النسر و الغراب و بلوغ القمة
العقيد بن دحو
لقد عرف الانسان عدة تطورات ثقافية حضارية ، كما عرف و شهد نقلة نوعية على
محوري الانسان و التاريخ ، من الانسان العارف Homo sapiens الى الانسان
اللعوب Homo Ludens . لعبة انسانية عميقة الجذور ، القصد جراها
اعادة التوازن بين الانسان و المحيط او البيئة و العرق.
كان لزوما على هذا (الانسان) ان
يتكيف مع الطارئ و تقلبات الطبيعة ، في حدود
ضمان انتشار حفظ النوع و الجنس البشري ، و كذا حمايته من كافة الاخطار و
المحاذير التي تهدده حياته و ضمان معيشته من اجل غريزة البقاء و التمكن من الارض و
تطويعها و خدمتها ، و اكتشاف ما بها من كنوز لصالحه. اذ و هو يطور من نفسه يطةر من
محيطه ، و من اساليب الحياة فيها.
واصفا الحيوان وقوقعته ، و الانسان و بيئته.
ثم كان لا بد ان يستفيد من كل ما
يحيط به من حجر و شجر و بشر ، و ان يكون قادرا الرجوع في اي لحطة الى ذاكرته
الحيوانية دون البقاء فيها ، ليكشف لنا عن طبيعته الهائلة المذهلة المدهشة.
وضرب لنا مثلا بحيوان الطير ، الكواسر و الجوارح ، النسر و الغراب نموذجيين
امثولتين مع الفارق.
هل عرف اليونان حاضرة الاغريق نموذجا لوحش الطير كالنسر و الغراب رمزا
للسلطة ، و لبلوغ القمة ، انى كانت هذه القمة سياسية او اجتماعية او فنية ثقافية
اقتصادية. في قالب نص شعري ؛ ادبي فني
درامي ، بشقيه : التراجيدي الماسوي ، و الكوميدي الملهاتي. في قالب فني جميل ،
نشعر فيه بقوة و بقرب من حياتنا ، وبامعان في تفهم مشاكلنا في نغم جميل محبب الى
النفس ، له وقعه على القلوب الصادمة وقعا مباشرا ؟!
تعتبر مسرحية "الطيور" للشاعر الدرامي " ارستوفانز "
من افضل النصوص التي تتيح لنا التلميح دون التصريح ، و التجريد دون التجريب لنمودج
الحكم !.
بطلها طائر الهدهد Epopus ، اين
يتفاوض مع بقية الطيور حول بناء مدينة فاضلة بالفضاء.
غير ان نسر (برومثيوس) جد البشرية او ابا البشرية ، هو الشائع المعبر عن
الاخلاق او الضمير ، و لبلوغ القمة (...)!.
تقول الاسطورة الاغريقية ، حين سرق برومثيوس النار من مملكة السماء Uranus ووهبها الى
البشر اهل الارض Ghea , القي عليه القبض ، و قيد عند جذع شجرة ،
تنهش وحش الطير كبده نهارا ليتجدد ليلا. حتى سمي هذا الطائر الكاسر الجارح ب :
" نسر برومثيوس " . كناية و استعارة عن انه يجب على المرء ان يغذي ضميره
بالندم !. اومعنى اخر على الانسان احيانا ان يقتل نسره ، او ليتخلى عن ضميره ، و
تتجلى هذه الحالة اكثر بالقضاء ، حين يلجا القاضي في اصدار احكامه الى الضمير
الجمعي . و يحكم باسم الشعب.
او تتجلى ايضا حين يلجا الكاتب الروائي الى انتهاك عدة ضمائر دفعة واحدة ، و لا يكتفي بضمير واحد.
حين يلجا الروائي الفنان الى سجن مجتمع باكمله بين دفتي كتاب ، و حين يحول
ابطاله الى متاع من ضمن امتعته ، الى اشيائه ، يقوم عليهم بمختلف التجارب
الاخلاقية و غير الاخلاقية ، بل يعمد الى وضعهم على ما صار يسمى " بسرير
بروكست" باحد غرف تعذيبه !.
برومثيوس ؛ سجين الحرية يستحيل ان يدعن لسلطة ابن عمه ( زيوس) الدكتاتورية.
كما نسره يستحيل ان يدعن لنعيق غراب انتهازي ، طفيلي ، متعطش للسلطة. و
عندما يصل الغراب الى القمة (...) ، ينسحب النسر محلقا عاليا ، شامخا في فضاء
ملكوة الله، كونه صار يعلم لم يعد تمة قمة يشقى الطير جراها و يختصم!.
بمعنى الحكم كنز ، و ثروة قومية ، و عندما يسند لغير اهله ، و يصل اليه
الرعاع و اشباه المثقفين ، و انصاف المتعلمين ، ينسحب الاحرار ، الفوارس ، و
يتركون الكومبارس يقومون بلعبة دور البديل.
ينسحب الابطال الاحرار ، الشرفاء ، النزهاء ، حفاظا على ما تبقى لهم من
بريق بشري ، و من ماء وجه !.
عندما يجدون خسيس المحتد صار يتحكم بكريم المحتد ، و شجاع الحرب يجبن ، و
جبانها يجرؤ ، لم تعد تمة قمة و انما في الامر خيانة.
خيانة وطن و خيانة عظمى ، عندما تمكن السياسة او الاسلوب السياسوي من
بلوغ اشباه "الغرابيب" العلياء
؛ سدة الحكم ؛ و بلوغ القمة !.
حينها ينصب الغراب عشه الجرس المقلوب ، و يقلب بدوره كافة الموازين راسا
على عقب. ينصب الغراب خيمة عدالته داخل الخيمة الاقل قتامة هروبا من الليل الذي هو
مدركه ، كتلة و مساحة و حجما و لونا.
الحكم كنز كما قالت الاغريق القديمة ، كما قالت الاغارقة القدامى Le pouvoir c'est un tre'sor
غير ان بلوغ القمة ، يقابله انسحاب خيار العائلة ، خيار العشيرة ، خيار
القبيلة ، خيار الدولة ، خيار الوطن ، خيار الامة !.
و من تمة يسقط على الشعب سقط متاع ،
ينطبق علينا الاثر نقلا و عقلا حديث بالف صوت - ( اذا تعلق السعب بشيئ صار قانونا ) - : " على من تحكم اذا كان البلد فارغا
" !.(هيمون) / (اونتجون) / (صوفوكل) ق:(- 425 ق.م).