هل يعرف الكاتب جمهوره و هل يعرف الجمهور كاتبه
العقيد بن دحو
لقد كتب " شارل بيتو دوكبلو "
Charle pito doukiplo سنة 1751 قي كتابه : تاملات حول عادات هذا
العصر ، اذ ؛ قال : " انا اعرف جمهوري لذا انا اكتب ".
ترى ماذا يقول الجمهور ساعتئذ !؟
الملموس حسب سوسيولوجية الادب ، من ابن خلدون الى دور كايم الى روبيرا
اسكاربيب مامن احد الا و له جمهوره ، و خاصة من يقدم شيئ ذو قيمة خلاقة للمجتمع و
للانساتية جمعاء ، نافية اللحظة او اية وحدة زمنية في مجرى التاريخ و العرق و
البيئة (تين) Taine. يعني قسما
معينا من المجتمع الذي هو جزء منه.
ومن حسن الحظ او من سوء الحظ - لست ادري- اغلب الكتاب ، الادباء ، الفنانين
، و المثقفين و المفكرين لايعون بوضوح بان لهم جمهورا . كون هذا الوعي يشلهم و
يبطلهم و يعيق و يعرقل مسيرتهم الابداعية و القدرة على الخلق و الانتاج المعرفي
الفني الادبي الفكري. يجعلهم يضعفون امام غرورهم و كبريائهم و انفتهم ، و يشعرون
بانهم و صلوا ، و بالتالي هم صاروا كما هم في ذاتهم ، يشكلون اسطورة عنصرهم كبارا
عظاما لم يعودوا في حاجة الى سند او مدد او اية مساعدة احد او ابتسامة محاباة !.
و الغرور مقبرة العظماء ، و بداية السقوط!.
وقف الخلق ينظرون الي جميعا *** كيف ابني قواعد المجد وحدي.
او كما يقول الشاعر
او حسب قول شاعر اخر :
اصبحت فردا لا يناصرني *** غير البيان و اصبحوا جمعا
و مناهم ان يحطموا بيدي *** قلما اثار عليهم النقعا
ولرب حر عابه نفر *** لا يصلحون لنعله شسعا.
الا ان الكتاب و الادباء و الفنانين و المثقفين و المفكرين هم في اشد
الحاجة واسرى الى هذا الجمهور !
ان اوثق الوشائج وعرى روابط الكاتب بجمهوره هي رابطة الثقافة و ااحقائق
البديهية و اللغة ، من حيث اللغة هي الاسلوب و الاسلوب هو المجتمع (بوفون) Buffon .
ايتها االغة العزيز هل لي ان اسمع يونانيا الا بعد هذا الوقت الطويل
(فيلوكتيتيس) / صوفوكل . صورة البطل الاغريقي ، المحارب الجريح الذي يحمل القوس في
يده ، درع و سهام هرقل المجنحة. فيلوكتيت تروي اسطورة العبقري اليونانية الغامضة ، الذي هو قوة و ضعف
، قدرة و عجز ، و قد يبدو لعبقرية الفنان منشا تكفيريا تطهيريا قربانيا
(كاتيرسيزيا) Catharsis , التطهير من ادران انفعالات النفس.
فالعبقرية مقترنة بالمرض ، و هي مقترنة في كثير من الحالات بفقر الدم. و القوة لا
تقدر ان تقوم دون ان تلحق التشويه بنفسها.
هذا هو الكاتب المصاب بالانيميا المزمنة ، المرض الذي يجعله يقدم اكثر
لجمهور لا يوجد الا في مخيلته المريضة اصلا.
كاتب اسطوري لجمهور اسطوري ايضا.
ان الاديب المبدع يباشر عمله مع جمهوره سواء على ارض الخيال او على ارض
الواقع حوارا ، يسعى لان يؤثر ان يقنع ، ان يعلم ، ان يمتع ، ان يهز ، ان يعزي او
يحرر او حتى يكون مبعثا للياس .الا انه حوار ليس مجانيا و انما ذو غاية.
قد يصبح هذا الجمهور ايضا مبدعا و يعرفه كاتبه عندما يساهم وضعه في حالة
" ابداعية" عندما تلتقي نيات الجمهور ( الداخلي) للاثر الفني الادبي
الفكري الثقافي مع نيات الجمهور ( الخارجي) او من يوجه اليه الخطاب (...) !.
الكاتب ملتزما براغماتيا مع انتاجاته الابداعية ، بينما الجمهور غير ملتزم.
وعليه ان هذا الجمهور لا يتوقف عند هذه المشاركة التي لا تلزمه ، بل ان هذا
الجمهور يبنى بالتراكم و الاضافات يشكل قربى ثقافية ووسطا اجتماعيا ينتسب اليه
الكاتب ؛ بل يفرض على الكاتب بعض الحدود.
ان معرفة الكاتب بجمهوره من اسهل الامور ، و احيانا تكون من اعقد الامور ؛
فهو عندما يمارس فعل القراءة يرى و لا يرى ، يسمع و لا يسمع. غير انه في اية لحظة
بامكان ان يستيقظ المارد من القمقم .
والا كيف نفسر جمهور الشاعر الانجليزي المغتال الشهيد " كيبلينغ
" قبل و بعد اغتياله ، عندما صارت و سائل الاعلام الخفيفة و الثقيلة ،
الجامعات و الطلبة ، النقاد و الباحثين يبحثون له عن سيرة ذاتية لحياة اخرى لما
بعد الموت !.
عندما يكتب الكاتب من ذاكرة المستقبل ، و عندما يوجه حواره لاناس ياتون بعد
موته الفيزيولوجي ، ويولد من جديد ميلادا ادبيا خالدا.
وحده الكاتب الاديب المبدع يولد مرتين ، ولادة طبيعية وولادة ادبية ، بينما
يموت ميتة واحدة طبيعية.
اما اذا كان الجمهور قويا لمن يوجه له الحوار ، ستكون حيواته من نفس خياة
الكاتب الذي هو يعرفه و العكس صحيح.
الجميل ان الطرفين احيانا يعرفان جيدا بعضهما ، لكنهما يغضان الطرف ، و كل
منهما يتحامل على نفسهما و يدعيان بانهما لا يعرفان بعضهما بعضا لتستمر الحياة.
جدلية الكاتب و الجمهور ومعرفة
بعصهما لبعض ، شبيهه بمعرفة الاسطورة الاغريقية (ميراث الفنون). ان تعرفها جيدا ،
شريطة ان لا يسالك احد ماهي !؟
حتى اذا ما حاولت ان تجيب ؛ سوف يعتليك تلعثم المفردات و تلكؤ العناصر .
