الارض المجهولة" في الفن و الادب و الثقافة
العقيد بن دحو
كل المؤشرات تشير الى ان مثقف اليوم غير محظوظ ، غير سعيد . اكثر شقاوة و
تعاسة كلما تقدم في الفن و الادب و الفكر و الثقافة. كون تشابك و تعقد دواليب
الحياة في عز انفجار المعلومة. صار يصعب عليه القبض عن اي لحظة زمنية على محوري
التاريخ و المكان ييئة و عرقا.
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله ***
و اخو الجهالة في الشقاوة ينعم.
او كما قال الشاعر المتنبي منذ الف سنة و نيف.
وفي ظل قدرة الانسان تجاوزت طاقة الانسان.
مما صار للكلمة عائلة، عشيرة ، و قبيلة. و استطاعت ان تقتطع لنفسها اقطاعات
ارضية و عقارات...شانها شان ثراء الرواية الحديثة التي وصلت ثروة قومية و كفت عن
مجاراة التاريخ و تسلية الناس.
حين نظر الانسان الاغريقي الاول الى السماء ثم الى الارض اذهلته ، اذهشته ،
قدسها و انزلها منزلة الاله Ghea ، فكانت ولادة فكرة المكان يقع تحت واقعه
المحسوس الملموس ، و بين السماء و الارض و لدت فكرة الزمان وهي فكرة مجردة.
و بين التجريب و التجريد ، و بين الملموس و المحسوس و المجرد ، جاءت
تقسيمات الفنون على اساس فنون زمانية و فنون مكانية.
و من خلال ( الارض) ، جاءت الارض المعلومة و كذا الارض المجهولة .
في الواقع جاءت فكرة الا ض المجهولة. من تلك العلاقة التي تربط الكاتب
الاديب الفنان المفكر المثقف بجمهوره على جغرافية فنية ادبية فكرية ما ، او ما صار
يطلق عليها في علم سوسيولوجية " الارض المجهولة". باليونانية القديمة
الاصيلة الفصحى Ayvwotnyn او Agnosti gi او باللغة
الفرنسية La te'rre inconnue .
بمعنى لا يكفي لدراسة الجمهور بالزمكان ، من خلال المحيط و لغتهم و ثقافتهم
و فنونهم الادبية و اسلوبهم ، اذ لا يكفي لتحليل مجمل الواقع الادبي الفني الفكري
الثقافي. من خلال النظر الى النصف الكاس الفارغ فقط او المملوء ، دون التمكن من
النصفين معا. و دون ان تكون لنا فكرة عن قانوني الضوء ، ( الانعكاس) و ( الانكسار)
بالنسبة للناظم !.
وفي الوافع وراء الحدود الزمنية و الجغرافية و الاجتماعية يوجد جمهور كبير
لايستطيع ان يفرض على الكاتب اي قرار ، لكن يمكن ان يتابع الاثر وجوده فيه على
احسن وجه بواسطة المطالعة ، و بعض الاحيان لمجرد السماع او بعض التغيرات الطارئة.
و بنظر الكتاب المثقفين فان عامة الجمهور يرتبط بما صار يسمى " الارض
المجهولة" .
وله في هذه الارض المجهولة ، غير محددة لا بمعالم !و لا حدود جغرافية تاريخية
، له فيها رفاق : الجمهور الاجنبي و جمهور المستقبل او الاجيال القادمة.
اذن العديد من الفنانين و الادباء و المفكرين هربوا الى هذه الارض المجهولة
، بغية التقاء بجمهور و فنانين اخرين من نفس الجيل او من اجيال اخرى... و لضمان
الديمومة لانتاجاتهم الابداعية. كهروبهم اليوم وعبر الحداثة و ما بعد الحداثة التي
وفرتها لهم الحضارة الرقمية الى ارض مجهولة احرى رقمية " الفضاء الازرق"
، عبر منصات شبكات التواصل الاجتماعي. اين يحلق الجمبع مؤلفين و جمهور عبر الفضاء
الازرق الرقمي ، دون اي وزن ثقلي او جذب عام. اين تنعدم الجاذبية الارضية ، و
يعوضها الرقم و الاشارة و الصورة التي تسبق الكلمة.، و الجمهور مجرد رقم من
الارقام : مشاهد ملاحظ متفاعل راصد و سابر
ورصيد.
هذه الارض المجهولة ، نسي البحاثة الرحالة ( ماجلان) او (كرستوف كلومبس) ان
بكتشفها و يرسوا بها مراكبه ، و ها هي عبر حضارة الرقم تعلن عن ميلادها حرية و
تتيح تكافؤ الفرص للجمبع ، غير ان البقاء فيها ليس وحده للاحسن و انما للاقوى !
عندما بدورها تنتقل الدوائر الشعبية الشعبوية مشكلين على هذه الارض التي لا
تزال مجهولة - حتى ان اتضحت معالمها على ارض واقع المواقع حكومتهم الالكترونية ! و
صاروا سلطة اعلامية و سلطة ادبية وسلطة اخرى سياسية.
هذه هي الارض المجهولة التي حسبناها كذلك ، لكن سرعان ما تكيفت مع الطارئ
وصارت افتراضية ، عندما تحول كل شيئ الى رقم. كتاب الكتروتي...مؤلف
الكتروني...قارئ... مكتبي الكتروني... ناشر
الكتروني فاين الانسان اذن بكل انواعه : ( الانسان العارف) ، ( الانسان
اللعوب) ، (الانسان المتدين) ، ( الانسان الخرافي) !؟ اللهم الا اذا سمي( بالانسان الرقمي) ان صح
التعبير Homo Num'erique. انسان بلا صفات. اين المحسوس يصبح غير
محسوس ، و المرئي يصبح غير مرئي ، و من وراء الواقع الذي تدركه الحواس هناك وافع
رحب يتعدى الخيال و لا يمكن التعبير عنه الا بالمعادلات الرياضية.
العودة مجددا الى (التجريد) ما بين السماء و الارض ، حيث خرافة توالي الليل و النهار اي الزمن ، الاله
(كرونوس) يتصف بانه اله ظالم.
حتى ان قالت الاغريق القدامى : ان الزمن لاله رحيم !.
وعلى ارض مجهولة اختار ان يلتقي الجمعان الكاتب الاديب الفنان المثقف
المفكر و الجمهور.