جاري تحميل ... فنون

إعلان الرئيسية

جديد فنون

عاجل

إعلان في أعلي التدوينة

جديد موقع علَّم نفسك

جديد علَّم نفسك
عبد الله جمعةنقد

الشاعرُ المُؤَدْلَجُ

(الشاعرُ المُؤَدْلَجُ)                                                  عبد الله جمعة
قراءة أيديولوجية في نصوص ثلاثة من شعراء العرب الآنيين
عمار الزريقي عمر هزاع السيد العيسوي عبد العزيز
(الجزء الأول) 
_______________ 
عبرت في غير موطن وحاضرت في غير محاضرة أن الشاعر خلال رحلته الشعرية يمر بمراحل من النضج حتى يصل لمرحلة الشاعرية التي نستطيع أن نطلق عليه (الشاعر) ، وهو خلال مراحله كلها شاعرٌ إلا أنه شاعر منتقص الشاعرية ؛ لأننا قد عرفناه في غير موطن بأنه" تلك القوة النفسفكرتعبيرية" القادرة على التأثير في سلوك المجتمع المحيط" .
فإذا كان الشاعر كذلك فهو قوة لا يستهان بها وقدرة هائلة التأثير وطاقة تفجر مشاعر الجماهير تجمعهم وتحركهم وتدفعهم إلى تعديل سلوكهم، فهو قوة ضاربة إن صحت شاعريته.
لذا فلا غرابة إن حكمنا بأن جيلا كاملا في أمة بحجم الأمة العربية إن استطاع خلال عمره الزمني إنتاج عدد من الشعراء لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة هو جيل ناجح بكافة المقاييس .
فإن كان في أمة كأمتنا العربية عشرات الآلاف من الكائنات الشعرية فإن ندرة نادرة فقط هي التي تستطيع بلوغ حد الشاعرية وهي تلك الندرة القادرة على الخروج من مجرد التعبير عن الأفراح والأتراح الذاتية إلى احتواء عصرها وتوجيه مساره بما تنتج من نصوص إبداعية .
إن الفن الشعري جاذب بطبيعته لكل ذي حس ورغبة في التعبير ؛ لذلك نجد في أواننا هذا آلافا من البشر يتوافدون على الفن الشعري بغية أن يكونوا شعراء وهذا لعمري ظاهرة صحية لأن كل هؤلاء سيفرزون لا محالة ذلك الكائن القادر أن يكون شاعرا .
إن عملية التخصيب البشرية تحتاج - كما يقر علماء الخصوبة - إلى خمسة عشر مليون حيوان منوي يستطيع واحد أو اثنان أو ثلاثة وربما أربعة فقط بلوغ البويضة لتحقيق تخصيب الكائن البشري ؛ لذلك فلا غرابة أن يتبارى آلاف الكائنات الشعرية حتى ينجح واحد أو اثنان أو عدد ضئيل جدا بلوغ حد تخصيب بويضة الشعر فينتج شاعرا .
إنه ذلك الكائن القادر على خوض غمار رحلة الشعر الطويلة الشاقة التي تصل به في نهاية الطريق أن يكون كائنا شعريا .
كلنا كشعراء نحلم أن نكون هو ... لكن الـ (هو) هذا لايتأتى بالأمنيات العذاب والأحلام السراب ، إنه يتأتى برحلة شاقة عسيرة وآلام مخاض طويلة .
لقد حققت في كتابي (مكامن الإبداع) [ج١] خمس مراحل يمر بها الشاعر منذ مولد كائنه الإبداعي داخله أو لنقل منذ اكتشاف وجوده حتى بلوغ مرحلة التخصيب متوجا على عرش الشعر ككائن حي ينبض شعرا .
هنا أقف لأسأل : كم شاعرا عايش امرأ القيس؟ ولكنه امرؤ القيس واحد ، وكم شاعرا عايش أبا العلاء؟ ولكنه أبو العلاء واحد ، وكم شاعرا عايش شوقي؟ ولكنه شوقي واحد ، وكم شاعرا عايش نزار؟ ولكنه نزار واحد, وكم شاعرا عايش هوميروس وشكسبير وإليوت وكوليردج وميلتون؟ ولكن كل من هؤلاء هو واحد .
وكما أوضحت فقد حددت في كتابي المذكور سالفا خمس مراحل يمر بها الشاعر في رحلة نضجه الشعري هي : 
١- المرحلة التلقائية : 
وهي المرحلة التي يستشعر فيها أحدنا برغبته في التعبير عما يجيش في صدره دون أن يكون ملما بأدوات الحرفة الشعرية وفيها يعتمد أكثر ما يعتمد على ما أسماه الفيلسوف الإنجليزي (روبين جورج كولنجوود) بـ "الرؤية التخيلية" وهي القدرة على إعادة تشكيل الواقع الوقيع وصياغته في هيأة واقع شعري ؛ فإن أحدنا إن قال"هذا رجل" فتلك ليست رؤية تخيلية ولكنه إن قال"هذا أسد يتربص بأفكارنا ليفترسها" فتلك رؤية تخيلية .
