جاري تحميل ... فنون

إعلان الرئيسية

جديد فنون

عاجل

إعلان في أعلي التدوينة

جديد موقع علَّم نفسك

جديد علَّم نفسك
نقدAkid Bendahou

ملهاة الضفادع (ارستوفان)

ملهاة الضفادع (ارستوفان) / قراءة على قراءة
================العقيد بن دحو===============
ان لم تكن الكلمة بالبدء فالفكرة , وان لم تكن فالفعل, او هم معا.
يكاد يجمع كبار المفكرين والنقاد على أن " كوميديا او ملهاة الضفادع " من الجواهر الحسان واحسن هدية أهديت للإنسان في مجرى الزمن , لايطالها زمان ولا مكان .
احتار كبار محترفي الأدب والفن والجمال والابداع والعلم ان يصنفوها في تصنيف واحد موحد رتيب ينتهي بذات نفسه. وصفها النقاد الغربيون بأنها تفوق اعمال (دريدن) دقة ومقالات (كولروج) عمقا وابحاث ( ارنولد ) و ( سان بييف) اصالة ومعاصرة , تحمل مجتمعا بأكملها ضمن متونها .
منذ البدء ’ تشعر التحفة "ملهاة الضفادع" أعدت للناس اجمعين , للصغير والكبير وللجنسين معا المرأة والرجل , للموتى والأحياء وانسنة الإنسان . واصفة الحيوان وقوقعته والإنسان وبيئته .رسالة نقدية فنية من الأدب التمثيلي العالمي. وحتى أن لبس وتقمص مخلوقا حيوانيا , فهي لن تنفصل عن الذاكرة القديمة ما قبل المأساة والملهاة على حد سواء , اين كانت الذاكرة الانسانية والحيوانية ذاكرة واحدة , قبل ان يستقل الانسان عن الطبيعة الموحشة ويصير حيوانا ناطقا منطفيا , وفق تطور اعضائه الفيزيولوجية والايكولوجية والسياسية والحضارية السوسيولوجية .

وبين ان تكون " ملهاة الصفادع " من الادب التمثيلي اليوناني الكوميدي غايتها الأولى توفير الرفاه والترفيه عن النفس , وبين ان تكون رسالة او مبحثا فكريا بالنقد ومن حيث الخبر مقدسا والتعليق واجبا , وبين ان تكون خطة وهندسة وورقة طريق معارضة للسياسة , وجدال قائم بين الأدب والدولة عموما.
"
كوميديا الضقادع " تطرح عدة اشكالات هل جيئت وقدمت لتضحك الناس من الشدق الى الشدق ومن النقيض الى النقيض , او هي جاءت كأول رسالة نقدية في الأدب والثقافة لأعمال ابداعية لمن سبقوها بالتراجيديا ولا سيما اعمال الشعراء الثلاث ( اسخيلوس - صوفوكليس - يوريوبيدس) , ولا سيما بعد وفاتهم , او هي جاءت معارضة للسلطة السياسية الاثينية القائمة او ذاك الجدال الأزلي بين الأدب والدولة !؟
لا ننجح فيما جنح اليه الشاعر الدرامي ارستوفان , الناقد الكاتب الصحفي المفكر في معالجة ( الضفادع) حيوانا وانسانا , فنا وعلما ونقدا . انما نقد النقد , كتابة على كتابة , وقراءة على قراءة او مقروئية كفن عمل رابع على جميع المحاور الفنية والسياسية والثقافية.
القراءة الأولى /
لا تعتبر رائعة ( ملهاة الضفادع أول رسالة نقدية عرفتها المدينة الاغريقية / Polis الأحسن معلم - غاية الشعر : ان يعلم وان يمتع وان يهز - انما يوعز النقاد الغربيين أن مأساة (أوديب ملكا) للشاعر الاغريقي التراجيدي صوقوكليس / صوفوكل أول شاعر تمثيلي مورس عليه النقد من لدن جمهور أثينا ومن لدن كبار المفكرين كأرسطو وافلاطون. حين أدار الدولاب واظهر الملك أوديب وهو يفقع عيناه جراء ما اقترفت يداه ومعاقبة عيناه اللتان لم تبصرا اليه الطريق...!.
بالطبع يعد هذا عكس ومخالفة أهم قواعد ارسطو للفكر والمدرسة والمذهب الكلاسيكي التي لا تبيح مظاهر الدم والقتل للجمهور على خشبة المسرح , وانما تكتفي الجوقة / او الكورس بسرد الحدث المؤلم تلميحا وتصريحا, تطويبا لروح ابولو التكفيرية التطهيرية ولحاملات القرابين وكبار الكهنة , الذين كانوا يشكلون اهم ركيزة رجالات الدولة.
أخيرا لقد امتاز الحيوان بما امتاز به الانسان , لقد امتاز " الضفدع " بما امتاز به صغار الشعراء المتشاعرين وانصاف واشباه المثقفين وصغار الساسة الطفيليين .
كانوا اذا ما تحدثوا إلا حين لم يكن احدا يريد ان يستمع اليهم....!.
كلام يشبه نقيق الضفادع كلام ...كلام ...كلام, الذي في نفس الوقت ينعثه ارستوفان بالغناء (...)!.
ومادام الحديث حول مخلوق الضفدع لغة واصطلاحا واسلوبا , ينحى الدارسون منحى حياة هذا الحيوان الذي يعيش ثنائية العيش على الطبيعة وداخل طبيعة النص ( ملهاة الصفادع) ايضا. إذ يعود كلمة الصفدع الى البرمائيات ( amphibian ) الاغريقية الأصل.فد تعني عيش هذا الحيوان على مبدأ العيش الثنائي , إذ تبدأ حياتها بالماء صعدا نحو بدء اليابسة.
ينقلنا الكاتب الدرامي على وقع صوتين : نقيق وكلام حيث يشتد الصراع بين إله الذي امتاز بما امتاز به البشر وحيوان الضفدع !.
كما ينقلنا الشاعر بين حياتنا , حياة البشر والحياة الأخرى , حياة الموتي. وبين الحياتين: الدنيا والأخرة يشتد الصراع ايضا.
القراءة الثانية /
الضفادع في اللغة الأغريقية Βάτραχοι Bátracho للكاتب الدرامي الكوميدي ( ارستوفان) من أبوين ثريين المولد والنشأة , شبّ سياسيا على الحزب الأورستفراطي , قبل ان يتمرد عليه وينتمي ويقف الى الجانب العمال والحرفيين وسفلية المجتمع الأثيني والطبقة المتواضعة.شبّ على نقد المجتمع والعديد من أولئك السياسيين العجزة والعجائز- ( الزنابير) كما سماهم بأحد كوميدياته - الذين لم يكن همهم إلا الحرب وصناعة الحرب , واشغال الناس فيما لا يهم الوطن والمواطن من أجل الإستحواذ على الحكم , على اعتبار الحكم ( كنزا) كما كان سائرا مفعولا.
ولما رأى وطنه يخرب بهذا الدمار الشامل النرجسي الى حد السادية , سخر قلمه وفكره ونقده الساخر الهامز الغامز اللامز خدمة وانقاذا له.
اما بالشق الأدبي والفني الجمالي , استخدم شعره كسلاح , حين سلط لسانه السليط على جلد المتشاعرين الذين اساءوا الى التراجيديا والدين , على اساس : كل شعر جيد ذو نشأة دينية كما تقول الحكمة.
تقول الأسطورة : " حين ذهب. الإله (ديونيسيوس) الى العالم الأخر ليسترد واحدا من الشعراء الثلاث : (يوريوبيدس - صوقوكليس - اسخيلوس) لم يبق منهم أحدا , ذاك أن المأساة اليونانية انتهت بموت الشعراء الثلاث ".
