المسرح " الفقير" و النوم و الكسل
العقيد بن دحو
بحثت في الادب و الفن اليوناني ، حاضرة الاغريق ، و مهد الادب التمثيلي
المسرحي بشقيه التراجيدي الماسوي ؛ و الكوميدي الملهاتي لم اجد ما يشير الى
(الفقر) الفني و الاجتماعي !.
اللهم فيما اشار اليه الشاعر الاغريقي (هزيزد) حين قال : " الفقر دية
الكسل " !.
بمعنى : بما ان الافراد ، الجماعات ، الامم و الدول كسولة فحتما تكون فقيرة
.ليس فقط الفقر المالي و المادي و انما الفكري الثقاقي الذي ما بعده فقر ، و الذي
يرهن مصير وطن و بلد باكمله.
صحيح قد يقول قائل : لا يمكن فصل الادب و الفن عن الظاهرة الاجتماعية. و
بما ان المجتمع يكتظ بمظاهر الفقر و البؤس و الحرمان ، فلا يمكن استثناء الادب و
الفن عما يحدث بالمجتمع.
مجتمع فقير = ادب و فن فقير .
ومنه جاءت فكرة المسرح الفقير ، هي فكرة بولشفية ، بوليتارية ، تعود الى
المفكر المسرحي ، الممثل ، المخرج و المدرب ، الاشتراكي ، الشيوعي البولوني "
جيرزي غروتوفيلي " .
Le pouvre theatre / poor theatre
حين تلجا الجماعة المسرحية ( ممثلين - مخرجين - جمهور) الى استغلال كل ما
تقع عليه اعينهم ، و تلمسه ايديهم من امور مالية ومعنوية الى درجة استغلال الجمهور
كممثل رابع.
او يسمى المسرح النقي ، او مسرح العمل او الورشة. ايمانا منهم ، بان
المسرح لن يصل الى حجم التموين السينمائي
او التلفزيوني.
هذا النوع من المسرح لم يدوم طويلا ، حتى ان استغلت الظاهرة بعض الكسالى ،
الذين يحلمون احلام اليقظة و احلام النوم.
وحين يغيب الكد و الجد و الاجتهاد يغيب النجاح. حتى قيلت الحكمة : اربع
ساعات نوم تعني النجاح و خمس ساعات نوم تعني الفشل !.
فلينظر دعاة المسرح الفقير عندنا او كل القيم التي يمسها الفقر ، كم ساعة
يقضونها نوما في اليوم !؟
بل كم ساعة كسل يقضونها في القيل و القال ، و كلام مقاهي مرتشف بيباب
الفراغ....!.
مما ادى الى مسرح بلا جمهور ، او ما صار يسمى مسرح الشارع على وزن ( اطفال
الشوارع) ، او ( كلام شوارع) !.
لا شيئ ياتي من الفقر ، الفقر عيب حتى ان حاولت بعض الاوساط و الفئات
الاجتماعية و السياسية ان تقنع الشعب الجزائري ان الفقر ليس عيبا !.
عيب و كله عيب الفقر حتى ان كانت الظاهرة الاجتماعية فيها بعض من كل !. كون
الفقر يورث الكسل ، دية الكسل كما قالت
الاغارقة منذ القرن الخامس قبل الميلاد !.
الحقيقة المرة ، حقيقة المسرح الفقير ، عند بعض الكسالى ، من ابتلتنا بهم
السماء ، كما هي في رواية " الخرائب الدائرية " للروائي (بورجين) .
نجد الحقيقة الاولية ، ليست الا العالم
كما يراه فقير هندي ، و لكن هذا الفقير الهندي نفسه لا يوجد الا في فكر فقير اخر و
هلم جرا....!
تلك هي نظرية العوالم المتداخلة ، فكل كوننا هذا قد يكون قطرة دم في
جسم برغوث جبار ، يعيش في كون ليس الا
قطرة دم في جسم برغوث اخر !.
حتى اذا ما حاولنا ان نفلسف الفقر و تضعه في حالة تصور ذهني سيكولوجي
وجداني اونثربولوجي.
لنجد الديمقراطية المثالية الهزيودية تشير الى ان الديمقراطية. اي الحضارة
الديمقراطية لا تقدر بحجم الحرية ضرب المساواة. انما الديمقراطية تقدر بخبز
الفقراء و ترف الاغنياء.
اذن لا توجد اصلا حضارة فقيرة. و بالتالي لا نهرب من عجز القادرين الى ما
هو اعجز ، كان يحاول البعض تبرير الفقر او تقنين الفقر ، و الاشد فقرا عندما يمس
القيم و لا سيما الفنون و الاداب و الثقافات ، و الا كيف تفسر لوحة فنية يرسمها
فنانا مجهولا معدما لا يملك قوت يومه ، يبيعها ببعض الفرنكات المعدودات باحد
الشوارع الباريسية ، لكنها سرعان و مع بعض الوقت
تقدم نفس اللوحة في اروقة الكارتل الفني و البورصات لتصبح تعد بالملايين من
الفرنكات و الدولارات. ؟!
معنى هذا الفن اصلا غنيا ، الحياة هي التي تقلد الفن و ليس العكس.
الفن لا يقدر بثمن.
ولذا توجد دائما صفقة غير شريفة بين رجل الادب و الفن و بين نصير الادب و
الفن ، صفقة غير اخلاقية.
ولعل عميد الادب العربي د. طه حسين فقد اعطى ﷼لهذه المسالة
معناها المادي الصحيح بقوله : يوجد هنا صفقة غير شريفة فنصير الادب و الفن يعطي ذهبا
و فضةينفقها رجل الادب و الفن كلما حصل عليها.
اما رجل الادب و الفن فيعطي فنه و ادبه و فكره
اللذين لا يمكن ان يصرفا باي حال من الاحوال.
Taha Hussein , l'ecrivain dans La soci'ete' mode'rne
المؤتمر الدولي للفنانين البندقية 1952. نشرت في :
L'artiste dans la socie'te' contemporaine U.N.E.S.C.O 1954 .
اذن كل من يدعو الى جعل الفقر كالماء يسري بين الناس فنيا اجتماعيا ثقافيا
اقتصاديا سياسيا لا يحب الخير للبلاد و العباد ، بل يدعو بطريقة اخرى الى الكسل و
النوم في العسل .
صحيح امكانية المتاحة للمسرح المالية ، ليست هي كما في السينما او
التلفزيون ، لكن لا ينبغي الجهر به و كانه حرفة كالخبز .
رحم الله الرعيل الاول في المسرح الجزائري ، سواء كانوا بالمسرح الوطني او
بالمسارح الجهوية ، اين الجماعة المسرخية ممثلين و مؤلفين و مخرجين يظهرون كالاغنياء
من شدة التعفف.
لهذا جاءت ( الاجواد) بما جاد به الاعفاء من كلمات سخية غنية لا تقدر بثمن.
انزعوا كلمة "فقر" من منجد و قاموس الدراما ، و دعوا المسرح غنيا
بتاريخه امجاده الحافل.