ولن أطيل في وصف تلك المرحلة لأنني لست بصددها في تحليلي هذا .
٢- المرحلة الحرفية : 
وفيها يفطن الشاعر أن طاقته التلقائية تتبدد وتضل وتدخل به في متاهات غير مرجوة بل تصل بقصيدته إلى طرق مسدودة فلا تحقق المأمول منها ومن ثم فهي بحاجة إلى حرفة توجه مسارها وتضبط إطارها وتوجهها إلى الطريق القويم الذي هو أقصر الطرق لبلوغ تأثيرها في نفس المتلقي ؛ إذ يكتشف الشاعر أن تلك الطاقة التلقائية ليست مجرد وحي وإلهام يضع الشاعر في حالة من التجلي اللاواعي لأنها ترتبط عضويا بقدر من الصنعة يجعل فيها تجربته سيكولوجية مثيرة أو ممتعة للقارئ وبدون هذه المهارة الحرفية الواعية تتعثر القصيدة في طريقها إلى القارئ .
ولن أطيل أيضا في وصف هذه المرحلة لأنني لست بصددها في تحليلي هذا .
٣- المرحلة الفكرية : 
وفيها يفطن الشاعر إلى أن طاقته التلقائية التي تسيجت بالمهارة الحرفية في حاجة إلى روافد معرفية ومخزون معلوماتي يصبح كصومعة الغلال التي تحوي مخزونا إستراتيجيا يلجأ إليه ليغذي قصيدته كلما شعر أن تجربته جوعى تحتاج لتغذية معرفية .
وأيضا سأمر مرور العابر على تلك المرحلة دون الخوض في تفاصيلها بلوغا ما أنشده من تحليلي هذا وهو المرحلة التالية .
٤- المرحلة الأيديولوجية : 
وهي مكمن بحثي هذا ومحط التفصيل لأنني بصدد التعرض لثلاثة من الشعراء قد بلغوها بل منهم من تخطاها إلى المرحلة الخامسة وهي"مرحلة التجريب" ولهذا شأن آخر من البحث .
إن مرحلة الأيديولوجيا هي تلك المرحلة التي يصل فيها الشاعر إلى تكوين وجهة نظر ينطلق منها لمواجهة واقع قصيدته بل مواجهة واقعه الشعري جملته أو أغلبه.
يقول الدكتور"عبد الله العروي" في كتابه"مفهوم الأيديولوجيا" : "إن كلمة أيديولوجيا دخيلة على جميع اللغات الحية وهي تعني لغويا في أصلها الفرنسي {علم الأفكار} لكنها لم تحتفظ بالمعنى اللغوي؛ إذ استعارها الألمان وضمنوها معنى آخر" ثم ينطلق في نفس كتابه معرفا الأيديولوجيا : "نقول إن الحزب الفلاني يحمل أدلوجة ونعني بها مجموع القيم والأخلاق والأهداف التي ينوي تحقيقها على المدى القريب والبعيد .... نقول إن فلانا ينظر إلى الأشياء نظرة أدلوجية ؛ نعني أنه يتخير الأشياء ويؤول الوقائع بكيفية تظهرها دائما مطابقة لما يعتقد أنه الحق" .
إذن فالأيديولوجيا أو الأدلوجيا أيا ما كان نطقها عند تعريبها تعني "مجموع القيم الراسخة في ضمير الفرد أو الجماعة والتي تنطلق في ضوئها أحكامه على تفاعلات الواقع من خلال معطيات هذه القيم" .
وقد شعبها العلماء المختصون عدة شعب لا تخرج جميعها عن ذلك الإطار التعريفي الذي عبرت عنه... فمنها : 
الأيديولوجيا السياسية
-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-
وهي أيديولوجيا تظهر فيها الخصومة السياسية وتكتسب طابعا سلبيا أو إيجابيا حسب هوية المستعمل حيث يرى المتكلم أيديولوجيته الخاصة عقيدة تعبر عن الوفاء والتضحية والتسامي ويرى أيديولوجيات الخصوم الخصوم أقنعة تتستر وراءها نوايا خفية لا واعية يحجبها أصحابها حتى على أنفسهم لأنها حقيرة لئيمة ويرى في أيديولوجيته نورا ينير الطريق ويهدي الخلق إلى دنيا الحق والعدل بينما تعمي أيديولوجية الخصوم الناس عن سبيل الحقيقية والسعادة.