نهاية المأساة هي نهاية الشعر , نهاية الخلق , نهاية الابداع , ونهاية اللغة وعاء الفكر وعاء الإتصال والتواصل بين ما يمكن ادراكه وبين لا يمكن ادراكه.
كان آنئذ على الشاعر من ان يفكر كيف يمكن انقاذ ما يمكن انقاذه , الاستعانة بالأسطورة البطل...الشبيه بالإله والإله بالمرة , يستعين بالطبيعة ايضا , كما يمكنه الاستعانة حتى بالموتى , كون الذهنية الاغريقية ما قبل الميلاد كانت تؤمن بحياة اخرى يمكن احياءها , اذا ما انقضت الحياة الأولى !.
لذا افلاطون عندما سئل : عما الفرق بين الحياة والموت !؟ أجاب : لا فرق !.
مادام الإنتقال من حياة الى حياة ممكنا , مادام الحلم قائما , الحلم الفردي اسطورة الفرذ والحلم الجمعي الأسطوؤة , الضامن الوحيد للإنتقال من وإلى او الى العودة ( العكس). رغم ان صفوكليس في مأساته يشير الى أفول لا يؤوب منه مسافر !.
وكأن ارستوفان يناقض قول معلمه وحكيمه الأول الذي أحبه مذى الحياة ومذى الممات , وهو القائل في حقه : صوفوكليس / صوفوكل رجل سعيد قبل الكتابة وبعد الكتابة.....!.
الحديث عن الطبيعة , حيث استمد الشاعر الدرامي الكوميدي , من احداث العصر الذي كان يعيشه والبيئة التي يحيا فيها , القريبة من امزجة الجمهور ومن البحر المضطرب الذي يعيش فيه الرعاع . يعتمد ذلك لطرافة ما يعرضه على المسرح وما يوجع الصدور بما تزخر به مصائب ومخزيات , وامام مجاراة الرياح الديمفراطية الزائفة التي تستهوي هذه الطبقات المصطنع عليها وتكلف الرحمة بها.
الطبيعة كائن حي , فالجبل الحجارة فيه عظامه والنباتات والغابات كسائه والشلالات اشعاره , تماما كالضفادع والبيئة بصفة عامة كما يقول (بلوتارك).
الفرق بين المأساة والملهاة بالنهايات , فإذا كانت النهاية شقية الدراما تكون مأساة , و إن كانت النهاية سعيدة فالدراما تكون ملهاة , لكن لا يجب ان نستسلم الى هذه المسلمة البديهية السهلة دون تحليل او الولوج الى عمق الكلمة..الحلم..الفكرة والفعل .
هذا الرأي كان سائدا قبل القرن : (- 405 ق. م) أي قبل ان يعرض الشاعر ارستوفان ملهاة الضفادع للجمهور الأثيني ويحصل على الجائزة الأولى , أي بعد موت شعراء العباقرة المأساة الثلاث ( اسخيلوس - صوفوكليس - يوريوبيدس) .
ولأن الضحك خاصية بشرية , معالجة سوسيولوجية ثقافية أونثربولوجية فنية , كانت النكتة كوحدة نغم ووحدة ايقاع ولحن ونشيد وحوار. كل نكتة مخلصة تحمل حقيقة ما في رحم الزمن , واذا وجدت الشيئ مضحكا فأبحث عن الحقيقة المختفية او كما يقول(شو).
الحقيقة التي يبحث عنها الشاعر الكوميدي الدرامي ارستوفان**** : حين يستحدم الإله ديونيسيوس) وهو يجابه ( النقيق) الأعم او الشامل في سبيل استرداد نكتة اخرى عودة أحد الأموات الشعراء التراجيديين الثلاث او وهو في الطريق يتحدث مع ميت !.
