جاري تحميل ... فنون

إعلان الرئيسية

جديد فنون

عاجل

إعلان في أعلي التدوينة

جديد موقع علَّم نفسك

جديد علَّم نفسك
...........ابن زيدون والسيليكون

أقفل ابن زيدون صندوق قصائده وأخذ نفسا عميقا وتنهد بارتياح ......لقد أودع كل قصائد العشق التي كتبها لولادة بنت المستكفي في هذا الصندوق .... كل القصائد التي كتبها أيام سجنه الذي أودعه فيه ابن جهور في قرطبة ....وأيام منفاه هنا في اشبيليا عن المعتمد بن عباد.... القصائد التي كتبها بمداد عشقه وولهه ... القصائد التي وثقت تاريخ الحب العفيف الطاهر المظلوم والمحكوم ببطش قساة القلوب ومنعدمي المشاعر ....كل زفرات روحه في هذه القصائد.......نبضات قلبه شكلت حروفها......وبللت صحائفها دموع وجده وهيامه.....وشهدت عليه بها كل الليالي المقمرة وكل نجوم السماء المسافرة ..... في هذه القصائد لحظات تاريخ الفراق والبعاد في سجنه وحين هروبه من السجن وكل ثواني الغربة في اشبيليا ..... ابتسم ابن زيدون وهز رأسه فرحا ....سيحمل هذا الصندوق ويقدمه لولادة دفعة واحدة ....هي تعرف كل هذه القصائد علمت بها في حينها وقرأتها بوقتها ولكنه كان يرى بها أجمل هدية تليق بمعشوقته الغائبة ...... هز ابن زيدون صندوقه بفرح شديد وأشار لغلامه بأن يحمله ويضعه على فرسه ....قرر ابن زيدون أن يخرج إلى ظاهر المدينة ليستقبل توأم روحه ولادة عند أبواب اشبيليا فهي قادمة اليوم ...... لقد تمكنت من الخروج من قرطبة بعد رحيل ابن جهور عن الحكم..... وكم كان ابن جهور مستبدا وجائرا وظالما وكم كان قاسيا يكره الحب والمحبين ويحارب العشاق كما يحارب الاستعمار الدخيل لم يكن بوسع عاشق في عصره أن يعلن عن عشقه ولم يكن بوسع شاعر أن يكتب في حبيبته بيتا من شعر وله أو قصيدة من غزل.....ولكن اليوم تغير كل شيء .....وكما هو الحال دائما الدنيا دول ..... رحل ابن جهور وبات الحكم في قرطبة ديمقراطيا وللمرء حرية التنقل أينما شاء وحيثما شاء ....واليوم ستأتي ولادة ......خرج ابن زيدون من بيته تحمله النشوة على جناح شوق قديم معتق بنبضات السنين ....أشار للغلام بالمضي .....أمسك الغلام بخطام الفرس وسار يتبعه ابن زيدون ......ابن زيدون يسير على الأرض ولا يشعر بوطء قدميه عليها وكأنه يطير في الأثير لم يكن الطريق طويلا أو لعل الشوق جعل منه أقرب ...وصل ابن زيدون وغلامه لباب اشبيليا ووقفا ينتظران ......ظهر من بعيد عباب وضباب وغبار يسير وبسرعة كبيرة نحوهما .....دهش ابن زيدون مما رأى وقبل أن يبدأ بسؤال غلامه عما يرى وصلت سيارة فارهة وتوقفت أمام بوابة اشبيليا ....تسمر ابن زيدون في مكانه وجلا مما رأى .....فتح باب السيارة ونزلت منها صبية ترتدي الجينز الممزق وقميصا قطنيا طبعت عليه صور قلوب وكلمات أعجمية ....عضت على شفتها السفلى ثم رفعت حاجبيها مع ابتسامة خفيفة وغمزت بعينها واتجهت نحو ابن زيدون ..... بدأت دهشة ابن زيدون تتحول لهلع ....