جاري تحميل ... فنون

إعلان الرئيسية

جديد فنون

عاجل

إعلان في أعلي التدوينة

جديد موقع علَّم نفسك

جديد علَّم نفسك
ستموت قريبا ... قصة قصيرة
منذ فترة ومجذوب القرية ينظر له نظرات غريبة ، وكأنه يريد أن يقول له شيئا، ولكنه يخاف ، فلقد كان لهذا الرجل هيبة في القرية، والمجذوب يخاف أن يقول له ما في نفسه، ربما يضربه ، أو يسلط عليه من يضربه.
ما أن يمر عليه حتى يرى تلك النظرة الغريبة والمريبة لا تتغير أو تتبدل، فأراد الرجل أن يعرف الأمر بنفسه ، وأخرج لهذا المجذوب حبة حلوى من جيبه حتى أنس له، وراح يهمهم بكلام غير مفهوم ، وكان أول ما فهمه منه بصعوبة قوله له : ستموت قريبا، أخذت الدهشة الرجل بعد هاتين الكلمتين، وسرت في جسمه قشعريرة، وترك المجذوب ومضى ، وندم على أنه تقرب منه، واستنطقه حتى باح بما لم ينزل في نفسه سوى منزلة لا ترضيه ، ولكنه في النهاية قال لنفسه: هذا مجرد مجذوب!
المجذوب لم يعد يسكت كما كان قبل سابق، بل كلما يقابله يطلق كلمتيه كرصاصتين ستموت قريباً، حتى بدأت الكلمتان ترسخ في نفسه ، وتفعل مفعولهما، وحاصره السهاد، وأصبح لا ينام إلا بصعوبة خوفا من الموت ، وكأن بقاءه في حالة استيقاظ هو من سيمنع عنه دخول ملك الموت عليه!
لم يعد الأمر يتوقف على هذا بل أصبحت الكوابيس تأتيه من كل جانب، وانقلب حياته رأسا على عقب بعد مجالسة المجذوب، ومما زاد الطين بلة أن المجذوب أصبح يطارده كي يسمعه ستموت قريبا!
قرر الرجل أن يترك تلك القرية، ويذهب إلى قرية جديدة، وأن يبيع كل ما يملك، ويبدأ حياة جديدة بعيداً عن هذا المجذوب، ورغم معارضة الأولاد وزوجته الرحيل عن القرية التي عاشوا بها سنينا، إلا أنه أصر بكل قوة ، وهددهم أن من لن يأتي معه ليس مكان في حياته أو نصيب من الميراث.
استجاب الأبناء والزوجة على مضض، ورحلوا عن القرية في حزن بالغ، وبدأت حياتهم في القرية الجديدة عليهم تسير بصورة طبيعية ، كحالتها قبل كلمتيّ المجذوب، وبدأت الكوابيس ترحل عنه ، ولم يعد هناك من يطارده بكلمات مسمومة، وأيقن أن ما فعله كان عين الصواب، وأن الرحيل عن القرية أنقذه من هذا المجذوب!
ولكن حدثت في القرية الجديدة ما لم يكن يتوقعه أو يخطر في باله، ففي أثناء سيره في الشارع، رأى مجذوبا جديدا، والأطفال تجري خلفه ، فراح يبعد الأطفال عنه، ثم نظر في وجهه، فعقدت المفاجأة لسانه، أنه مجذوب قريته القديمة، هل مازال يطارده ، وإن لم يكن، ما الذي جاء به إلى هنا، ثم نظر في وجهه بتمعن فكأنه هو ولكنه ليس هو ، فحاول أن يعرف منه شيئا عن شخصه، فلم ينطق سوى بكلمتين : ستموت قريبا، كاد الرجل يجن، ثم مضى مهرولا نحو بيته، وراح يغطي نفسه بكل غطاء على سرير أفكاره المعذبة، عله ينجو.
لم ينم طويلا، وأراد أن يواجه أي مجذوب يدخل حياته، ويقضي على هذا الخوف قبل أن يقضي عليه، وراح يبحث عن هذا المجذوب ، فلم يجده في سائر أرجاء القرية، وكأنه فص ملح وذاب، فراحت تساوره الهواجس أن هذا ليس مجذوبا جديدا، وأن هذا هو مجذوب قريته القديمة، فصمم أن يذهب إلى قريته القديمة كي يتأكد ، ويشفي صدره من الهواجس
كان في شوق هذا المرة لملاقاة المجذوب، وليقل ما يقوله ، أهم شيء عنده الآن أن يعرف الحقيقة ، ولكن أهل قريته أخبروه أنه مات في اليوم التالي لرحيل عن القرية ، فتعجب الرجل وقال في نفسه: هل كان يتنبأ لي أم يتنبأ لنفسه؟!
أخفي سعادته بهذا الخبر، وقرر أن يرجع بأولاده وزوجته مرة أخرى إلى قريته القديمة، بعد أن زال مصدر النكد الذي كان ينكد عليه يقظته ونومه، وأكيد ستفرح عائلته بهذا الخبر، خبر العودة ، حيث ما زالوا متعلقين بقريتهم القديمة!
وعندما نزل قريته الجديدة كان أول من قابله ذلك الذي كان يبحث عنه ، مجذوب القرية الجديدة الذي يشبه مجذوب القرية القديمة، فراح يقول له: ستموت قريبا، فما كان من الرجل إلا أن انفجر في ضحك هستيري، وراح يردد لقد مات من كان يقول لي ستموت، وما زال يواصل ضحكه حتى أضحك المجذوب ، وراح في ضحك هستيري مثله ، وجاء أطفال القرية وظنوا أنهما مجذوبان وجروا وراءهما بالطوب، حتي سقط أحدهم وهو يجري، فابتعد الأطفال عنهما خوفا، فعاد له المجذوب الحقيقي بعد أن كان قد تقدمه بخطوات في الجري، ثم نظر له وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة، قلت لك ، ولكنك لم تصدق من البداية.
بقلم: ياسر الششتاوي

***********************


***********************

إعلان في أسفل التدوينة

اتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *