الرئيس الراحل هواري بومدين و فاكهة ( الدلاع)
العقيد بن دحو
وانت تزور سوق " بودة" الشهير بولاية ادرار ، التي تبعد جغرافيا
صحراويا ، و الجنوب الغربي عن الجزائر العاصمة 1700كم.
و انت تتجول بالسوق ، بين مختلف باعة الخضر و الفواكه ، مما يلفت الانظار ؛
و يشغل التفكير : ظاهرة هيمنة فاكهة (
الدليع) او ( الدلاع) حسب اللسان الدارج الشعبي المحلي ، او كما يسمى ( البطيخ
الاحمر) ، من حيث تعددت الاسماء و الفاكهة واحدة.
صحيح كما تقول هناك الناس ، تغير ذوق الفاكهة ؛ تغير كثيرا . لم يعد كسالف عهده احلى و اجمل و
الذ.
كما لم يعد وحده طعم الفاكهة من تغير ، و انما ايضا ذائقة الناس ، و سائر
وظائف الحواس الخمس. اختل ميزان الطرس
فيها، و تصادى و تداعت الافكار بالوعي و اللا وعي ( السونستاسيا) او هي ( الايكولاليا)
/ Senstassias - Ecolallia .
كل واحد من الزائرين المشترين او المتنزهين ، الباعة كما يرى من خلال
منطوره للبضائع ، الذي يرى من خلاله
(الدلاع) او (الدليع) او ( البطيخ) !
كل واحد و كيف يرى هذه الفاكهة الموسمية ، التي ام يعد يحدها لا موسم و لا
شكل و لا طعم و لا كتلة و لا وزن واحد.
كل ، و من خلال حديقته الخلفية و مرجعيته الثقافية كيف يراها.....!
تعود قصة الدلاع الى مطلع سبعينيات القرن الماضي ، الى عهد الثورات ؛
الثورة الزراعية . يوم زار الرئيس الراحل هواري بومدين ولاية بشار حاضرة الساورة ،
و اراد ان يطلع عينيا و شخصيا مدى تاثير الجغرافيا على السياسة ، تاثير الجغرافيا
على الزراعة او الفلاحة ، تاثير الجغرافيا على الاقتصاد ، تاثير الجغرافيا عن
الثقافة ، تاثير الجغرافيا عن المجتمع ، و تاثير الجغرافيا المحلية عن الشريك
الاقتصادي التجاري العالمي. بحكم يوم ذاك كانت شراكة مع الولايات المتحدة
الامريكية ، و حلم كاليفورنيا الصحراء التي تحولت الى جنة فوق الارض ، تراوض
المسؤولين الاشتراكيين الجزائريين يوم ذاك !.
زار الرئيس الراحل هواري بومدين دائرة " العبادلة" حاضرة و سلة
" قير " الغذائية ؛ و من خلالها زار " سهل العبادلة الشهير" .
حوضي الرئيس باستقبال شعبي منقطع النظير ، خرج شعب المنطفه عن بكرة ابيه ،
و خرجت اطفال المدارس الابتدائي و المتوسط ، بالترديدات ، و الهتافات ، و اللافتات ، و الهمهمات ، و مختلف الطبوع و
الاهازيج و الرقصات الفلكلورية ،تتقدمهم فرقة رقصة " هوبي" الشهيرة ؛
التي بدونها لا يحلو موسم قطف الثمار و الثمور !.
مرحب مرحب
ياهواري
جدد و ابني الشعب الغالي !
هكذا كانت جل تلاميذة مدارس الجنوب الغربي تردد يوم ذاك !.
راجلا ؛ يومذاك اختار الرئيس الراحل ان يتفقد السد و السهل معا ، كل ما
انجز الشعبان معا الجزائري و الامريكي ، و ما قدماه من تضحيات جسام دما و عرقا و
نفسا وروحا ان يتحول ( الحلم) على الطاولة تخطيطا الى اسطورة او وعي جمعي على ارض
الواقع. من ارض صحراوية بور يسكنها الهوام و الهيام و (العهخع) الى جنة نعيم ، كل
سنبلة بمئة حبة ، و حب وورد و نخيل و رمان و من و سلوى ، و ما عند ربك خير ، و ما
يذهب الحزن : الماء ، الخضرة ، و الوجه
الحسن.
و هو كالهمام القائد الاسد الجسور ، يشق صفوف العارضين ، يحدث هذا و ينكث
ذاك كعادته ، استوقفه فجاة مشهد عجوزان امراة و رجلا ، كل بيدهما ( دلاعة) قال
للعجوز الزوج الاول ما هذا يا ابتاه !؟
قال العجوز بسليقة اللسان المحلي الدارج : هذه دليليحة يا ولدي.... !
ثم وجه نفس السؤال للزوجة العجوز ، فكان نفس الجواب !
ساعتئذ تغيرت ملامح الرئيس ، و استقطب جبينه ، و ارتفعت حواجبه ، و ارتدت
فرائصه ، و احمرت وجنتيه ، فخيم فجاة جو من الصمت الممزوج بالسمت فادرك الفريق
المراقق بفراسة الخبير المجرب امرا مريبا طارئا حل بالرئيس !.
تماسك الرئيس ، تحامل ، اطرق ، ثم رفع راسه شامخا الى اعلى صارخا في وجه
الجميع قائلا بلغة شديدة اللهجة :
" قلنا لكم ازرعوا القمح و الشعير و الشوفان ؛ و انتم زرعتم الماء
بالماء " !
عائدا الرئيس الراحل هواري بومدين و الوفد المراقق له غاضبا الى الجزائر
العاصمة ، دون ان يعلق شيئ في ذهنه من اهازيج ، و رقص ، شعارات خرقاء جوفاء ، و لا ( هوبي) يهب للساكنة
اليد العليا ، و لربما يغني الجزائر استراتيجية امن و امان السلم الاخضر.
كنت اريد ان اقول على وزارة الفلاحة ان لا تاسر نفسها في نوع واحد من
الانتاج الفلاحي سواء كان خضرا او فاكهة او انواع اخرى.... نباتية او حيوانية ،
بيو او غيرها او معدلة وراثيا.
الاسواق ليست مجرد عرض و طلب ، و انما سلطة ، حينما يرى المواطن صوته
الانتخابي الذي منحه لدولته و لوطنه و لامته متجسدا في حجم تلك الاسعار التي
تتماشى و قدرته الشرائية.
متجسدة في مثل ذاك الرئيس المثالي الامثولة الذي حرم على نفسه اكل الزبدة
حتى تتوفر لكافة الشعب الجزائري.
و انت تتجول بسوق بودة تلمس ليست وحدها فاكهة الدليع من صارت تفسر زراعة
الماء بالماء ، و انما الصناعة ، و السياسة و الثقاقة و التجارة و الاقتصاد.
الجميع بسوق بودة الوجه المصغر لسياستنا اليوم يفسر الماء بالجهد بالماء !.
الماء الذي في كل دورة صلاة استسقاء ، يشكل اسطورة عنصره !.
و الان تشابه علينا ( الدلاع) او ( الدلاح) هل ناكله كفاكهة او نشربه كماء
!؟
في كلا الحالتين علينا ان نخجل من انفسنا قليلا ، بعد ان كنا مطمورة وخزان
البسيطة من القمح و الشعير صرنا نحن من
اولى قائمة الدول المستورده له ، دونما حياء و لا و حشمة و لا وقار ، حتى اذا ما
سئلنا : ( كيف...لماذا...متى...اين...لما ) ؟!
بعد اكثر من
اربعة عقود : اعدنا تفسير الماء بالجهد بالماء!.