القراءة الثالثة /
ديونيسيوس - رانثيس - هيراكليس - خارون - ايكوس - يوربيدس - صوفوكليس - اسخيلوس - وجوقة او / كورس ضفادع.هؤلاء يشكلون شخوص العبور , العبور الى الحياة الأخرى , والعبور الإيقوني اللغوي للوصول الى مختلف الأجيال على مر العصور والأزمان ولمختلف الطباع التي تشبه اسمائها.
-
الضفادع منشدة :
قيق....قيق...قيق....قيق
أيها الأبطال الذين يدخلون البحيرة والينابيع
تلطف ألحان أغانينا
أغانينا العذبة
قيق...قيق....قيق....قيق
أغانينا التي يلزمها الينا الربيع
تنفيذا للإله (ديونسيوس)
اي (زيوس)
عندما تتقدم الجماهير بيننا
نحو مستنقعها المقدس.
استعد الإله ديونيسيوس , ولبس جلد الأسد ( هيراقليطس) ورافقه عبده يحمل له متاعه , وصل الى الكيرون واخذ منها مركبا يحمله الى العالم الأخر , وودعهما الكورس / او الجوقة المكون من ضفادع....., بعد ان دخل معها في تنافس , وسخرية وتهكم من النقيق الذي صار غناء بفعل إله الشعر والغناء والموسيقى أبولو وميزيس , الذين مكنا ومنحا الضقادع حنجرة ذهبية تطرب المستمعين وترقص الحجر والشجر والبشر الأحياء منهم والأموات !.
غير ان ديونيسيوس ينتصر عليهم . وتستمر الرحلة على مركب بحري...
بالأصل كانت تسمى أوديسة الضفادع , تلك الرحلة الحذرة الممزوجة الفرح ! والشقاء , بالضحك والجزن , او كيف للشاعر ارستوفان يستعين بفيلسوف الحزن , من منح البكاء الأبدي , فيلسوف ورائي وجوّاب وساحر الغموض , الإستعانة به لوصول اودوسيوس للضفة الأخرى , حتى ان لبس جلد أسد !؟.
كيق لفيلسوف القائل : " أنك لن تخطو بالنهر مرتين " !.
يريده ان يخطو ببطله مرتين جيئة وذهابا , والطريق الى أعلى هو نفسه الطريق الى أسفل , مادام المستحيل واحد, ولطالما القضاء والقدر لا يزال قائما.
قد يعاب على ارستوفان مالذي جاء به من تغييرموعود, والوحداث الكلاسيكية جاثمة على الركح كله , ولا سيما تلك الجوقة / الحائل او الستارة , التي لا هم لها إلا النشيد والرقص والبكاء على الأطلال او الهمز والغمز واللمز والأكتفاء بالتلميح دون التصريح.
صحيح ألبس بطله أودسيوس جلد الأسد ليقربنا من المفهوم النقدي , من حيث الأسد هو الأسد هو مجموعة من الأغنام المهضومة , وفي نفس الوقت ما يقال امام أسد ميت لا يمكن ان يقال امام اسد حي , وهي ايحاء او استعارة الى تلك العلاقة السيئة التي كانت قائمة بين الأدب والدولة , وبين الأديب والسياسة. إذ , ما الأديب إلا مجموعة من الكتب المهضومة.
الدولة الأثينية لم تكرم ولم تنزل الشعراء منزلة التكريم , بل جعلت على رأسهم فرسانا بالأدب والثقافة والفن والجمال ما هم بالأصل والفصل إلا اشباه رجال وشواذ لغة واصطلاحا ( كومبارسا) .اكثر منهم ابطال يحبون وطنهم ويدافعون عنه بالسيف والكلمة , الأصدق انباء بين الجد واللعب.
وبين السياسة والأدب اكثر من جدوهزل ولعب , عندما تنظر يمينك وتظفر بجد ما بعده جد , يثير الحزن , وفي بعض الاحيان سرورا ما بعده سرور.
وعندما ينظر الرائي يساره ان تظفر بهزل ابدع او اروع او ادعى الى الضحك او اقدر على التلهية والتسلية , من هذا الهزل الذي لم بالحياة اليونانية.فيثير في بعض نواحيها قهقة واغراق الناس بالقهقهة , ويثير في بعض نواحيها الأخرى بكاء لا يبخل أصحابه بالدموع.
لقد عمّ الفساد وانتشر الوباء , ولا سيما بعد موت الشعراء التراجيديا الثلاث , الذي كان يقع على عاتقهم تثقيف الجماهير ولو بشكل تكفيري تطهيري !.
كانت هذه ثلاثية : (الكون - اللاهوت - السياسة ) الهيراقلسية بإيعاز من ارستوفان.
القراءة الرابعة /
صار يقترب اكثر فأكثر ديونسيوس من قصر (بلوتس) , وهو يسمع ويرى المحاكمة . ذاك ان الشاعر التراجيدي اسخيلوس يوشك ان يتربع على عرش المأساة بالعالم الأخر (هيديز). وان يوريوبيدس جاء لإغتصاب التاج وصولجان وعرش الشعر الدرامي .
اشتد وطيس المنافسة بين الشاعرين , وصار كل واحد منهما يلمز صاحبه ببئس الألقاب , وانتقدا بعضهما بعضا , يحط كل منهما من ملكة وموهبة وابداع الأخر.
يتهم الشاعر اسخيلوس الشاعر يوربيدس بإفساد اخلاق الناس وإشاعة الفاحشة , بأسلوب مخنث ولغة ركيكة لم تكن في مستوى لغة افلاطون. بل , ساوى بين علية ورعاع وعبيد القوم , وبين عليّة السادة و الأبطال و أشباه الألهة. ومن هانت عليه لغته هانت عليه شخصيته وانعكس سلبا على الوطن.
بينما يرى الشاعر يريوبيدس ان الشاعر اسخيلوس نمطي راكد و آسن , جمد الحركة في ركب الممثلين , وترك العنان للكلمة ... مما اجبر المتفرج على السكون , يجلس في هلع آسر فيما يفرض عليه اسخيلوس رغباته الطفولية , يبكي ويتكلم حينما لم يكن احدا يريد ان يستمع إليه.
لقد عطل اسخيلوس الحواس الخمس للمتفرج , ومنعه من التفكير في تقرير مصيره , جاعلا من الألهة والقضاء والقدر معادلا شرطيا ديكتاتوريا عموديا شاقوليا , يقودهم حيثما يشاء , ودون استشارتهم, غهو يستدعي متهمين يحضرون محاكمة لا جمهور يتابع وقائع مسرحية.
لم تفشل المحاكمة في ان تجد رائزا ومقوما تقييميا , بين الشاعرين اسخيلوس ويوربيدس , وترجح كفة أحدهما على الأخر , ليتساوى المتنازعان على خط اتزان صفري واحد , انما ايضا فشل ارستوفان نفسه, كاتب هذه الملهاة المسرحية ,الدرامية الشعرية النقدية في ايجاد الخلاص. او تلك العلاقة التي كانت بين القانون والعدالة الأرسطية , وبالتالي كان مجبرا لا بطل بالعودة الى مذهب القيود الذي ما لبث ان كان ينتقده في رحاله وترحاله , من حيث القانون لا يجب ان يكون مناهضا للعدالة.
وعليه هو مجبر ان يجيب على سؤال الدراما التراجيدية : هل الجريمة تفيد !؟ !
ضراع بالجحيم ذاك الذي حدث ويحدث وسوف يحدث , الحدث وما بعد الحدث و الأثر الذي يخلفه الحدث بين الشاعرين الكلاسيكيين أيهما الشاعر الميت الأكثر حياة وحيوية لافض فاه !؟.
أي منهما الشاعر الأكبر ليصب مجمل قوافيه و أوزانه , وكلماته تزين معانيه في كفتي ميزان , ميزان ( هيديز) بعد ان فشلت كل موازين الدنيا بإنصاف الشاعرين في دولة صار شعارها وشعرها الحرب الذي يتغذى على الإضافات.اضافات الفشل والقساد , و ألهة مردة وكهنة لاهوتيين اكثر من اللاهوت نفسه. همهم الوحيد الأنانية ومصلحة الذات , والمكانة العليّة الدينية وقبض نصيب من الأثاوات والضرائب التي تعرضها الدولة على الشعب المطحون.
هذا الظاهر اما ما خفي , يصور الشاعر ارستوفان من خلال ملهاة الضفادع , وما بين السطور وبعد قراءات عديدة تلك الصراعات والنزاع القائم بين الحزبين الديمقراطي و الأورستقراطي , ونقده اللاذع للدولة بصفة عامة ولجميع سلطها الأرضية والسماوية , البشرية والأبطال وانصاف الألهة وللألهة بالمرة.
لم تنسه ارستوفان قضايا النقد الأدبي او المآل التي آل اليه الفن اجمالا ولا سيما المسرح والدراما بشقيها التراجيدي والكوميدي , ولا قضايا الدولة وشؤونها ومذى الشيخوخة والرعّاش التي وصلت اليها بوضول القادة الشيوخ العجائز سدة الحكم. أن يصب الجميع في نصب معبد الضحك.
صحيح لقد عرف الشاعر الدرامي الكوميدي ارستوفان ( الضحك) بكل معانيه وتجلياته النفسية و الإجتماعية والسياسية , الضحك هو أقوى سلاح لدى الإنسان , وفي نفس الوقت هو أقوى و أكثر سلاح مهمل عنده.
والمسرح لم يعد لهوا ولا ترفا فحسب , بل حضارة وثقافة , اما اليوم توعية وتعبئة وسلاح ( ارسطو) .
وعليه , ما هرب منه ارستوفان هو بالأساس هرب اليه , هرب من التكفير والتطهير عن طريق اودسيوس الذي وقع اختياره على يوربيدس , ليقع في تطهير وتكفير من نوع أخر الضحك , الضحك السلاح , إن اضحكت المرأة أحبتك حتى ان كرهت مجلسك , وان اضحكت الرجل تجنبت غضبه حقده كرهه , وكأن الحياة عطشى بالضحك وفي نفس الوقت اكثر عنصر الحياة ( الماء - النار - الهواء - التراب ) مهمل لديه.
القراءة الخامسة /
هناك مقولة تقول : إذا اردت أن تضحكني اضحك أنت أولا , وفي نفس الوقت : إذا اردت أن تبكيني أبكي أنت أولا.
وبين الضحك كسلاح معلوم ومجهول لدى الإنسان وكظاهرة صحية ومعالجة سيكولوجية عقلية بدنية للفرد والمجتمع , تتخذ الملهاة / الكوميديا طابعا أخر , ما يميز الموتى يميز الأحياء ايضا !. إذ الشعراء الفطاحلة العباقرة لا يموتون , اعمالهم تبقى على قيد الحياة , وينتقلون ابدانا واجسادا الى العالم الأخر / او الى عالم الموتى / او الى الجحيم / او الى عالم النسيان !.
تكون جميع الألهة التي يعرضها الشاعر الكاتب الناقد ارستوفان سعيدة ضاحكة , راضية وتبارك ما يفعله الإله ديونسيوس من افعال نبيلة, نيابة عن الشاعر وهو يحتمي بلباس التقوى والرضى والوقاية الأسدية الهيراقليسية.
واحصاء للعديد من مسرد الألهة التي سردها الشاعر بهذه الملهاة : (ديونسيوس)....(زيوس)....(ديميتر)....(بوزيدون)....(أبولو)....(داغوس)...(دوميتير).....(بوليكيتير)......(اميكمينيا)....(هامياس) ...( ميكير)....(بلوتس) .
وللعديد العديد من الشخصيات الشريرة الضارية الحيوانية والبشرية اللعوبة والمخادعة والفاسدة اخلاقيا وماديا ومعنويا من الجنسين , المعرقل لتقدم الفعل الدرامي .
الكم الهائل من الألهة والبشر والحيوانات او الطبيعة بصفة عامة , هي الإستعانة بشكل مستتر بهؤلاء جميعا وبالأسطورة خصوصا.
فهو يعم انتقاده الشديد بشعراء التراجيديا التي كانت تعتمد على العقد (....) اساسا , يبدو أنه وقع في شر عمل انتقاده !.
تقرراذن طرد الشاعرين معا يوربيدس وعدوه ايسخيلوس الى العالم ليعيد مجد التراجيديا . المسرحية صراع بين مذهبين ومدرستين , وتمثل عنصرين من عناصر هذا الفن. كل شاعر حاول الإطاحة بصاحبه , بينما الإله ( بلوتس) يقف شامخا بوسط الحضور مخاطبا المحلقين من اهالي وساكنة أثينا : " لا استطيع ان احكم بين المتنافسين أيها الأصدقاء , لا اريد ان اكون عدوا ليوربيدس ولا خصما لأسخيلوس , فأيسخيلوس يتحدث بالعقل ويوريوبيدس يفتنني فنه ". غير ان المحلفين كانوا بمثابة السيف الذي يسبق العدل !. تشابه مع الفارق ذاك الذي يحدث للشاعر ارستوفان في حين هو يكتب الملهاة , يبحث عن مخرج لحل أزمة التراجيديا وتخليصها من الطفيليات البشرية التي ألمت بها بجميع المسببات الممكنة عدة وعتادا وبكل ما يملك من ملكات ابداعية والهة ,
ايحاء ورمزا واستعارة ولغة ومرض اللغة . الشاعر الملهاتي ايضا في ازمة بعد وفاة شعراء التراجيديا الثلاث.
اذ , لطالما اعتبرت الخرافة ميراث الفنون , ولطالما اعتبرت الأسطورة انقاذا , انقاذا للفنون والأداب والثقافات بصفة عامة. الأسطورة والخرافة والحكاية الشعبية أدبا ذو نهاية مغلقة بينما الأدب اسطورة ذو نهاية مفتوحة.
مجمل الشخوص والتشخيص الاسطورية التي جاء بها النص هي نصوص أدبية مصغرة بحد ذاتها تتغذى وتنمو على الإيحاء والرمز , كما يجب ان يكون وليس كما هو كائن , ما بعد الحدث وما بعد الحادث ( لماذا - متى - أين - كيف )؟!.
بقدر ما كانت تحمل احيانا عدة مشاكل في التأويل النفساني والأخلاقي والفلسلقي , بينما يطرح الأثر الضفدعي ( مبيت شتوي - برمائي - قفز - غناء - تكاثر - وطبع وتطبع - غناء / نقيق) مشاكل جمالية واسلوبية لغوية تقنية. اما الجمهور فتطرح عمليه ومشاكل ذات طابع تاريخي / ما قبل التاريخي / والشبيه بالتاريخي وسياسي واجتماعي ثقاقي.
الجميل الأروع أنه لأول مرة في تاريخ الأدب الدرامي اليوناني الكلاسيكي بشقيه التراجيدي والملهاتي , يشيد فيه كاتب كوميدي بشكل صريح الى أهمية الثقافة بالنسبة للشعوب في مجرى الزمن . ولا سيما عندما شعر الشاعر على وشك ضياع وخسارة الفن المسرحي اجمالا , إذ ما يبقى عندما يخسر المواطن الاغريقي كل شيئ , وما يجب تعلمه في نفس الوقت بعد ان يتعلم كل شيئ. , حسب قول جوقة او كورس الضقادع منشدة:
انتما ملح الكون واكسير المعرفة
ان الموضوع مهم والصراع شديد
والحرب حامية الوطيس
لذا يصعب الحكم عليهما
ولكن : سبيل المعرفة عديدة ومتنوعة
فتكلما وانتقدا وحللا اعمال الأدباء
المهتمون بالثقافة.....
