زيارة تفقدية
من الأدب الساخر:
نبيل عودة
جرت العادة ان يقوم رؤساء الحكومات ووزرائهم
بزيارات دورية لمؤسسات الدولة الهامة، في احدى السنوات، مع تزايد القلاقل
والاحتجاجات على نقص الميزانيات في كافة مؤسسات التعليم، تقرر ان يقوم رئيس
الحكومة ووزرائه بتفقد تلك المؤسسات حتى لا يقال ان الحكومة تتجاهلها، فتخسر بضع
أصوات قد تؤثر على تركيب الحكومة القادمة او يفشل اليمين في الحفاظ على سلطته
طاهرة من المتخاذلين الضعفاء اتباع اليسار والانتهازيين ومحبي العرب، ويستسلمون
بمواجهة الفلسطينيين وانتفاضة السكاكين، وعندها لن ينفع النداء بأن العرب تتدفق
على صناديق الاقتراع بأعداد هائلة، او ان اليسار بات يشكل خطرا على الاحتلال
والمستوطنات ويخطط لتسليم مساحات واسعة من أرض إسرائيل للأغيار، أي غير اليهود،.
فتفشل سيطرة الليكود وزعيمه على الدولة... والله أعلم عن مصير الدولة مع أولئك المنهزمين
الجبناء.
بدأت زيارة المجموعة الكبيرة من مرافقي رئيس
الحكومة من وزراء وموظفين كبار صباحا. كانت مدارس المنطقة الجنوبية المحاذية لقطاع
غزة على رأس برنامج الزيارات بهدف رفع معنويات الطلاب والمعلمين بمواجهة الإرهاب
الفلسطيني. رغم ان رئيس الحكومة شاهد ان مدارس تلك المنطقة مهملة، مقاعد قديمة
بعضها لا يصلح للجلوس، مكيفات هواء لم تعد تصلح للاستعمال، خلل في الحواسيب ولا
ميزانيات لإصلاحها او استبدالها بحواسيب جديدة، بعض الغرف باردة جدا في الشتاء
ومياه الأمطار ترطب رؤوس الطلاب، اشتكت الإدارة والمعلمين من عدم وجود ميزانيات
للصيانة وتجديد أثاث المدرسة، قال المدير لرئيس الحكومة ان مدرسته تحتاج الى five مليون شيكل لكي تصبح مدرسة لائقة للتعليم .اعتذر رئيس الحكومة
بقولة ان الميزانية عاجزة عن تلبية طلباتهم، لأن وزارة الدفاع لم تبق أي رصيد
لتلبية طلبات المدارس.
قرر رئيس الحكومة ان ينتقل فورا للجامعات على
أمل رؤية واقع آخر مختلف ..لكنه تفاجأ ان وضع الجامعات ليس أفضل ان لم يكن أسوأ ،
صفوف مكتظة، مقاعد بالية، طالب مدراء الجامعات ميزانية بقيمة x مليون شيكل لإصلاح الوضع، اعتذر رئيس الحكومة وقال: ان المتهم هو
عباس والسلطة الفلسطينية بجعلنا نصرف الميزانيات على ارض إسرائيل في يهودا
والسامرة لتعزيز الاستيطان في الأرض التي وهبها الله لبني إسرائيل، وتخصيص
ميزانيات كبيرة لحماية الاستيطان والمستوطنين، ومواجهة انتفاضة السكاكين، ورفض
الفلسطينيين للسلام وعدم اسكان ابناء الله المختارون في ارض الآباء والأجداد. وأكد
بشكل قاطع: آسف جدا، لا توجد للحكومة أموال!!
قرر رئيس الحكومة تغيير مسار الزيارات، فأوعز
لسائقه ان يتوجه لأقرب سجن، حيث كان على ثقة ان وضع السجون سيكون أفضل وهكذا تنتهي
الزيارة بالتفاؤل ان هناك ما هو جيد لأن عباس والسلطة الفلسطينية لا تصل الى
السجون لتكسر الكراسي وتخرب المكيفات والحواسيب والأثاث وتزيد الاكتظاظ في الغرف.
الكثير من الفلسطينيين لهم خيام في مناطق صحراوية وهم معتادون على شظف العيش.
كانت اسوار السجن مرتفعة وعليها رسوم جميلة تجعل
المواطن يشعر بالرغبة في الإقامة الدائمة داخلها، لأن اللصوص والمنحرفين جنسيا
عاجزون عن تجاوز هذه الأسوار المنيعة.
استقبل مدير السجن رئيس الحكومة والوزراء وهو
عابس وغاضب. سأله رئيس الحكومة عن سبب عبوسه وغضبه، قال ان السجون كلها تعاني من
اكتظاظ كبير، الغرفة التي كانت مخصصة لسجينان تأوي اليوم عشرة سجناء، النظافة في
الحضيض لنقص الميزانيات، ألأكل اقل كثيرا من المستوى المطلوب، وأراد ان يواصل عرضه
لوضع السجون، قاطعه رئيس الحكومة: ما هي المبالغ التي يجب توظيفها لإصلاح وضع
السجون؟ رد مدير عام السجون: 500 مليون شاقل!!
قال رئيس الحكومة: حسنا سنخصص هذا المبلغ وأي
مبلغ آخر من اجل رفع مستوى السجون.
عند خروجهم من زيارة السجن استغرب الوزراء كرم
رئيس الحكومة الفائق مع السجون ورفضه لأي مطلب من المدارس رغم ان طلباتهم لا تقارن
بالميزانية التي تكرم بها على السجون. شرح لهم رئيس الحكومة ما غفلوا عنه، قال:
أعزائي الوزراء، نحن لن نعود للدراسة في المدارس، ولن نعود للدراسة في الجامعات،
اما للسجون فهناك امكانيات واردة لنا جميعا ان نصل لنكون ضيوفا فيها!!
(فكرة النص عن طرفة عبرية)
nabiloudeh@gmail.com