يمشي بخطوات وئيدة، وكأنه يحمل جبالاً
فوق كتفيه، وظهره المنحني، فلقد فعل تقدم العمر به ما لم يكن يتصور أن يكونه، هذا
الذي كان يفوح بشباب غامر، وعضلات مفتولة، وكان الجميع يتمنى أن يكونوا في مثل
قوته ولياقته، فقد كان المثل الأعلى للعديد من الشباب خاصة الشباب المراهق، بل
كانت صورته تطبع على بعض المجلات في صفحتها الأولى، أصبح الآن كأنه أسد عجوز معه
عصاه علها تساعده كسند ومتكأ ليده المرتعشة.
وصل إلى السلم وهنا تكمن المشكلة، فلا
يوجد في هذه المؤسسة الحكومية أسانسير، وعليه أن يصعد السلم بنفسه، كم يحتاج من
الجهد والطاقة كي يفعل هذا الأمر، وقد يفشل في الصعود، وهو الذي كم صعد سلم المجد
والبطولات، ولكن مجده وبطولاته قد نسيت، وأصبحت في خبر كان!
وتلك عصاه هي الشيء الوحيد الذي يفي له
حت الآن ، وحتى تلك العصا قد تفلت منه، فيسقط على درجات السلم، ونتائج السقوط
بالتأكيد ستكون مؤلمة ، ولو حدث له كسر فمن الصعب أن يلتئم في مثل هذا السن، لكنه
قرر أن يصعد مهما تكن النتائج، وألا ينتظر مساعدة أحد.
صعد الدرجة الأولى، وراح يتذكر منصات
التتويج التي كان يصعد عليها، رافعاً علم بلده في كل المحافل، فكم نال من جوائز
وبطولات في مجال المصارعة، وكان يهزم خصمه ببراعة نادرة، وحركات تدل على الرشاقة
والقوة في آن واحد!
صعد الدرجة الثانية وتذكر كيف أن الدولة
لم تقدره بعد كل ما حصده لها من بطولات علمية، وتركته بعد اعتزاله يعمل سائق
تاكسي، وندم أشد الندم أنه لم يحترف بالخارج، وأن ثمن وطنيته وحبه لبلاده هو ما
فيه من العجز والكفاف ، بينما يكرم الراقصات في كل مكان، وأنه لو كان في بلد آخر
لصنعوا له تمثالا في كبرى الميادين!
وفي الدرجة الثالثة كاد يغمى عليه، وكاد
أن يسقط، لولا أن شابا بجواره أمسك به، وأخذه إلى حيث يريد، وهنا بدأت معركته مع
الموظف، الذي لا يريد أن ينهي له أوراقه بحجج واهية، ويتمسك بالروتين إلى أقصى حد،
ومن المؤسف أنه يريد أن ينهي بعض الأوراق كي يحصل على معاش، وهو الذي تعود أن يفوز
في معاركه هزمه هذا الموظف الضحل، وكاد أن يشتبك مع العجوز ، بعدما تطور الجدل
بينهما ، بل بالفعل دفعه دفعة بسيطة من ذراعه، فصاح البطل : ألا تعرف من أنا؟!!
فضرب الموظف ظهر يده بباطنها قائلا في
سخرية: من تكون يا سيدي؟؟
فرد البطل بانفعال: أنا بطل العالم في
المصارعة.
فراح الموظف يضحك ويضحك.
فخرج البطل من أمامه وهو يجر أثواب
الخيبة، في خطوات وئيدة، حتى وصل إلى السلم، وهو يكاد لا يرى أمامه من شدة الحزن،
وأنه يرى الموت أهون من تلك اللحظات المظلمة في آخر حياته، وكاد أن يبكي لولا أنه
تعود أن يكون صلبا وقويا أمام سائر الظروف، نزل السلم، وكلما يريد أحد أن يساعده
في النزول يرفض بشدة، ويتوقف عن النزول حتى يتركه الشخص الذي يريد أن يساعده أنه
أصبح في حالة من الغضب الشديد، ولا يريد أن يلمسه أحد حتى لمجرد المساعدة، وتذكر
عناده الذي كان به يحصد البطولات ها هو يعود له من جديد.
نجح في نزول درجات السلم، فالنزول بالطبع
أهون من الصعود بكثير، ولكنه لم ينجح في تجاوز حزنه وغضبه، وما أن تحرك خطوات عن
السلم حتى سقط على الأرض ، والتف حوله الناس، وطلب بعضهم الإسعاف، وراح البعض
يتأكد من أنه مازال يتنفس!
قصة بقلم: ياسر الششتاوي
***********************
***********************