعود هذه المقولة الى المفكر المستشرق الفرنسي " روجيه
غارودي" في كتابه (حوار الحضارات).
الذي اشهر اسلامه على ارض الجزائر ابان الاستعمار الفرنسي ، و صار يسمى "
رجاء غارودي". تعود واقعة اسلمته ، حين و قع اسيرا و اقتيد الى الجنوب
الجزائري ، و كان احد حراسه من اللفيف الاجنبي جزائري مسلم ، و لما قام روجيه
غارودي بشن اضراب رفقة رفاقه ، امر قائد
السرية باطلاق النار على المضربين المتمردين ، فرفض الجندي الجزائري بطبعه ، و لما
سئل لماذا رفضت اوامر قائدك !؟
قال الجندي الجزائري المسلم : نحن مسلموا الديانة ، و ديننا لا يسمح باطلاق
النار على الاسرى العزل !
كانت هذه الحادثة التي انقذت المفكر ورفاقه ؛ بمثابتة دعوة اسلامية من غير
داع. فهدى الله به قلبه للايمان و للاسلام
.
ما اجمله مشهد و لا اروع . قطة
وديعة ، تجتاز صفوف المصلين صفا فصفا ، و كانها مامورة الى غاية وصولها الامام ،
تبحث عن مصدر هذا الصوت القراني المرتل ترتيلا ، الذي بعث بالاتسان و الحيوان الى
النسك و السكينة و الوقوف امام الله مخلصا ورعا.
القطة تصعد على الامام من اطرافه السفلى الى غاية صدره ، ليساعدها بلوغ
مقصدها ، تصل اكتافه ، الى خلف رقبته ، تتاكد مما كانت تريد الوصول اليه ؛ عائدة
من حيث اقبلت اول مرة. بنفس الخطى الثابتة ، و لا من يعترض سبيلها او يزجرها او حتى تساءل لماذا دخلت طريق غير طريقها و مكانا غير مكانها ، القطة لم تخطئ
بالعنوان فهي خير العارفين بمشربها .
هذه اللحظات الموثقة ، المسحورة ، كانت لا يمكن ان تمر على العديد من
المصلين ، دون ان يكون من بينهم انسانا فنانا ، فيحول هذه اللحظة العابرة الاخاذة الى مشهد يشد انتباه الملايين
من البشر على هذه البسيطة.
لحظات يتوقف فيها الزمن او اي وحدة زمنية. و لا يمكن لها ان تمر مرور
الكرام بلا طرح انشغال ما او اشكال ما .
وقد تطرح قضية ما لو ان الفنان " بيكاسو " كان لا يزال حيا على ارض الجزائر لوثق الحادثة و صارت قضية
عالم. كما فعل في قضايا تمس الوطن و الوطنية.
لكان حول المشهد الى لوحة فنية كتلة و مساحة و حجما و انسانا ، و يسكب فيها
من روح روحه و يجعلها لوحة تسر الناظرين ، تبارك الله احسن الخالقين.
او التقطها نحاثا و فق ما يراه من حجوم و يجعلها منحوثة نسبة و تناسب ،
تبعث عن البهجة و السرور ، او التقطتها
كاتب مغامرا فصارت رواية وفق ما يراه من انطباعات معاشة او وقق وقائع
الشعور ، او التقط المشهد اخر و صارت فنا من الفنون الزمكانية.
تصير ( اللحظة) او قل هي (نفي اللحظة) خبرا خيرا رحمة المسلمين وبالحيوان
كما يوصي به الدين الحنيف.
المشهد الاثر الذي يخلفه الحدث ، او الخلفية او المرجعية التي تعكسها (
الصورة) الانسان المسلم و الحيوان ، هي الخلفية التاريخية التي رفض فيها الجندي الجزائري المسلم ؛ المجند
باللفيف الاجنبي اطلاق النار على حندي اعزل اسير. و بالتالي ربحت الانسانية
الحسنيين معا ، الهداية للاسلام ، كما ربح العالم مفكرا مستشرقا وظل على قيد
الحياة للى وفاه الاجل وحيجا مثقلا. بتهمة معاداته السامية !.
كان لابد ان نرى المشهد من رؤى مختلفة و من زوايا متعددة الزمنية المكانية البشرية ،
الناريخية الثقافية الفكرية.
اكيد الامام هدوء تفكير تعامله مع (الطارئ) اكثر روية و طمانينة ؛ و القطة
تواصل سذاجة بدايتها حتى النهاية. زاد الامام اللوحة الايمانية هذه لونا و اسارة و
شكلا وروحا ، مصبوغة بتسامي ؛ و تطهير
راق يسامت اي الذكر الحكيم ، يتلوها صعيدا
طهورا.
اكيد و القطة على كتفي الامام ، تمثلت له عدة مواقف من الثرات الاسلامي
حينها: ذكرى تلك المراة التي دخلت النار ، جراء قطة حبستها لا هي اطعمتها و لا
سقتها و لا تركتها تاكل من خشاش الارض !.
بل يكون تمثل له مثل ذاك الرجل
العابر السبيل ، فوجد كلبا يكاد يهلك عطشا ، فماكان الا نزل البئر و سقاه بخفه ودخل الرجل الجنة.
هي لحظة واحدة في ثوان معدودات استطاعت ان تلخص جل القيم التي يمتاز بها
المسلم ، تلك المواقف الانسانية التي مر بها ، و من حين الى اخر تعود الينا في شكل
ذكرى و عبرة ، لعل الذكرى تنفع المؤمنين .
انها مشاهد ايمانية جد مؤثرة ، تلك التي تحول الى اثر ساحر اسر في اقل من
لمحة بصر. صور و مشاهد ، تتجلى فيها عظمة الخالق ، المبدع ، الملهم ، الحاكم ، و
يودعها سره لحظا و لفظا و اشارة .
اكانت بشرا او حجرا او شجرا او حتى حيوانا ! سر الله في خلق
الله !.
لقد اوفى و كفى اليوم المسجد رسالته التي جاء بها الى هذه الخليقة جمعاء ،
قويها و ضعيفها فصدق المسجد
حينها ؛ حينما يقول : في بيوت اذن الله ان ترفع فيها اسمه ، يسبحون بحمده بالغدو و الاصال
رجال......"
ادى اسباب تواصله الاجتماعي الثقافي. المسجد ليس مصلى لاداء الصلوات الخمس
فحسب ، و انما مقرا و عدة قربى و مصليات اخرى ، دينية و دنيوية ، انما فنونا
جمالية زمكانية ، من حيث جميع الفنون في الاسلام تقود الى المسجد و المسجد يقود
الى الصلاة .
صورة المسجد ، الامام ، المصلون ، القطة ، صلاة التراويح ، شهر رمضان توحي
الى اكثر من مجرد خلفية فلسفية ، تفسر
اللوحة الفنية لونا و شكلا و روحيا و نفسيا اسلوبا و لغة .
انها فعلا تنطوي على فكرة حوار الحضارات ، و حوار الاديان الذي لا يزال
ممكنا .عندما نجد دور العبادة تقوم بوظيفتها الحقيقية الايمانية. و عندما يصير الامام
مقترنا بالفن ، امام فنان فلا خوف ساعتئذ عن المسجد و رسالة المسجد ، عندما تصير
كافة الفنون صلاة. الصلة بين العبد وربه.
الاجمل ؛ الجميع ادى دوره الايماني
، و تقبل الظرف كما هو في ذاته ، و دون تدخل في مشيئة القضاء و القدر.
صحيح هي مجرد قطة قادتها الصدفة الى المسجد تبحث عن خشاش الارض ، لكن عندما
يتقبل تطفلها المصلين و على راسهم الامام و دفء حياة المسجد بالداخل كما هو
بالخارج فتلك امور اخرى سيكون التفهم
(صوتا) ؛ صوت الشعب من صوت الله . تكون مبعثا للامل و زينة الحياة و بهرجتها ، و
ان حياتنا الدنيوية و الدينية ناقصة نقصا اصيلا بالذات البشرية ، يمكن التقليل منه
لكن لا يمكن القضاء عليه ، بل لا يمكن ان يتم كل هذا ، ان لم تكن محبتنا تجتاز (
الاخر) ، الاخر : انقاذ حياة جندي اسير ، او حياة حيوان او الرفق به في اشارة الى
محبة الحياة.... و كمن احيى الناس اجمعين .
ان الله اذا احب عبدا احب الخلق فيه .
صحيح كاتت الرؤية الاولى رؤية حلم
ترى الناس القطة.
والرؤية الثانية رؤية كلمة ترى
الناس الامام.
والرؤية الثالثة رؤية المسجد فكر
اما الرؤية الاخيرة هي شاملة كاملة اين يصير الجميع معنيا بالفنون
الاسلامية و ملما بكل الاساليب و المدارس و المذاهب الفنية ، بقدر ما هو معني
بالصلاة
جميع الفنون في الاسلام تقود الى المسجد و المسجد يقود الى الصلاة ، فكرة
انطلقت من الجزائر مع المفكر المستشرق رحاء غارودي رحمه الله ، و ها هو التاريخ
يعودها الينا في صورة امام و على كتفه قطة . في مشهد بديع متجليا بالوعي من حيث
الابداع : " لعبة الله " او كما
تقول الصوفية .