جاري تحميل ... فنون

إعلان الرئيسية

جديد فنون

عاجل

إعلان في أعلي التدوينة

جديد موقع علَّم نفسك

جديد علَّم نفسك
تاريخمخيم المحطةهاني الهندي

عمال التحميل والتنزيل قديما


العمال
عمال التحميل والتنزيل قديما
ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏‏شخص أو أكثر‏، و‏أشخاص يجلسون‏‏ و‏نشاطات في أماكن مفتوحة‏‏‏في مخيم المحطة
أمام بقّالة مهترئة الجدران في أول المخيم يجلس ياسين بلحيته الكثّة والسيجارة ترتجف بين أصابعه كلّما حاول أن يرفعها إلى شفتيه، يملأ رئتيه بدخانها ويخرجه بكثافة من منخريه، عيناه الواسعتان تجوسان الطريق ولا تهدآن عن الحركة، تراهما متحفّزتان تبحثان عن شيء فقده أيام شبابه، ملامحه تدلّ على قوّته رغم ضآلة جسمه .
كان من الشباب المعدودين في المخيّم، تمنته بنات الحي ففازت به فاطمة قبل أربعين سنة ، وكانت تباهي به صديقاتها "ياسين العتال سيد الرجال". تعوّد أن يستيقظ قبل الصّبح ، يتفقد صغاره وهم نائمون ، يتحسس أرجلهم الباردة ، فيسوّي الغطاء عليها ويعدّل وسادة طفل انزاحت من تحت رأسه لكثرة حركته وهو نائم. تنسلّ فاطمة من فراشها الدافئ وهي تقول: "الله يديمك على روسنا "يبتسم لها ويقول بصوت خفيض حتى لا يستيقظ أحدهم:" حريق الوالدين! طول الليل ما حط الغطا عليه". وإذا أشرقت الشمس يدلّي على كتفيه حبله الغليظ ويربط كلاليبه على وسطه بفخر واعتزاز ، ويخرج سيرا على الأقدام حتى يصل خلف المسجد الحسيني وسط عمّان، يجلس مع زملائه أمام سينما البتراء بانتظار شاحنة سكّر تأتي لأحد التجار أو صناديق أقمشة يريد صاحبها نقلها على ظهور العتّالين إلى المستودع، وكثيرا ما كان يقف أمام لوحة عرض الأفلام التي تعرضها السينما، ونادرا ما كان يغامر بدفع خمسة قروش لمشاهدة فيلم لهند رستم التي عشق دلعها أمام فريد شوقي في فيلم "باب الحديد"، حتى إذا عاد إلى البيت مساء يسرد أحداث الفيلم لفاطمة التي تتابعه بفرح واهتمام .
ذات يوم مع غروب الشمس عاد ياسين إلى بيته مهموما متعبا، استقبلته فاطمة كعادتها؛ تناولت منه الحبل والكلاليب وأسرعت لإعداد الماء الساخن تخلطه بالملح لينقع ياسين قدميه فيه، بينما تجثو هي أمامه لتقوم بتدليك بطّات رجليه، ابتسمت وهي تنظر إلى عينيه المتعبتين وقالت: أراك اليوم مهموما، هل تعبت كثيرا ؟
ـ تجار السوق هم المتعبون .
ـ كيف ؟
ـ كسرت ساق أحد العتالين اليوم عندما تزحلق وهو يحاول رفع صندوق من الأقمشة، رفض التاجر أن يعالجه وقال إذا كان لا يستطيع حمل صندوق عليه أن يبحث له عن عمل آخر.
ـ ومن أسعف المسكين !؟
ـ جمعت مبلغا من العتالين ونقلناه للمستشفى
ـ لا حول ولا قوة إلا بالله .
في اليوم التالي جمع ياسين العتالين تحت الشّجرة وطلب منهم عدم التعامل مع التاجر "أبو نزار" لأنه لا يدفع الأجرة المناسبة ولأنه تخلّى عن علاج العتال المكسور. من ذاك اليوم أطلقوا عليه "نقبب العتالين" .
أخذ تقدم السن يرسم خطوطه على وجه ياسين وأكل التعب منه ما أكل، ولذلك صار يتهرّب من عتالة الصناديق الثقيلة، لاحظ زملاؤه ذلك ولم يحرجوه، هو الذي كان يرفع الصناديق التي يعجز عنها العتّالة، كان رجل المهمات الصّعبة، تألّم عندما طلبت منه فاطمة أن يعتزل أو يقاعد نفسه فقال لها: لا يا فاطمة، أنا ياسين. واغرورقت عيناه بالدموع .
ـ ولكن ..
قاطعها ـ قلت لا .. يعني لا .
خرج من بيته إلى السوق فوجد مجموعة من العتالين تقف أمام صندوق ضخم ،فقال أحد الخبثاء : وصل "الونش". فطلب منه صاحب البضاعة نقل الصندوق، نظر ياسين إلى الصندوق بغضب وهو يقترب منه، حاول زحزحته ففشل، ثم نظر إليهم وقال: هذا يحتاج إلى ونشين من العيار الثقيل .
أجابه صاحب البضاعة: لم تعد ياسين يا ياسين .
اهتزت أشياء داخل ياسين، عقد حاجبيه ونظر إلى وجوه العتالين رآها تنظر إليه بحزن وشفقة، وكأنّهم صدّقوا ما قاله التاجر، استنشق كمية من الهواء وتقدّم نحو الصّندوق مرة أخرى، حنى ظهره قليلا أمامه وغرز كلاّبه في إحدى زواياه ثم صرخ: يا الله، وهو يحاول رفعه، انتفخت أوداجه واحمرّت عيناه التي كادت أن تفرّ من رأسه، وتضخّمت شراينه فحاولت أن تمزّق جلده، رفع الصندوق عن الأرض، كبّر العتالون، مشى خطوة .. وأخرى، بصق دما وخارت قواه .. منذ ذاك اليوم وهو يجلس أمام بقالة مهترئة الجدران في أول المخيّم يراقب الطريق.
وظل ياسين يراقب عمال (البوندد) كل يوم بعد العصر وهم عائدون إلى بيوتهم، على وجوههم غبار تعب التحميل والتنزيل في محطة القطارات، أو ربما في (البوندد) الذي كان في الشارع العلوي من حي المعانية، وهو عبارة عن مستودعات تبريد وتخزين البضائع قبل أن تدفع عليها الرسوم الجمركية.
كان الحاج علي الذي يتمتع بالشباب والبنية القوية أنشطهم، أما الشيخ سليمان وأخيه والحاج محمود فقد ظلوا يتذمرون من الأحمال الثقيلة، ومع ذلك حزنوا عندما تم نقل (البوندد) إلى أبو علندا.
وبعض العمال تراهم على جسر المحطة مقابل سينما الأهلي كان يتجمع العمال صباحًا، ينتظرون أرزاقهم تأتي إليهم، بعضهم تتدلى حبال العتالة على كتفيه و(الكلاليب) على جنبه لنقل الصناديق أو(عفش) الذين ينتقلون من بيت لآخر.
وبعضهم تخصص بتحميل وتنزيل مواد البناء من إسمنت وحديد، أما الرمل والطوب فقد كان يختص به أصحاب الحمير لصعوبة الطريق ووعورتها التي لا تصلها سيارات النقل، كما كان يقف على الجسر عمّال البناء بانتظار من يأتيهم من معلمي البناء لمساعدتهم في خلط الرمل بالأسمنت أو لطراشة بيت أو ترميمه.



***********************


***********************

إعلان في أسفل التدوينة

اتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *