حاجة الدولة الى المثقف
العقيد بن دحو
رغم ان المثقف في مجرى التاريخ ، سواء قبل التدوين و ما بعد التدوين يعتبر
الحلقة الاضعف ، و على الرغم حجم الريبة و الشكوك و الحذر التي تربط بين رجل
الدولة و رجل الثقافة و الفكر و الفن ، الا ان بكاد يجمع المتتبعين : حاجة الدولة
لهذا الاخير و لو على مضض - مكره اخاك لا بطل - كحاجتها الماسة لاي قدرة او طاقة
او مورد يعود عليها بالثروة و الثراء
المالي و المادي.
صحيح اخير الاديب الفنان المثقف المفكر صار سلطة (المانا) - Mana نسبة الى
الماناليزم - Manaleisme . لكن لم تشفع له و تمكنه بان تسمى الدولة
باسمه " الدولة الثقافية" . على غرار " الدولة البحرية" ، و
" الدولة الريعية " ، و " الدولة النووية " ، و " الدولة
الفضائية " و هكذا دواليك.... حين
تكون الاسماء و الطباع قلما لا تتفق.
نعلم ان حجم (الصراع) التاريخي بين المثقف و السياسي كبير جدا و ما خفي
اعظم ، رغم مضمونه النظري يجمع اكثر مما يفرق !.
لاسيما عندما يراد برجل السياسة ان يختزل الدولة في شخصه الكل ممكن ،
الضيقة الميكيافلية او الماكلوهانية ، الغاية تبرر الوسيلة ، او الوسيلة هي ذاتها
الغاية. ساعتها يلجا الى تحصين نفسه و اقتصار مصير دولة باكمله في ذاته
السيكولوجية (الانا) ، وهو (الانا الاخر) ؛ و هو (الاد) وانا الدولة !
وقتئذ لم يعد المتضرر الوحيد هو المثقف ، و انما ( الحكم) على اعتبار الحكم
عند الاغريق القديمة ؛ و الاغارقة القدماء يسمى " بالكنز " .او كما يقول
الفرنسيون: " الحكم هو الكنز " Le pouvoir c'est un tr'esor .
ان اهمية الثقافة بالنسبة للدولة عامل مهم في استقرارها و اسلوب نهج
تنظيمها. لا يقل اهمية عن تاثير حجم و كتلة و مساحة و لون اللغة و الدين. اللغة و
الدين طرفان و قيمتان متلازمتان في قضية واحدة. امران اساسيان للمجتمع و السياسة
!، شانهما شان العرق و التاريخ و البيئة . فتنظبم الدولة الناجح يفترض و يقترن و
يقترب وجود مجتمع سياسي ، و لكن علمنا التاريخ و ما قبل التاريخ السياسة مؤلفة
سلسلة من النضال حول المعتقدات و القيم الانسانية ، التي تشكل بدورها الحضارة
بشقيها المادي و المعنوي ذات المكون الثقافي والرائز المعرفي في حدود انتسار السلم
و التسامح. وفي السياسة ، يسعى الناس في استقطاب ولاء الاخرين العاطفي و الفكري.
فالمشاركة في اللغة تساعد على تبادل الاتصال ، و تعزز عرى وشائج العواطف
بين الناس مما يشكل اساسا التعاون في الحكم . كما يساعد الانتماء الى ديانة واحدة
على الربط بين الناس ، و يمكن الاتحاد ، كما يمكن في مذهب ديني واحد مشترك ان يعزز
وعي المجتمع ، التي هي في المقام الاول و الاخير تكون مخرجاتها مخرجات ثقافية شئنا
ام ابينا ، احب او كره رجل السلطة حتى لا اقول رجل الدولة!.
وكما يتيح كل انتخاب ديمقراطي مجالا للاختيار امام الناخبين ، و لا يسهم
بذلك في تامين حرية الشعب فحسب بل في تثقيفه وتوعيته ايضا. و غالبا ما تكشف
العملية الديمقراطية ، بسبب حرية النفد و نقد النقد ، المرشح المنافق غير المخلص و
المزاعم غير الصحيحة ، و كذا حجم البرامج الفاشلة امام الناخبين و امام الشعب
عامة.
اذن دور المثقف بالنسبة لدواليب الدولة ككل ، و لا سبما على مستوى المركزي
اهمية بمكان ، بمثابة العين الثالثة الحارس الحريص الشفيع الوريث من يكشف حجم
ماساة و تراجيدية خيانة الفساد ووضعها في ميزان رائز التقييم و التقويم و اتخاذ
القرار و كذا الاثر الرجعي لين تؤكد معلمومة و تصحح اخرى ، في زمن الصورة
الديجيتالية و انفجار المعلومة السيبرالية.
ان الدولة الحديثة و ما بعد الحداثة مدرسة و مذهبا ؛ الناجحة هي دولة تستفيد من دروس التاريخ بخيره وشره ، ماساته و
ملهاته ؛ ان تتناسى تلك الفكرة العدائية التاريخية للمثفق ، و ان تتنازل قليلا عن
كبريائها و انفتها السياسية السياسوية المفتعلة بالغالب و الاجتماعية ، و ان تحتوي
المثقف الاديب و الفنان ، كان تسند اليه بعض المهام السياسية التنفبذية ،
التشريعية ، القضائية كنوع من انواع الرعايا و الدعم ، عوضا عن تلك الجوائز التي
تقود الحصان الى الجزرة كما يقول المثل الفرنسي.
و الا سوف يلجا المثقف الى مصلاه ، الى ارثه ، الى صمته الازلي ، اكثر مما
هو صامت اليوم . وهو يرى حجم الكراسي
المتطايرة خارج كواليس المسرح السياسي ، تتقاذفها الاشباح ( الهاملتية) كحالة سيكو
درامية تشكسبيرية ، كيما لا يبقى احدا
بالحكم.
ان تعود الدولة الى المثقف الحقيقي الذي لا يزال كنزا مكنونا لن يستغل بعد
، و بعد ان استنفذت رجالات باقي الدوائر رصيدها الفكري و العلمي ، و لم يعد لها في
الامكان ابداع اكثر مما كان ، بالمنابر المحلية و الوطنية و العالمية . تشعر بانها
في حاجة الى دفاع اكثر مما تدافع عن الوطن.
الثقافة انقاذ ، ما يتبقى عندما نخسر كل شيئ ، و ما يجب ان نتعلمه بعد ان
نتعلم كل شيئ.
و المثقف ذاك الدرع البشري و الظهير و السلاح و السلطة و للسلاح الذي لم
يوظف بعد.
حاجة الدولة اليوم الى المثقف كحاجتها الى نصير و الى مورد بديل عن ريع
الريع.
الانسان هو كل شيئ، محور ومركز ثقل الكون بالماضي و الحاضر و المستقبل ، و
انسنة الانسان و الاشياء لن تتم الا اذا تضمنت هيئات الدولة ودواليبها المركزية
" المثقف" على اعتباره سلطة نائمة (مانا) نسبة الى المناليزم Mana prinvipe a la manaleisme.