وفي واقع الأمر فإن المتعرض لدراسة الأيديولوجيات في الحقل السياسي عليه ألا يحكم عليها من زاوية الحق والباطل وإنما يصفها فقط بالنظر إلى فعاليتها وقدرتها على استمالة الناس والاقتراب من أهدافها .
الأيديولوجيا الاجتماعية 
-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_- 
وتستعمل في مجال المجتمع في دور من أدواره التاريخية . إننا ندرك المجتمع حينئذ ككل يتفق جميع أعضائه في الولاء لقيم مشتركة ويستعملون منطقا واحدا . 
وتحدد الأيديولوجيا أفكار وأعمال الأفراد والجماعات بكيفية خفية لا واعية ولكي يصل الباحث إلى رسم معالمها لابد له من تحليل وتأويل أعمال أولئك .
الأيديولوجية الثيوطيقية: 
-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-
وتستعمل في محيط المجتمع العقائدي؛ إذ ينطلق جميع أفراد هذا المجتمع من قيم معتقدية واحدة ناظرين للغير-إن لم تكن تتصف بالتسامح- نظرة تكفير وخسران للدنيا والآخرة.
الأيديولوجيا الكائنية
-_-_-_-_-_-_-_-_-_-
ومجالها الكائن؛ كائن الإنسان المتعامل مع محيطه الطبيعي، والبحث فيه هو من قبيل نظرية الكائن وتلك الأيديولوجية يكونها الإنسان من خلال تجاربه وخبراته الحياتية والمعرفية؛ فينطلق من مجموع القيم التي بناها خلال حياته الخبراتية .
وإننا إذا كنا هنا بصدد التعرض لثلاثة من الشعراء الكبار الذين بلغوا هذا المبلغ من النضوج الأيديولوجي بحيث بنى كل منهم نظرته لمحيطه الطبيعي منطلقا من مجموع القيم التي آمن بها فأصبحت تحدد نظرته لهذا المحيط فإنني أستطيع أن أحكم ومن واقع نصوصهم بأن : 
عمار الزريقي : 
ينطلق من أيديولوجية سياسية ثورية آمنت بقيم ثورة ٢٦ سبتمبر ١٩٦٢ والتي قامت بقيادة المشير (عبد الله السلال) الذي كان قائد أركان الجيش اليمني في المملكة المتوكلية وهذا ما تصرخ به أشعاره ونصوصه الإبداعية ممزوجة بقيم البردوني في نظرته إلى"اليمن الجمهوري" أو الجمهورية اليمنية وسوف أقف على هذا تحليلا فيما هو قادم .
السيد العيسوي : 
والذي تجلت أيديولوجيته الكائنية التي ترسخت في ضميره منطلقة من قيم الانعزال والانطواء والرغبة في وضع حدود وأسوجة تفصله عن غيره من الكائنات البشرية برغم ما يبدو عليه من سلوك ينشط نحو التواصل مع المجتمع المحيط إلا أن ذاته الكمينة تميل إلى تحديد هذا التفاعل بحدود مقيدة لا تتعدى حيز المحيط الخارجي لعالمه مع الميل إلى الانسلاخ عن الصخب المجتمعي هروبا إلى عالمه المنفرد الأثير إلى نفسه الذي يشعر فيه دائما بالسلام والسلامة النفسيين .
عمر هزاع : 
والذي ينطلق من أيديولوجية كائنية امتزجت بأيديولوجية سياسية بناهما دون انتماء لحزب أو جماعة وإنما من واقع تجربته الفريدة المعقدة والتي أؤكد أنها قد أبرزت معالمها بمنتهى الوضوح بعد وقوع الحرب في سوريا ورحلة هروبه من الحرب بحثا عن الملاذ الآمن ومشقة تلك الرحلة التي اخذته عبر أطراف الجزيرة العربية من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب ثم أقصى الشرق فتكونت لديه تلك النظرة الكائنية السياسية تجاه المجتمع العربي منطلقة من نقمته الشديدة على ذلك المجتمع وأنظمته جميعا والتي تسببت في ضياع شعوب كاملة من بني جلدته وارتكزت تلك الأيديولوجيا على قيم تشاؤمية غير آملة في مستقبل مشرق للعرب تضج بها نصوصه وإن لم يصرح بهذا .
[انتظروني في الجزء الثاني من هذه القراءة التحليلية] 
(يتبع ؛) 
(عبد الله جمعة)

***********************


***********************

إعلان في أسفل التدوينة

اتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *