الاله " برومثيوس" صديق الشعب و عدو الالهة
العقيد بن دحو
كم هي غنية و
ثرية المخيلة الفردية و الجمعية للشعب الاغريقي الجميل الواع المثقف. فكر ، حاكم ،
و ابدع و يكفيه فخرا .
لم تكن
الذهنية الاغريقية في حاجة الى كل هذه الالهة و اشباه الالهة و الابطال كما هم في
ذاتهم. بقدر ما كانت في حاجة الى دين ، اي دين (...) ، يعيد التوازن السيكولوجي
الاجتماعي الى الانسان الاغريقي . يجعله اكثر اطمئنانا ، و التكيف مع الطارئ القلق
في كل مكان و في كل زمان.
و كان هذه
المهمة محاولة اكتشاف الذات عن طريق الاخر البعيد و القريب ، و ما يحيط بها اوكلت
خصيصا للشعراء ، شعراء الدراما بشقيها التراجيدي و الكوميدي ، و كذا شعراء الملاحم العملاقة الخالدة لاسيما بعد ان
سطرت و سنت و شرعت الحكومة الاغريقية الفنون قانونا ، و تحت ضغط و طلب
الشعب صار المسرح بدوره قانونا و ابا للفنون وروحا للقانون ، بعد ان كان مجرد ترفيها لاشباع حاجات نفسية تطهيرية
تكفيرية ، من ادران انغعالات النفس لاغير
: " اذا تعلق الشعب بشيئ صار قانونا
" .
تقول
الاسطورة عندما انتصر (زيوس) ابن كرونوس اله الزمن على عمالقة الاشرار (تيتانوس) ،
اوشك ان ينهزم ، مما اضطره الى استدعاء المنقذ المخلص ابن عمه الاله ( برومثيوس)
سجين الحرية. و انتصر مجددا على العمالقة. استتب الوضع السياسي و الاجتماعي انحاء
الدولة .
في البداية حاول ان يشمل على كل السلطات في يده.
و يجعل حكمه شموليا ، مما اوشكت ان تندلع حربا داخلية داخلية اهلية ، بين الالهين
العظيمين زيوس سيد النظام من جهة و بين ابن عمه برومثيوس سجين الحرية محب البشر .
لكن في الاخير ادعن زيوس و ارغم الى التنازل و شارك ( الحكم) بعض افراد اسرته و
قبيلته. بينما فضل برومثيوس ان يعيش الها حرا محبا للجميع الهة و بشرا. فبعض البشر
الهة و بعض الالهة بشر.
تقول
الاسطورة ايضا مع حب برومثيوس الشديد للشعب كان ان سرق ونهب اليه (النار) من مملكة
السماء ؛ مملكة الالهة ( اورانوس) Uranus
. مما اغضب الالهة ، فالقي عليه القبض و صفد و قيد عند صخرة عملاقة فوق قنة جبل ( الاولمب) !
يقول النقاد
الالمان في اصل ونافل القول ان برومثيوس لم يسرق النار للبشر فحسب ، و سرق عناصر الحياة الاخرى : ( الماء - النار - الهواء - التراب ) !.
بل حسب نظرية
( فريود) النفساني ، سرق الطابع النفساني للانساني (الدم - الصفراء- السودلء -
البلغم).
بل اكثر من
هذا و ذاك سرق (الضمير) الوازع الاخلاقي لعالم الارض Ghea
او كما يسمى (شرطي الاعماق) !.
ذاك الشرطي
الذي يدفع ( المجرم) من تلقاء نفسه للاعتراف ، و بطلب المحاكمة في حق نفسه ! سواء
كان هذا اامجرم في شكل دولة استعمارية قديمة تقوم بالاعتذار و التعويض او حالة
فردانية مستقلة.
القي القبض
على برومثيوس و صار معرضا لوحش الطير
النسر ، تنهش كبده ليلا ليتجدد نهارا.
ظل على هذه
الحالة الى ان انقذه هرقل .
هذه الدراما الكونية للشاعر اسخيلوس تحت عنوانين تراجيديين في عنوان واحد : (
برومثيوس مقيدا) و ( برومثيوس طليقا).
تشهد هده (
الحالة ) لاول مرة معارضة سياسية ، بل انشقاقا سياسيا الهة - الهة .
اذن الكتابة
حول الاسطورة الاغريقية ليست من اجل الكتابة فقط ، و انما كرمز و دلالات و اشكالات
و تاويلات اخرى....؛ اي منح الاسطورة الاغريقية معان جديدة سياسية اجتماعية ثقافية اقتصادية مع
مراعاة العصر و الاحداث و كذا الانسان.
و لان لم يعد
في الامكان ابداع اكثر مما كان ، و لان الاداب و الفنون و مختلف الثقافات و صلت
الى الضيق بذات نفسها ، بامكانية الاسطورة التي هي غضة ان تنقذ ما يمكن انقاذه من
هذا الركود الدي يشهده هذا العالم المادي الموغل في التوحش ، و التي جعلت الجمبع
يعيش كلمات سر في عالم لا سر له.
الاسطورة
ميراث الفنون ، يمكن الاعتماد عليها مجددا ، لكن بشرط ان تعطى معان جديدة.
و لا اعتقد اليوم اي رجل قطاع من قطاعات الدولة
الاستغناء عنها. فالعالم تغير ، و الجمهور تغير فهو صار يتكلم بلغة الكلمات الاولى
لغة و دلالة ، و يا ويل من يجابه الجمهور و هولا يزال يتنفس هواء طقس كلمات
ارطفونية فونيتيكية اركائكية لا دلالة لها و لا رمزية لها ، و لا تطل نافذة نبرات
اصواتها على حدائق و مرجعيات و خلفيات حضارية ثقافية حديث بالف صوت !.
ما اشقى و
اتعس جيل لم يدرس في حياته الاسطورة الاغريقية و الاسطورة الرومانية ، و لم يدرس
قط في حياته ملحمة من ملاحم ينابيع الفكر الكلاسيكي ، ذهنية متكلسة لا تزال ترى في
صورة ( الالهة) الجانب اللاهوتي المتحجر : القرابين... الانشاد... و القضاء و
القدر !. في حين هي بنات افكار و اطياف احلام جميلة هزت العالم الخر المتقدم من
ديباجته.
كم تعحبك
متوسطة او هي اكمالية او هي اعدادية تقع جغرافيتها في احد الارياف من ريف فرنسا ،
و تلاميذتها يمثلون ملهاة ( الضفادع) للشاعر الاغريقي ارستوفانز بتصرف.
الاشكال ليس
هنا و ليس لليوم ! بل عين الاشكال (
الاصعب) و الخطير عندما يلتقي (وزيرا) از دبلوماسيا او اي مسؤول درس في هذه
المتوسطة ، و مرت عليه ملهاة الضفادع قراءة ايطالية و تمثيلا ارسطويا ، ووزير من
عندنا او من العالم الثالث ، من نفس عمره
لم يتلق اي تكوينا او مراسا او تدريبا من هذا النوع....!.
تمة فقط
حوارا يشبه حوار الطرشان ، تمة فقط تبدا تتجسد عقدة النقص . فكيف نطمح بدبلوماسية
فنية راشدة ناجحة. و ابنائنا بالاعداديات ، و الثانويات ، و الجامعات معاديين
للافكار الحضارية الماجحة الواعية....!؟
تمثيلية
واحدة من الاثار اليوناني الكلاسيكي التقليدي الاخلاقي " اونتجونا" ، او
" اليكترا" ، " اوديب ملكا
" ، " اياس" ، او "فيلوكتيتيس " او " ملهاة الضفادع " يغني تلاميذتنا
، طلبتنا عن الف سؤال و سؤال....!.
و لانها
الغائب الاكبر عن اكمالياتنا ، عن ثانوياتنا ، عن جامعاتنا اكتفينا بوصف القوقعة
دون ااحيوان ، تماما كما اكتفينا بوصف المحيط دون الانسان ، بل احيانا لا هذه و لا
تلك !
اننا نعيش
نفاقا بيداغوجيا تعليميا تعلميا تربويا غير مسبوق. لا المدرسة يروق لها ما يجري في
حرمها ، و لا المربين ، و لا الاولياء.
الاولياء
يريدون شيئ اخر غير هذا ( الدوخان) الذي تعيشه، يطالبون ابناءهم ان يكونوا مبدعين
لا اقل و لا اكثر... وهكذا و صلنا مجددا الى نفس الانشغال الاول !
اني اعرف
جيدا ما هي الاجابة بشرط اللايسالني احدا عما هي !
و اذا حاولت
ان اجيب سوف يتعتريني تلكؤ المفردات و تلعثم العناصر و تجشؤ المعاني
و البقية
صمت... كما قال ( هاملت) بطل رواية تسكسبير الرائعة الخالدة. حين علم بانه يلعب في
مسرح داخل مسرح ، و حين ادخله النقاد في حالة تسمى باسمه سيكولوجية مرضية (
الهاملتية) !.