الحكم " كنز فحافظوا عليه
العقيد بن دحو
ورد في الاثر الشريف : اخشوشنوا فان النعمة لا تدوم.
ويقول العلامة صاحب المقدمة بن خلدون: اخشوشنوا فان الحضارة لا تدوم.
و بين النعمة و الحضارة ، كبين اللغة و الدين ، كبين العرق و التاريخ ، او
كبين الانسان و البيئة ، او كبين السياسة
و الجغرافيا ؛ و ما بين ( التثنية) هذه لعبة طرفين في قضية واحدة اذا ما تعلق الانر
بشان رهان مصير الدولة ، تقدما او تخلفا او لا قدر الله صنفت ضمن نمط فهرس الدول
الفاشلة. و الحياة لا تعطي لضعيف ، سواء كان هذا الضعيف على مستوى الفرد او على
نستوى الجماعة او على مستوى الدول.
و كما تتاثر الدول بالجماعات و حتى بالافراد ، و بالجغرافية ، و بالسياسة ،
و بجميع القوى الحية المدنية منها و العسكرية الامنية ؛ تتاثر ( بالحكم) اولا ثم
بطبيعة هذا الحكم ثانيا .
لطالما اعتبرت اليونان حاضرة الاغريق ، و مهد منبع الحضارة الديمقراطية
التي يشهدها عالمنا المعاصر اليوم ، حرية و مساواة و عدالة : ان الحكم "
كنز" !.
كما العديد من الدول بعد جهد جهيد من النضال ، و التضحيات الجسام انتبهت
ورجعت الى اصلاح نفسها من الداخل اولا ، عادت الى قيم الحكم كمدخل ، متخلل ، مخرج
، و كاثر رجعي او تغذية راجعة ؛ تؤكد فيه معلومة او تصحح خطا ما. عادت الى الحكم ،
لغة و اسلوبا ، مذهبا او مدرسة تقييما و تقويما ، و اتخاذ قرارات مصيرية حازمة
بالزمكان المناسبين قبل فوات الاوان ، و قبل نهاية النهايات ، و قبل ما ياتي الفاس
بالراس و يصبح الجميع نادما على التفريط في زمن البدر.....!
اتبك وطنا كالنساء
لم تحافظ عليه كالرجال!
او كما قال الشاعر الامير الاندلسي بعد خراب الاندلس من ايدي المسلمين و
العرب !
لم يتاخر الفرنسيون عن الركب الحضاري العالمي للحكم على اعتباره كنزا في
جملة شهيرة :
Le pouvoir c'est un tre'sor.
بمعنى الحكم ثروة قومية وطنية لا تقل قيمة عن باقي الثروات المالية المادية
البشرية ، يمكن ايضا الاستثمار فيه .
فكما يمكن الاستثمار في جميع الحقول ذات العائد الاقتصادي ، التجاري ،
السياسي ، الاجتماعي ، الثقافي ، الريعي ، و كذا كما يمكن الاستثمار في الانسان في
مرحلة عمرية معينة ، حيث الكفاءات و القدرات و الاطر الخلاقة للثروة تكون في اوج
عطائها. يمكن ايضا الاستثمار في ثروة ( الحكم) ، اذا ما اعتبرنا الحكم كنزا
بالمعنى الكلاسيكي التقليدي الاخلاقي للكلمة.
وليس دائما مخرجات الحكم تكون تغذية راجعة مادية ، بل ربما يكون اثرها اكبر
، عندما يكون هو في حد ذاته المسبب الرئيس لخلق الثروة او لجلب راس المال الداخلي
و الخارجي الجبان بطبعه !.
وعندما يدعو السوسيولوجيون بدورهم الى ضرورة تفعيل و تحريك هذا العملاق
النائم من قمقمه ، الحكم الثروة ؛ الكنز من برجه العاجي او من خزانته الحديدية الى
التداول ، سوف يمنع هذا ( البلوكاج) و التضخم على جميع الاصعدة السياسية الاجتماعية
الثقافية الاقتصادية و لم لا المالية المادية.
بمعنى العمل على انسنة الحكم ، و ضرورة خروجه من النمطية التي يشهدها
اليوم.
خروجه من الاحتكار ، التضخم ، من الارشفة ، ومن ما تمتاز به التحف المتحفية
بالمتاحف.
" ان المتحق هو الذي يجعل الصليب يغدو ان يكون نحتا " / (
مالرو).
اذن الحكم ليس الوصول الى السلطة ، السلطات الثلاث المعهودة ( التنفذية ،
التشريعية ، القضائية ) ، و ليس الوصول الى الحكم من اجل البقاء فيه الى ابد
الابدين ، سواء بصيفته الفردية او الجمعية الحزبية ، و انما المحافظة على الحكم
يتم مع ضمان التداول عليه ، بل ان تجعله ذاته في حالة تداول (....) ! و من حين الى اخر تضخ في سنداته استثمارات
بشرية مبدعة خلاقة بدورها للثروة المالية المادية ليست لخزينة او مصرف الدولة ،
انما لمصرف القيم ، الثروة الضخمة الثابثة من " التصوير الاجتماعي" ،
ومعظم الاسهم في " مصرف التاريخ و للسياسة و الحغرافية و الطاقات و القدرات
بمختلف انواعها و اشكالها ".
ذاك هو ما صار حديثا يطلق عليه الحكم الصالح او الحكم الراشد.
عندما تتنازل " الفردانية " عن انانيتها ، و تدرك عن يقين و
قناعة ان الدولة لم تخلق لرجل واحد ، حتى ان كان السائد الممل : الدولة لمن يحكم
!.
غير انه يقابله على طرف نقيض : على من تحكم اذا كان البلد فارغا !؟.
وكلمة ( فراغ) تعني الكثير في عالمتا الحديث ، ليس الفراغ الاقتصادي و
التجاري و المالي و المادي ، انما فراغ الادمغة من اية قيمة انسانية تخرج الحكم من
ستاتيكية السياسة الى ديناميكية الفعالية و جعله ثروة قومية وطنية قابل للنماء و
التطور و الازدهار . حين يذوب الاستغلال التجاري و الاقتصادي في الاستغلال التقني
الفني الثقافي السياسي الاجتماعي ، ترعاه بالاستكشاف مجددا ، بالرعاية ، بالتكرير
، ثم وضعه في ايدي امنة حريسة تدرك ان الحكم كنز و الكنز حكم ان وصع عند اهله (
الرجل المناسب في المكان المناسب بالوقت المناسب ).