فِي بَيْتِ شِعْرِيَ
أحمد حسن أبو إلياس
فِي بَيْتِ شِعْرِيَ حَرْفِي قَاعِدٌ
يَبْكِي
شَكْوَاهُ كُرْبَاجُ صَمْتٍ شَقَّ بِي
شَكِّي
لَوْ كَانَ يَحْكِي لَهُــمْ عَمَّا
يوَتِّرُهُ
لارْتَحْتُ، لَكِنَّنِي عَنْ يُتْمِهِ
أَحْكِي
لَوْ لَمْ يَكُــنْ عِنْدَهُ بَيْتٌ،
لِيَأْوِيَهُ
لَكَانَ يُعْذَرُ؛ لَكِنْ بَيْتهُ
مِلْكِي
أَخْبَرتُــهُ أَنَّهُ مَا دَامَ فِي
وَرَقِي
فَآمِنٌ؛ لَنْ يَرَاهُ عَسْكَرُ
الْمَلْكِ
وَلَنْ يُعَايِرَهُ جَارٌ بِمَا
قَصُرَتْ
عَنْهُ يَدِي، فَلَوَتْ جِيدِي يَدُ
(الْبَنْكِ)
ولن يفَكِّرَ فِي شُــرْبٍ ولا طَبَقٍ
يَشْكُو طَعَامًا لِعَجْزِي لَمْ
يَشَأْ تَرْكِي
يَا حَرْفُ، يَا سِدْرَةَ الرُّوحِ
الَّتِي انْطَفَأَتْ
فِي جَنَّةٍ وَرَقٍ وَرْدِيَّةِ
الشَّوْكِ
دَعْ لِي الْبُكَى، فَأَنَا مِنْ
طِينِهِ؛ وَدَمِي
في الأَصْلِ شَفْرَةُ دَمْعٍ إِنْ
تُــرِدْ فَكِّي
وُلِدتُ مِنْ رَحِمِ الأَحْلامِ فِي
سَعَةٍ
مِنَ الْخَيَالِ؛ نَظَمْتُ الشَّمْسَ
فِي سِلْكِي
رَبَّيْتُ لِي نَخْلَةً فِي الْحَقْلِ،
وَاعْتَرَفَتْ
بِعِشْقِهَا لِغِنَائِي الطَّيرُ فِي
الأَيْكِ
وَأَقْسَمَتْ لِي بِنَبْضِ الْمَاءِ
تُرْعَتُنَا
وَشَهَّدَتْ جَدْوَلاً مِنْ جَفْنِهَا
الْمَكِّي
لَوْ خَيَّرُوها بِمِسْكٍ؛ لاشْتَهَتْ
عَرَقًا
كَدَمْعِ فَرْحي بِغَرْسٍ سَالَ مِنْ
مَسْكِي
وُلِدْتُ؛ ما زغرَدتْ أمٌّ يَغِيضُ
فَمٌ
مِنْ وَجْهِها في تجاعيدٍ كَسَتْ
ضِحْكِي
وُلدْتُ مِنْ صُــلْبِ فَدَّانٍ،
لِتُرْضِعَنِي
مِنْ جَفْنِهَا قَرْيَتِي طَعْمَ
النَّدَا الْمَبْكِي
وَحِينَ جَاءَ شَبَابِي، طَارِقًا
جَسَدِي
بِشَارِبي الإِبَرِ الْمَشْغُولِ فِي
شَكِّي
رَصُّوا عَلَى ظَهْرِ فَدَّانِي
عَمَائِرَهُمْ
كَالْعَبْدِ تَحْتَ حُمُــولِ
السَّيِّدِ الْتُّرْكِي
عَمِّي اشْتَرَاهُ بِبَخْسِ الْحِبْرِ،
خَطَّ بِهِ
جِذْرَ اسْمِهِ،قَاطِفَ اسْمِي
الْغَضِّ مِنْ صكِّي
وَاسْتَأْصَلُوا صَدْرَ أَرْضٍ
قَمْحُــهُ بِفَمِي
وَأَبْدَلُوهُ اغترابًا مِلْحُــهُ
يُبْكِي
فَضِعْتُ فِي مَوْجَةِ الْمَالِ
الَّتِي رَكبَتْ
رُوحِي؛ وَفِي خَطْوِ أَحْلامِي بَدَا
زَكِّي
يَا حَرْفُ، هَلْ ذُقْتَ طَعْمَ
الْمَالِ فِي طَبَقٍ
مِنْ مَعْدنِ الْغُرْبَةِ الْمَصْنُوعِ
مِنْ هُلْكِي
أَرَى بِهِ قُرَصًا، عُمْرِي
يُوَزِّعُهَا
مِنْ حَوْلِ قَبْرِي الَّذِي
كَالْعِيشَةِ الضَّنْكِ
وَالنَّاسُ تَحْسَبُها عِيدِي؛
وآكُــلُ مِنْ
كَعْكٍ مُحَلًّــى!! وَكُــلُّ
الْمُــرِّ فِي كَعْكِي!
يَا حَرْفُ يَكْفِيكَ ضِيقُ السَّطْرِ
تَسْلُكُهُ
فِي حِينِ يَرْفُضُ دَرْبٌ وَاسِعٌ
سَلْكِي
حَتَّى وَلَوْ ذُقْتَ لَيْمُــونَ
اصْفِرَارِ رُؤًى
مِنْ حَلْقِيَ الْمُــرِّ؛ هَذَا
طَعْمُــهُ الْمَحْكِي!!
وَأَسْهَلُ الْمُــرِّ مَا يُحْكَى،
وَأَصْعَبُهُ
مَا حَكَّ فِي جِلْدِكَ الْمُدْمَى
مِنَ الْحَكِّ
قُلْ لِي بِأَنَّكَ مَجْرُوحٌ، وَسَالَ
دَمٌ
مِنْ غَيْرِ جِلْدِيَ؟! حَتَّى أَنْتَ
مِنْ سَبْكِي!
أَنَا الَّذِي نَزَفَ الأَحْبَارَ؛
زُرْقتُهَا
تُخْفِي احْمِرَارَ مُنًى مَلَّتْ مِنَ
السَّفْكِ
أَنَا الَّذِي مَا لَهُ - إِلا عَلَى
وَرَقٍ-
بَيْتٌ؛ وَتَسْكُنُهُ يَا حَرْفِيَ
الْمُبْكِي
أَشْعَلْتُ عَشْرَ شُــمُوعِي فِي
يَدَيَّ؛ لِكَيْ
يُـضِيءَ، أَطْفَأهَا لِي عَاصِفُ
الْحُلْكِ
لا وَاقِعِي مُــؤْمِنٌ بِي لا... وَلا
أَمِنَتْ
مِنْ قَيْدِهِ جُمَلٌ مَمْسُوحَةُ
الْفَكِّ
فَلا تَكُــنْ صَامِتًا، وَالشَّكُّ
يَلْبسُنِي
وَالْيَأْسُ لِي جَسَدٌ؛ يَا صَاحِبِي
وَاحْكِ
أَلَسْتَ رُوحَ طَبِيبٍ مَيَّتٍ
حَضَرَتْ
أَمْ مَاتَتِ الرُّوحُ فِي جِسْمٍ مِنَ
الشَّكِّ
أَنَا خَلَقْتُــكَ مِنْ دَمْعِي،
فَسِلْ بَدَلِي
فِي جَفْنِ سَطْرٍ ذَوَى وَاحْمَرَّ
مِنْ دَعْكِي
سَطْرٍ يَقُــولُ لِكُلِّ
الْعَازِفِينَ: "أَنَا
بَقِيَّةُ الْوَتَرِ الْمَوْعُــودِ
بِالْهَتْكِ"
يَاحَرْفُ،كَفْكِفْ دَمِي،وَانْطِقْ
عَلَى شَفَتِي
فَلَسْتَ إِلايَ فِي فُلْكٍ وَفِي
دَرْكِ
إِنْ زَلْزَلَتْ أَمَلِي آلامُ
وَاقِعِهِ
فَبَيْتُ شِعْرِيَ لَنْ يَنْجُــو مِنَ
الدَّكّ
لَوْ كُنْتَ أَضْعَفَ مِنِّي لاسْتَحَى
قَلَمِي
مِنْ نَفْسِهِ، وَاكْتَفَى فِي
الصَّوْغِ بِالْحَبْكِ
لَمَا دَعَا شَاعِرٌ حَرْفًا
لِيُنْقِذَهُ
مِنْ مِحْنَةٍ؛ ظُفْرُهَا مِنْ مَعْدنِ
الْفَتْكِ
انْظُرْ إِلَيَّ بِعَيْنِ الشِّعْرِ؛
لَسْتُ أَنَا
أَنَا، وَلا شَارِبِي الْمَرْشُــوقَ
فِي فَكِّي
فَلا تَقِسْنِي بِجِسْمِي، بَلْ
بِرُوحِيَ فَـ
ـالأَرْوَاحُ كَالْوَرَقَاتِ الْبِيضِ
فِي السُّمْكِ