من حكايات السيل ومخيم المحطة
هاني الهندي
رغم تحذيرات المعلم صبحي خميس لطلابه في مدرسة ذكور الهاشمي الإعدادية بعدم اللعب في الشارع والسير على الرصيف والتوجه فورا إلى المنازل، إلا أن أيوب العربي وياسين الشامي وعبد الفتاح لا يحلو لهم المشي إلا في قنوات مياه المطر أو وسط الشارع الرفيع، حيث تنحدر فيه مياه الأمطار من الهاشمي الشمالي بقوة إلى المحطة، يرمون بعض العيدان والأشياء الصغيرة التي تجرفها المياه، يراقبونها وهي تقرقع وإذا مرت سيارة مسرعة يتعرضون (للطرطشة)، ينتفضون كالعصافير، يمسحون وجوههم ويلعنون السائق، يتابعون سيرهم إلى مدرسة العلوية، فيلتقون مع حمودة الخلايلة ومحمد العبد اللات، يتابعون اللعب بالماء وسط سوق المحطة، وعندما يصل أيوب إلى بيته تقوم أمه بتغيير ملابسه مع التوبيخ والضرب الخفيف في بعض الأحيان.
رغم تحذيرات المعلم صبحي خميس لطلابه في مدرسة ذكور الهاشمي الإعدادية بعدم اللعب في الشارع والسير على الرصيف والتوجه فورا إلى المنازل، إلا أن أيوب العربي وياسين الشامي وعبد الفتاح لا يحلو لهم المشي إلا في قنوات مياه المطر أو وسط الشارع الرفيع، حيث تنحدر فيه مياه الأمطار من الهاشمي الشمالي بقوة إلى المحطة، يرمون بعض العيدان والأشياء الصغيرة التي تجرفها المياه، يراقبونها وهي تقرقع وإذا مرت سيارة مسرعة يتعرضون (للطرطشة)، ينتفضون كالعصافير، يمسحون وجوههم ويلعنون السائق، يتابعون سيرهم إلى مدرسة العلوية، فيلتقون مع حمودة الخلايلة ومحمد العبد اللات، يتابعون اللعب بالماء وسط سوق المحطة، وعندما يصل أيوب إلى بيته تقوم أمه بتغيير ملابسه مع التوبيخ والضرب الخفيف في بعض الأحيان.
سكان مخيم المحطة خاصة أصحاب البيوت المسقوفة بأنواع الزينكو أو الطين, لا يحبون فصل الشتاء، تستنفر فيه كل الإمكانيات بما فيها لجان الدفاع المدني، وتنشط فرق العمل التطوعي المساندة، فترى عصام الفاخوري ومحمد عفانة و(أبو محمود) وأمين عبد السلام وآخرين يهبون لمساندة أصحاب البيوت المنهارة أو الآيلة للسقوط، وإخراجهم منها ونقلهم إلى مدرسة إسعاف النشاشيبي أو مدرسة العلوية في سوق المحطة، وهناك يتم تأمينهم ببعض الأغطية والملابس وعلب السردين والخبز.
ولعدم وجود شبكة مجاري كانت بعض العائلات تستغل هطول المطر فيفتحون الحفر الامتصاصية، ينحضونها في الطريق لتختلط بمياه الأمطار، وإذا مر الشيخ عبد الجليل من الطريق يرفع صوته: يا عالم خافوا الله .. خافوا الله .
ويجيبه أبو محمود: (أنت وحد الله، وين نروح فيها، مهي ماشية مع الماء)
وإذا انقطع المطر وبقيت بعض الكتل في الطريق، يقوم صاحب البيت بتنظيفها خوفا من مخالفة أمانة العاصمة.
ولتساقط الثلج احتفالات خاصة يتقنها الصبيان ويشارك فيها الكبار، حيث استمر تساقط الثلوج عام 1983 حوالي 12 يوما متواصلا فتحولت كل الأشياء إلى اللون الأبيض؛ أسطح المنازل والشوارع والجبال المحيطة, والسيارات المعطلة في الشوارع، فيخرج الجميع إلى الشوارع مبتهجين بضيفهم الأبيض، راغبين أو مكرهين، يصنعون الكرات الثلجية، يقذفون بعضهم بعضا، حتى المارة لم يسلموا من كرة الثلج تأتيهم من هنا وهناك، من الجوانب أو الخلف يستقبلونها بابتسامة وهم يتراكضون، وإذا تزحلق أحدهم ينفجر الجميع ضحكا مع استمرارية عملية القصف الثلجي.
الصبيان والشباب فرحون، بينما ينشغل الآباء والأمهات بعملية تنظيف أسطح البيوت من الثلج حتى لا يشكل ثقلا على ألواح الزينكو أو الطين. قبل الغروب ينتهي الاحتفال ويعود اللاعبون إلى بيوتهم، ويصاب بعضهم بلفحة هواء تصيب القصبات الهوائية نتيجة خروجهم من المكان الدافئ إلى المكان البارد، هكذا كانت تقول جدّتي، بالإضافة إلى الرشح أو الزكام أو السعال، أو التهاب اللوزتين وغيرها من أمراض الشتاء.
في نهاية كانون الثاني 1965 داهمت السيول مدينة عمان وغرقت منطقة المحطة بما فيها المخيم فجرفت سيارة (أبو شوكت الصوالحة) التي كانت تقف قرب جسر النشا بجانب السيل، ومع هدير المياه وانجراف الأتربة من الجوانب، انهارت الكتلة الترابية التي كانت تقف عليها السيارة التي أخذت تتلوى و(تتشقلب) في مياه السيل ونحن في حالة ذهول وحزن على المسكين (أبو شوكت) الذي أخذ يجري بموازاتها على ضفة السيل ويصرخ. وتدخلت فرق الدفاع المدني نقلت الكثيرين إلى المدارس والمساجد في المحطة.
قد يستمر تساقط الأمطار عدة أيام بشكل متواصل مما يؤدي إلى انجراف التربة وهدم بعض العبَّارات والجسور كما حدث في عام 1979 1، فتحول شارع وادي الرمم إلى نهر مجنون يجرف كل من يراه في طريقه من سيارات وأشخاص، وفاض السيل فجرف العديد من المساكن في مخيم المحطة، وأغرق بستان عيسى الطيراوي، في مثل هذه الظروف الصعبة يتحول الجميع إلى فِرق عمل تطوعي لمساعدة المتضررين، كلٌّ بطريقته الخاصّة، فكان جمال الأيوبي يقود جرّافة والده لإنقاذ العالقين في المياه وسط السوق. وهكذا حدث عام 1985 وعام 1991 حيث غرقت المحلات في سوق المحطة.
أدركت أمانة عمان خطورة السيل وأضراره البيئية والاقتصادية من تدمير للممتلكات والمنازل من البدايات، فطرحت عام 1965 من رأس العين إلى المحطة ووضعت خطة زمنية لتنفيذه. قامت بتنفيذه شركة شيّا وعامر التي أعلنت إفلاسها فانتقل إلى الشركة الكوريّة.
هذا المشروع أدى إلى توسيع مركز عمان وجنَّبها المكارة الصحية، بالإضافة إلى تحويل المساحات المسقوفة إلى شوارع واسعة مثل شارع قريش المعروف شعبيا بشارع سقف السيل ليلتقي بشارع الجيش الذي أخذ نسبة كبيرة من بيوت مخيم المحطة. ومع كل ذلك يظل السيل شاهدا على ذكريات وأسرار دفناها تحت حجارته الكبيرة التي كانت تغطيها المياه.
***********************
***********************