تقدمت الصبية منه وقالت : هاي ..... ارتبك ابن زيدون قائلا : ماذا ..... ماذا قلت يا هذه؟ ..... قالت : ما بك يا ابن زيدون أنا ولادة بنت المستكفي معشوقتك أنسيتني يا شاعري ؟...... ابتلع ابن زيدون ريقه من شدة الارتباك والدهشة .....قال : أنت لست ولادة أولا ثم ما هذا الصندوق المعدني الذي يسير أسرع من كل خيل أصيلة عرفتها؟ .... أنت جنية ...قهقت ولادة بصوت عال : يا شاعري الحبيب هذه سيارتي الحديثة ألم تصل التكنولوجيا لإشبيليا بعد؟ أجاب ابن زيدون : لا لم تصل بل لم يصل أحد غيرك هذا اليوم. قهقت ولادة تارة أخرى وقالت : لا عليك يا شاعري الحبيب سنتحدث بأمور التكنولوجيا لاحقا، دعنا الآن نذهب لبيتك أنا متعبة وأحتاج لبعض الراحة .....صرخ ابن زيدون : لا .....لن تذهبي معي أنت لست ولادة أنا لا أعرفك ....ابتسمت ولادة :ما بك يا ابن زيدون ...ربما تغيرت قليلا ولكنني أنا ولادة معشوقتك وملهمة شعرك ...انظر إلي جيدا ...ألاتذكرني يا ابن زيدون ......اقترب ابن زيدون من ولادة وتأملها جيدا ثم قال : كأنك ولادة ....أنت تشبهينها ولكن لولادة شفاه رقيقة لطالما تغنيت برقتها شعرا .....قهقت ولادة وقالت : أوه يا عزيزي أنت تقليدي وكلاسيكي هذه شفاه أنجيلينا جولي لقد حقنت شفاهي بالسيليكون حتى تبدو كبيرة هكذا ...هذه هي الموضة يا عزيزي .....تملكت الدهشة من ابن زيدون لما سمع .....قال: ولادة لم تكن خدودها منتفخة هكذا ....فقالت ولادة : أجل عزيزي هذه الخدود القوقازية آخر موضة لقد حقنت خدودي بالبوتكس حتى بدت هكذا أليست جميلة؟ ...... قال ابن زيدون : حسنا ولادة لم تكن لها هذه الرموش الطويلة التي تكاد تغطي عينيها فأجابت ولادة : هذه رموش اصطناعية يا عزيزي نلصقها لصقا .... بربك ألست الآن أجمل من ذي قبل؟ ....هيا يا عزيزي أبدع في شعرك الغزلي وامتدح جمالي ....تملك الحنق والغضب من ابن زيدون فقال : أي جمال هذا المصنع والمغشوش؟لا أدري بما أتغزل ...أأتغزل بك أم بالمواد الغريبة التي حقنتها في وجنتيك......أم أتغزل بسروال الرجال الممزق الذي ترتدين أم بشفاهك التي كادت تشبه شفاه البعير ..... أنت لست ولادة التي أحب ....ارجعي يا هذه إلى صندوقك المعدني وعودي من حيث أتيت ......إن لي تراث حب صادق يؤرخه شعر ما كتبه عاشق قبلي لن أشوهه بجمالك المصنع ....ارجعي يا هذه من حيث أتيت واتركي لي ولادة الحلم الذي لازلت أنتظره وأكتب له الشعر الحقيقي الصادق ......
ترك ابن زيدون فرسه وغلامه وسار على غير هدى وهو ينشد :
أضحى التنائي بديلا عن تلاقينا ........وناب عن طيب لقيانا تجافينا
وعلى دلعونــا وعلى دلعونــا ............حتى ولادة نفخت سليكونا
.......جمال الأغواني

***********************


***********************

إعلان في أسفل التدوينة

اتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *