الاتفاق على الكذب والاتفاق على الصدق
العقيد بن دحو
* - " انا كذبة تقول الحقيقة " .
هذه المقولة تعود الى " الى الشاعر المفكر السيريالي " رامبو
" .
اذا ما تم اسقاطها على واقعنا الطبيعي يحكمه الكذب ، كحوار بين الناس اكثر
منها الحقيقة اامؤلمة .
تعودت الناس على الكذب في الحب و الكراهية ، في الحرب و السلم ، و هي على
علم ان طرف السبب و السؤال في الشق الثاني و الجواب و النتيجة كاذب.
بل منذ الحرب العالمية الثانية ، و من يوم ان قال وزير الدعاية و بروبجندا
الحرب " جوزيف جوبليز" في عهد الحكومة النازية الالمانية "
هتلر" .
حين قال مقولته الشهيرة : " اكذب...اكذب..اكذب حتى يصدقك الناس !.
كان هذا الكذب الاجتماعي ، الذي حتما يقودنا الى بقية الكذب في القيم
الاخرى. الكذب الفني ، السياسي ، الاقتصادي و الثقافي.
اذ اعذب الشعر اكذبه او كما قال (ارسطو) في فن الشعر.
اين يتفق المتلقي ( الجمهور) او القارئ ، المشاهد او المستمع مع الملقي
(المؤلف) ، الكاتب ، الاديب ، الفنان او يتفقا على الكذب سلفا.
ان يتنازل كل طرف على صدقهما ، و يجعلا نفسيهما في حالة القابلية على (صدق)
ما يعرض لهما من اعمال.
وفي لحظة معينة ، او تسمى ( اللحظة المسحورة) ، اين يتوقف الزمن ، و يتقرر
فيها مصير امة باكملها ، بين دفتي كتاب ، او على لوحة فنية ، او على منحوثة ،
اوضمن رواية ، او معزوفة موسيقية ، او فيلم سينمائي ، او مشاهد مسرحية على ركح
مسرحي ، تمة فقط يتحقق الكذب المتفق عليه ، الذي يحقق ما يسمى بالصدق الفني
(...)!.
الكذب الذي يصدق الصدق الفني ، و الصدق الفني الذي يحقق الكذب !.
اذن ليس الكذب صفة انسانية مذمومة ، فاحيانا هذا الكذب يحقق حقائق مذهلة ،
حين يصير مراة عاكسة يقدر بالملايين من الدولارات ، ان بيعت لوحة فنية كاذبة
بالمقام الاول ، او حققت خطابا كاذبا اجلت المؤجل ، و عطلت عقارب الساعة عن وعود
كاذبة لم تحقق مسبقا.
وزير الدعاية الحرب النازية هو القائل ايضا : " حين يذكر لي مثقف
اتحسس مسدسي " !.
و بين الكذب و العداء للمثقف ، تتحقق فكرة سياسية اخرى ، لا تقل كذبا عن باقي
الكذب لونا ، مساحة ، حجما ، كتلة حقيقة ، كحقيقة هذا الوجود ، حين تختل الحواس ،
و تتداعى الخواطر بالوعي و اللاوعي . كان تصير المشمومات مسموعات ، و المرئيات
اذواقا ، و الملموسات مشمومات او مرئيات ، بما يغنى به اللغة الشعرية. او هو الكذب
المؤدي الى احد اهم اسباب ظهور مذهب السيريالية ليس في الفن و الادب و الفكر و
الثقافة ؛ انما في باقي مشاهد الحياة.
يعتبر (جان جاك روسو) المفكر الاديب الفيلسوف الوجودي اول من استخدم تعبير
(الغربة) المؤدي الى الكذب. لقد ادرك مبكرا ، انه عندما يتولى بعض النواب (تمثيل
الشعب) ، فان هذا الشعب لا يمارس سيادته بنفسه ، و يبدا في الانعزال داخل وطنه ؛ و
يشعر بالغربة.
ان الهيئة النيابية كما يقول روسو بامكان تكون اداة للحكم ، لكن لا يمكن ان
تكون اداة للتعبير عن الارادة العامة.
ان النواب لا يمثلون الشعب و لا يمكن ان يمثلوه . و السيادة لا يمكن ان
تمارس بالانابة. انها ان تمارس بالذات او لا تمارس اصلا ، و ليس هناك طريق وسط
(العقد الاجتماعي) .
يستطرد روسو قوله حول " اسطورة العقد الاجتماعي" في شكل سؤال
لطلبة الثانوية العامة بكالوريا : الى اي جد تعتبر نظرية العقد الاجنماعي اكبر
اكذوبة عرفها التاربخ !؟
لذا يتساءل و يشتكي نواب البرلمان
بالجزائر بغرفتيه ، العليا و السفلى ، المجلسين معا ، المجلس الشعبي الوطني ومجلس الامة تهميشهم ، و لا رئيس جمهورية زارهم
ووجه من على منبرهما خطابا للشعب او للامة. كون الرئيس او مستشاريه ، و من درس
فلسفة نظرية " العقد الاجتماعي" يعون جيدا ان البرلمان لا يمثل الشعب و
لا يمثل الامة. ربما تكون اداة للسلطة و لا تكون اداة للتعبير !.
ساعتئذ ؛ ساعة ما يتولى النائب عهدته النيابية ، يغترب و يصير حالة (...)
!.
اذا كانت هذه حالى السلطة التشرعية تشتكي من سلطة اخرى ، فلمن يوجه الشعب
شكواه وقتئذ !؟
صحيح الشعار السيادة للشعب او الشعب هو السيد ، شعار نسمعه كثيرا ابان
الاستحقاقات المحلية او الوطنية ، عندما تلجا الحكومات الى دغدغت عواطف الشعب ، و
تشعره لبعض الوقت انه هو السيد !
او تلك العبارة الرنانة التي تعلو لافتة واجهة المرفق العام : من الشعب و
الى الشعب.
كلها دعايات وردية كاذبة ، ليستمر الحاكم في المنصب او الحزب في الحكم ، و
بعدها كل طرف يعود الى بيته مثخن بالاتفاق على الكذب ، اتفاق فوق الطاولة و تحت
الطاول ، قبل و بعد ، ز ما بعد القبل .
انا كذبة تقول الحقيقة. و بالمقابل انا حقيقة تقول الكذبة.
ما يحكم الواقع الاتفاق على الكذب اكثر منه الاتفاق على الحقيقة
هذا هو منطق الحياة و من اراد غير ذلك فلينضح كالديدان من رطوبة الارض.