الجمهور صار مهتما بالثقافة , وكل منهم يقتني كتابه
يتعلمون المعرفة
فطبيعته ممتازة
وتناولا معظم الموضوعات
لأنهم صاروا اذكياء
موهوبون !.
الكاتب والكتاب , والكتاب والجمهور صارا طرفان في قضية واحدة متلازمان , غايتهما أن يقيما حوارا , للوصول الى غاية ما , أكانت التأثير او الإقناع أو الإعلام او التعزية او التحرير , بل حتى احداث الضحك من اجل الضحك , بل حتى ان كانت نقيقا وغناء لا رجاء فيه.
ملهاة الضفادع لم تعد قضية الفرد وانما صارت قضية الجماعة , اذا ما تعلق الأمر بقضية وطن , ضياع وطن و أمة وأدب وفن وثقافة وحضارة....
كان لابد ان نتفق مع الشاعر على الكذب , مادام الفن عموما كذبا جميلا , حتى يبدو كل ما هو أمامنا هو عين الصّواب كتابة وقراءة وتمثيلا ونقدا ونقد النقد , ونساير الكذاب الى باب الدار كما يقال بالمثل الشعبي الجزائري . نستشعر هذه النهاية الكوميدية التي أوشكت ان تصير مأساة , وداعا وعجز المحاكمة ان تفصل بين الشاعرين (أسخيلوس) و ( يوربيدس) أيهما أصلح لإنقاذ المأساة بالحياة الدنيا !.
كما يوشك ان يعود الإله ديونيسوس بعد ان تزود بكل هذه الترسانات والمعدات اللغوية والشعرية والحوار و الأساطير والخرافات والحيوانات الضارية الخيالية , وما تعرض له من مساومات ومن مجمل تحرشات , وما مسّه من سوء شامل أعم , أن يعود بخف حنين الى الحياة الدنيا....ماذا يقول للعشرات من انصاف واشباه الشعراء المتشاعرين , الذين ينتظرون فشله الذريع !؟ أين يخبئ وجه الإله ووجه أبيه زيوس ومن منحه جلد الأسد هيراقليس ؟. كل هذا لم تشفع له امام المئات من اشباه وانصاف المتشاعرين , الذين يأكلون اموال فريق اخر , يتقربون الى سلطان من اجل ان يمدحونهم , ليتلقون رشى وعملات على حساب الفن الرفيع والذوذ عن الوطن والانسان وفي سبيل السعي الى المحافظة على هبة الدولة والحكم الراشد.
من جهة أخرى اذا كان ارستوفان حقق العدالة والحكامة بين الشاعرين عن طريق المحلفين او الإله بلوتس , فإنه من جهة أخرى يفشل في تحقيق العدالة الشعرية ذاخل النص ذاته. بين العبد والسيد , وبين النشيد والنقيق , وبين الاله والبشر , وبين الشاعرين وصوفوكليس الذي لم يتح له الشاعر أي حوار, سوى أنه سعيد قبل الكتابة وبعد الكتابة....!.
لتظل الإسئلة الجوهر عالقة حتى الساعة بين عالمين , بين الحياة والموت , وبين عدة عصور ما حيينا :
ما السبب في ان هذه المسرحية الكوميدية الملهاة احتلت كل هذه المكانة الرفيعة ؟
أيعود الى ما تضمنته من فكاهات ونكت وطرائف شيّقة؟
أم الى ما عالجته من مشاكل وطنية وموضوعات سياسية ؟
أم الى ما تناولته من دراسات دقيقة في النقد ونظريات هامة في طبيعة فن الشعر ووظيفته ؟
"
أني اعرف جيدا ما هي الإجابة بشرط ألا يسألني أحد عنها , ولكن اذا ما سئلت , وأردت الجواب , فسوف يعتريني التلكؤ " / (سانت أوغسطين)/ اعترافات.

***********************


***********************

الوسوم:

إعلان في أسفل التدوينة

اتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *