اللون الثقافي و اللون السياسي
العقيد بن دحو
يبدو اللون
لم يعد يميز طبيعة الاشياء ، و انما انتقل الى ما يميز القيم الانسانية جمعاء.
لم يعد
الرسام كالفنان (بيكاسو) او غيره وحدهم من يرون بالالوان ، ان المثقف ، الفيلسوف ،
المفكر ، الباحث الاجتماعي و الاقتصادي السياسي ، كل وله لونه الخاص من الالوان
السبعة ( الوان الطيف) او لونه الخاص من الالوان الاساسية ( الاحمر - الازرق '
الاصفر ).
فاللون
الثقافي بمعناه الخلفية او المرجعية الثقافية التي يصبغها على اثره هذا المفكر او
ذاك. ذاك الفنان على لوحته الفنية او ذاك.
غير ان يكون
نصا دراميا باكمله لونا فنيا او فكريا فتلك اشكالية اخرى.
لا تزال
تعتبر ( اونتجون) النص او اللون الدرامي
المحوري ، الذي يعود اليه المفكرون باستمرار ليصبغون لوحاتهم و مشاهدهم الفنية
باحسن اللمسات الاخيرة الفنية البديعة. كلغة و اسلوب حوار بين الملقي و المتلقي.
لدى تجربة
مسرحية " انطيغونا" لكوكتو بالملابس ديسمبر عام 1922 . كان جزء من خلفية
المسرح التي صورها بيكاسو غير مكتمل. و كان كوكتو و بقية الممثلين في الصالة
يراقبون المسرح.
كان بيكاسو
يتحرك في المسرح جيئة وذهابا ؛ صاعدا هابطا
امام المشهد الخلفي المصور باللون الازرق مع فسحة الى اليمين و الى اليسار
. و كان في الوسط فتحة يتلو كوكتو من خلالها دور الجوقة او الكورس اليونانية
بوساطة مكبر صوت. و فوق الفتحة مجموعة اقنعة نساء و اولاد و شيوخ ، و تحتها لوحة
بيضاء ظلت لتصير جزءا من المشهد. بعد ان نظر بيكاسو الى اللوحة البيضاء. حكا عليها
قطعة من الطباشير حمراء مما اكسبها شكل الرخام.
اذن المشهد
على اخراجه الحديث الذي اصبغ عليه عليه المبدع لونه ( الكوكتوي) منح للمشاهد لونا
معينا اين جميع الالوان على (قرص نيوتن) تتحد في لون الطيف ؛ اللون الابيض. و من
تمة تعمل العبقرية الابداعية كوكتو ، بيكاسو ، و بعض الممثلين على تحليل اللون
الابيض الى الوان السبعة الشهيرة او الاساسية الثلاثة منها.
لقد قال
بيكاسو يوما ؛ حين يعوزني اللون الازرق استخدم اللون الاحمر. كان يشير اللون
الازرق الى فترة عصيبة يمر بها المجتمع الفرنسي ، ابان فترة الحرب العصيبة ؛ فترة
الفقر و الفاقة و الجوع. فترة مرض عمى الالوان اين لا يمكن للمواطن ان يرى لونين
فقط من سبعة الوان ، و هي الفترة التي انتمى فيها الفنان بيكاسو الى الحزب
الشيوعي. و قامت مظاهرات خصيصا ضده.
حتى ان قد
وصفت لوحاته الزرقاء " باس نهاية القرن". بينما وصفت لوحاته الوردية او
الحمراء حالة ذهنية اكثر استقرارا و كلاسيكية، حتى غدى ينتمي الى المنطقة الزرقاء
حيث ترتبط بالاشكال . كان دائما رومنطيقيا
في المرحلة الزرقاء. اكثر اثيرية في المرحلة الحمراء او الوردية التكعيبية.
لقد حل العنف
و التدمير محل المدهش من جديد .
ولقد حل
اللون محل المذهب او المدرسة او اللغة او الاسلوب.
بل صار اللون
نصا دراميا ، عندما يكتسي الحداد و السواد " الكترا" عندما تحجب نور
الشمس الولوج الى غرفتها.
الا ان
السواد عموما لا يعتبر لونا بل هو عماء . حين يكون الجسم الذي تقع عليه الشمس او
الضوء ماصا لكافة الاشعة.
غير ان اللون
الاسود اسطورة الكاهن الاغريقي ( تريسياس). العمى تفوق ، قوة.
حين يخاطبه (
اوديب ملكا) : لقد كنت تحسدني يا تريسياس على ضوئي ، فاردت ان تجرني الى ظلمتك ؛
منذ اليوم لن تستطيع ان تستطيل علي بما يمنحك العمى من تفوق.
اذن لم يعد
اللون خاصا بلوحة فنية عابرة للزخرف ، و لكن اللون الحقيقي المناسب ، كيف تصبغه
على نص مكتوب قد زينت كلماته معانيه بزخرف الاقوال.
اين يلتمس
الباحث المتمكن او الناقد المكين من اماكن لعبتي الظل و النور ، ز من تجانس
الالوان في نشروع حضاري ما مادي و معنوي يسر الناظرين ، و يكون مقبولا للنقاش
الفكري و التصور الفلسفي ، و مختلف وجهات النظر التي هي اساسا مختلف الالوان
التجريدية و التجريبية ، التكفيرية التطهيرية ، ضمن لوحة فنية عميقة الجذور ثقافية
اجتماعية سياسية اقتصادية.
ان يعود بنا
" اللون" الى نشاته الاولى الدرامية التراجيدية على وجه الخصوص، مع
الاختلاف ، حين يعمد ( التناص) على صبغة النص الكلاسيكي بلون حديث يليق بكل الماسي
الاغريقية من جديد.و منح كل نص لونه الخاص.
تلك النصوص
الملونة التي تكون المقياس التي تنطلق منها قيمنا من جديد.
صحيح اللونين
( الابيض و الاسود) لم يعودا كافيين لاذواق عامة الناس الحزبية في عز ليبرالية
الحضارة الديمقراطية اين تكون مقدرة لون الحرية ، مقدرا بلون المساواة ، مقدرا
بلون العدالة.
فليختار كل
ذي موهبة و ناصية ابداع (لونه) كحالة سيكولوجية ذهنية للانطلاق والعودة كاثر رجعي
لتاكيد معلومة او تصحيح خطا ما .