الفساد الفني الادبي الثقافي
العقيد بن دحو
هل بامكان
القيم ان تفسد !؟
بما ان
لايمكن فصل الادب و الفن و الثقافة عن الظاهرة الاجتماعية ،. و بما اننا في مجتمع
انساني لا هو بالملائكي المعصوم و لا هو بالشيطاني مارج يحموم ، فالخطا وارد ، اصيل بالذات البشرية ، يمكن
التقليل منه لكن لا يمكن القضاء عليه.
عموما اننا
نكتب و نبدع ما نخسر ، خسارة حبيب ( شعرا) و خسارة وطن (رواية) ! لتظل الثقافة
شاهد على الخسارتين : ما يبقى بعد ان نخسر كل شيئ !.
و مادام هو كذلك ، يصير الفساد المادي و
اللامادي المالي الاخلاقي الاجتماعي الاقتصادي محتملا. اذ الكتابة عموما و سائر
الفنون تدل على الخسارة اكثر منها على الكسب.
فالاغراءات
المالية و المادية ، و مختلف الامراض السيكولوجية النرجسية السادية ، و كذا حب الشهوات من النساء ، و الشاذة منها ،
و كذا مختلف الحيل التي يلجا اليها الاديب او الفنان او المثقف ، و ما اخفاه عن
الناس اعظم.
علمتنا مختلف
قراءاتنا لمختلف السير الذاتية لمختلف الادباء و الكتاب كانوا فسدة مفسدين ، حتى
ان كان ما يكتبوه او ينتجوه من قيم انسانية
من مجتمع ملائكي يسر و ياسر الناظرين .
كما علمتنا
حضارة سوسيولوجية الادب ( روبيرا اسكاربيب) ان المفسد و الفساد واحد ، فمن كان
مفسدا بالواقع الاجتماعي ( اخلاقي ، اقتصادي، سياسي ، ثفافي) ينعكس على الورق ، او
على الالوان ، او على الحجوم لفظا و لحظا و اشارة ؛ كتابة و لوحة فنية و نحثا .
فكل كاس بما
فيه ينضح !.
بمعنى : ان
الفنان او الاديب او المثقف يكتب عن نفسه اولا ما يكون قد خسره في لحظة من لحظات
مسيرة حباته ، ناتج عن فساد جمعي يكون قد تعرض له في مرحلة معينة من حياته ؛ ظل
مكبوثا ، يواريه على الناس ، حتى جاءت ( اللحظة المسحورة) ، و بلسان (اخر) ، بطل
او فارس عمله الفني ، اخرجها من عالم اللاوعي الى عالم الوعي كتابة في قالب شعري او قصصي او صبها في انموذج
روائي شامل كامل اعم.
فالفساد هو
ما افسده الروائي بطبعه و تطبعه ، ، كان (
ابل هرمان) يقول لزميله (فريدريك لوفيفر) : " اننا نمتاز باطراح الحياء في
الامور السيكولوجية ، كما امتاز القدماء باطراح الحياء في الامور الرياضية".
الروائي على
سبيل المثال لا الحصر و هو يكتب ، يرضي سادية دفينة مرضية في نفسه ، حين يحبس
مصيرا باكمله بين دفتي كتاب ؛ ان ( البطل) هو شيئه ، و الراوي سيده يمتلكه باكمله
، و يدرسه ، و يسجنه ، و يجري عليه مختلف التجارب : انه السجان ، الجلاد ، السادي
و المتلذذ بعذابات و انات الاخرين ، بينما غدا الادب من خلال الرواية الحديثة
اسطورة " سرير بروكست" ! او غرفة من غرف التعذيب .
" سرير
بروكست" : زعموا ان شخصية اسطورية لم بكن يكتفي بسرقة المسافرين ، بل كان
يعمد الى وضعهم على سرير خاص لديه ، فمن
تجاوزت رجلاه حدود السرير قطعهما ، و من
لم يبلغ السرير شده بحبال حتى يصبح بحجم السرير.
بل ، لنا
انموذجا اخر او امثولة اخرى من الفساد انحى و اتجه اليها الادب بجانبه اللانساني ،
لا يلتفت البتة الى الحديقة الخلفية الاخلاقية التي انبعث منها اول مرة.
الروائي
" هاميل شاميث" في روايته " صقر مالطة " . احد جنود ، رجالات
البوليس السري الخاص يسلم عشيقته ، حبيبته للعدالة و الكرسي الكهربائي . و هو
بالطريق يشرح لها ،
بمنطق بارد ،
لماذا يفعل ذلك : لان المال ، و النجاح
، وحياته نفسها اهم من اي شعور او احساس .
و عندما تساله :
- الم تعد
تحبني ؟
- اجاب : لا
افهم لهذه العبارة معنى. و هل فهمها احد
في يوم من الايام ؟.
ولنفرض اني
احبك ، فماذا بعد ؟
ربما لا احبك
في الشهر القادم...فكيف يكون الحال ؟
ساشعر باني
كنت ساذجا. و لو فعلت ذلك و القي بي في السجن فسيتاكد لي اني قمت بدور ااساذج.
اما اذا
ارسلتك انت الى السجن فسوف احزن و اسف و امضي ليالي قلقة....لكنها سوف تمر.
ان هذا
الاتجاه اللا انساني الذي اتجه اليه الادب البرجوازي ، يرينا من زوايا متعددة حجم
الفساد الذي وصل اليه الفن عموما : الانسان لا شيئ و النجاح هو كل شيئ. بالطبع
النجاح المادي ، النجاح الذي يجر النجاح ، اله العصر الحديث ، القضاء و القدر ، من
يقرر مصير البشر مجددا ذون مراعاة الى
قلوبهم او الى عقولهم.
فساد ادبي ما
بعده فساد ، و فساد فني ما بعده فساد ، و فساد ثقافي ما بعده فساد ، حين يصير الحب
و العلاقات الانسانية لاشيئ ، و حجم النجاح و الربح في الصفقات هو المؤشر و المكون
من التظاهرة ، بل فرصة لترسيخ المكبوتات و الطابوهات وظهورها كامر واقع للعيان ،
بعد ان كانت الخفافيش تتغذى من القتامة و الحفر الهدامة المقفرة.... تتداخل
الامواج ، و تتضارب الرسائل الفساد ، و يبزغ الوجه الحقيقي على رادار استقبال ما
خطط له سلفا و استراتيجيا حتى ان كان شعبويا في البدء ، سرعان ما يصير له ابجديات
، بروبجندا ، و لغة ، و عقيدة ،
و جغرافية ، و قضاء و قدر !.
هذا من جهة ،
و من جهة اخرى يخشى ان يكون للادب الكلاسيكي نزوع الى اساءة الادب و الفساد اذا ما
قرئ دون تمييز . ان ما فيه من الشرك قمين بقلب الايمان الديني (....) ، و ان
قانونه الاخلاقي - الجريمة لا تفيد ؛ و القانون لا يجب ان يكون مناهضا للعدالة -
يتيح الفرجة لكثير من الشهوات . ان الهة الاغربق الهة فجرة ، بل فجرة غير اسوياء
(هويكنز). انهم لا اخلاق لهم ، و لا هم مهذبون .
فاوديب ملكا
رغم ان القضاء و القدر هو من دفع البطل الى اقتراف جريمة زنا المحارم. الا انها
تعتبر اكبر اولى المؤشرات عن الفساد الادبي الاخلاقي ، و المسكوت عنه عند العديد
من حياة ساكنة القرى و الارياف المعمورة.
غير ان الفساد الحق ذاك الذي لم يتحول بعد الى
فن و الى محاكاة ، بل ظل يتكرس حتى توهم اهل الباطل انهم على صواب وحق.
و لان الجمبع
يلزم صمت الخذلان في هذه الظروف ، لتتقدم الطبيعة حسب سنن الكون و تقول كفى اوقفوا
هذا الفساد المالي و المادي و الاخلاقي و
الاجتماعي ، و ان الزمن لاله رحيم كما قالت الاغريق قديما.