جاري تحميل ... فنون

إعلان الرئيسية

جديد فنون

عاجل

إعلان في أعلي التدوينة

جديد موقع علَّم نفسك

جديد علَّم نفسك
جابر الزهيرينقد

التشخيص بين تحليل الواقع و الرمز قراءة في المجموعة القصصية ( لمبة جاز) للأديب محمد فكري

التشخيص بين تحليل الواقع و الرمز
قراءة في المجموعة القصصية ( لمبة جاز) للأديب محمد فكري
بقلم
جابر الزهيري
أمين صندوق اتحاد كتاب مصر فرع المنيا

رغم اتفاق معظم المدارس النقدية على فنياتٍ تحدد أطر كتابة أي نص أدبي ، فعوالم الإبداع تختلف من شخصٍ لآخر ، حسب ما يتاح له من إمكانية استخدام الفنيات المتعارف عليها في كل جنس من الأجناس الأدبية ، فبمقتضى هذه الفنيات يتحدد شكل العمل ، سواء كان شعرا او سردا بأنواعه سواء قصصيا أو روائيا أو نصا مسرحيا ، فبها يتحدد الإطار العام للعمل الأدبي ، و لكن التميز الذي يجذب انتباه المتلقي سواء كان قارئا متذوقا أو ناقدا متخصصا ؛ هو ذلك الأسلوب الذي يتبعه الكاتب في عرض فنيات النص و كذلك التيمات الفنية التي يمتلكها دون غيره مما يطلق عليه بصمة الكاتب .
و ما زال الرمز _ رغم ظهور اتجاهات أدبية و مدارس نقدية جديدة _ هو السبيل الذي يسلكه أغلب الكتاب مما به من عناصر تحريك الخيال داخل المتلقي فالحديث بالإشارة هي لغة إعمال العقل ، مما يؤدي إلى خلق الغاية الأساسية من العمل و هي الإمتاع ، و ربما وضوح بعض الرموز التي استهلكت استخداما فيما سبق من نصوص إبداعية جعل المبدع يبتكر طرقا لخلق رمز جديد يحمل من الدلالات الكثير و الكثير فيلجأ الكاتب إلى التشخيص بكل صوره من إضافة صفات إنسانية للأشياء لتصبح أبطالا للعمل مع شخصياته التي يدور حولها النص الأدبي ، فيمزج الواقع بالرمز مما يجعله يسير _ربما دون قصد _ في مدار الواقعية التحليلية معتمدا على الرصد النفسي للشخوص مضيفا إليه ذلك البعد النفسي ( الخفي ) لأشياء أضاف إليها صفات إنسانية معتمدا على مدلولها الرمزي ، سواء من المسمى الشعبي أو علاقته بالمكان أو الزمن .
و في هذه المجموعة محل القراءة نجد أن هناك حالات متعددة لاستخدام التشخيص باستخدام رمز جديد يحمل في مضمونه العديد من الدلالات و علاقاتها النفسية مع البطل ( الرواي ) في معظم القصص ، فعلى سبيل المثال ، في قصة ( فلاش ) فالكاميرا هي البطل الأساسي باستخدامها كرمز للزمن من خلال الاستدراك و القفز بين مراحل العمر بين كل لقطة و أخرى في سرد قصصي يحمل فنيات الواقعية التحليلية بتميز ، فالكاتب لم يرصد الواقع بالتسجيل فقط و لكنه تعمق في التحليل النفسي لأبطال القصة و تفاعل الرمز معهم فيقول : 
مَرَّتُ السنين وَذَهَبْتُ إلى نفس الاستوديو، وَ مَعي ذاتَ الرِّداء الأبيض وَالطرحة المُطَرَّزَة.
هَيَّئَني المُصَوَّرُ لِلصُّورَةِ الأولَىَ، فابْتَسَمْتُ لأبي وَكأنّني أذَكّرَهُ بِالماضي ، وَعَزَمْت أنَّ بَعْدَ التقاط هَذِهِ الصُّورَة، سَأخذُ بِيَدِهِ وَأُقَبِّلُهَا وَأنْتَقِلُ بِهِ مِن خَلْفِ الكاميرا إلى الأمامِ وَأخْبِرَهُ أنَّهُ اليَوْمَ أتَمَّ رِسالَتَهُ، وَآنَ الأوَان أنْ يظْهَرَ في الصُّورَة.
يَخْطفني فِلاش الكاميرا كَعَادَتِهِ، وَ قَبْلَ أنْ يَنْتَهي أَثَرُ الضَّوْء مِنْ عَيْنَيَّ، سَمِعْتُ صَوْتَ المُصَوِّرُ العَجوز يقول:
كُنْتُ اتمَنّىَ أخُدْ لَكْ صورَة النّهاردا مَع أبوك زَيْ كُل مَرَّة، الله يرحمه كان بيحلم باليوم دا ؛ مَبْروك ياعَريس.

و كذلك في قصة ( لمبة جاز ) المعنون بها المجموعة القصصية نجد نفس تيمة الرمز في تشخيص اللمبة و استخدام تقنيات الاستدراك لاستحضار شخوص على ضوء هذه اللمبة فتعددت دلالاتها فأصبحت القيم , اجتماع الأسرة ، الزمن ، الحنين للماضي ، لتصبح البطل الأوحد و كل الشخصيات مجرد خيالات على الحائط على حد قوله :
جَلَسْتُ بِجَانِبِهَا ألْهُوْ مَعَ خَيَالِي عَلَىَ الحائِطِ، أتَفنن في صُنْعِ أشْكَالٍ بِيَدِي، لَمْ تَعُدْ تُخيفني هَذِهِ الأَشْكَال، الوَاقِعُ أصْبَحَ مُخيفاً أكثر من الخيال.

بينما كان الرصد التحليلي للواقع أقوى و إن ظهر بالشكل التسجيلي في قصة ( النتيجة ) إلا أنه لعب يتيمة كسر المتوقع ليعود إلى الواقعية التحليلية مرة أخرى ،فيختتمها :
ذَهَبْتُ في اليوم التالي لِشئونِ الطلبة أسْتَعْلِمُ عن هذا الطالب، فأنا حقيقةً أوَدُّ تنمية موهبته الكبيرة من خِلال وِرَش العمل والمسابقات؛ مُتغاضيا ومُتغلبا على الحِقْدِ الطبقي والنفس الأمارة بالسوء التي تُرَدِّدُ( لَيْتَ هَذِهِ المَوْهِبة لأحَدِ الفقراء والمحتاجين)، ذَكَرْت اسمه للموظّف المُخْتَصْ، فأخبرني أن وَالدتهُ تَقدَّمَتْ للمدرسة بالتماسٍ طلبت فيه استكمال دراسة ابنها منزليا، وأنها مُنْذُ شَهْرَيْن تَتَرَدَّدُ على البنك لإنهاءِ إجراءات قرض للمرأة المعيلة.
و كأن الكاتب في تشخيصه للبطل / الرواي يشرك ذاته في كل القصص بتلك الذاتية التي تصل إلى العموم من خلال مضمون القصة و تغير دلالات تشخيص أنسنة الأشياء من متلق إلى أخر ، مما يكسب المجموعة ككل ذلك التميز السردي بما يحمله من فنيات التعامل مع الشخصيات و العقدة و الحل _ و إن اعتمد على النهايات المفتوحة بعض الأحيان _ و كذلك الاستخدام الجيد لعنصري الزمان والمكان و كذلك في قصة ( فتوى ) التي استخدم بها فانتازيا الكوميديا السوداء بأسلوب شيق 
و من المميزات التي تذكر للكاتب استعمال الأسلوب الإنشائي في الجمل القصيرة ، دون اللجوء للأسلوب الخبري إلا في حالات نادرة يتطلبها السياق الدرامي للقصة معتمدا على استخدام الاستدراك و الرجوع بالزمن لفترة ثم العودة للواقع ، 
و أخيرا أقول ....
لقد استطاع الأديب محمد فكري أن يمزج بين مدرستين من مدارس الفن القصصي و هما الواقعية التحليلية و الرمزية بأسلوب متميز و بلغة رشيقة جعلت القصص تخرج بشكل السهل الممتنع معبرة عن ذاتية عامة بارتباطها بمدلول أشياء معينة تثير في كل نفس حنينها و ذكرياتها من فرح أو ألم ، فقد عبر بصدق عن ما يدور بنفسه المبدعة ، فوصل إلى قلوب و أذهان المتلقي في سهولة ويسر ، أتاحت له فتح أبواب النفس البشرية للتفاعل مع القصص بما تحمله من معان سامية في المطلق ، فحالات الإبداع _ و إن اختلف مدلول كل تشخيص في كل قصة و غرضها الفني _ تعد تجربة واحدة متغيرة في الشكل متفقة في المضمون و هو البحث داخل النفس عن قيم مفقودة ، و كنت أود أن يختلف الأسلوب في كل قصة عن الأخرى حتى تزيد المتعة بذلك السرد الرائع من أديب يعي كيف يوظف الكلمة في مكانها الصحيح ، و ربما تعمد الكاتب ذلك لجعل هذه المجموعة حالة شعورية واحدة يجمعها خيط رفيع و هو الغوص في أعماق النفس ، 
هنيئا للمبدع بإصداره الممتع و هنيئا للمتلقي بكتاب جدير بالقراءة و البحث ... مع الأمنيات الطيبة بالمزيد من الإبداع و التميز 
جابر الزهيري

***********************


***********************

إعلان في أسفل التدوينة

اتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *