دُنْيَا...!!!
#أحمدأبوإلياس
...
مَـرَّتِ الأَسْطُـرُ الطِّـوَالُ عَلَيَّـا
لا أَرَى فِي عُيُـونِ حَرْفِـيَ ضَيَّـا
أَنْزِفُ الْحِبْرَ دُونَ جُـرْحٍ؛ فَقَلْبِـي
مَعَ مَنْ كَـانَ جُرْحُـهُ وَرَقِيَّـا!!
شَاءَ شِعْرِي؛ فَكُنْتُـهُ، وَاشْتَهَتْنِـي
وَحْدَتِي، وَاصْطَفَى الْبُكَـى عَيْنَيَّـا
وَأَمَامِي دَفَاتِرِي نِصْـفُ مَرْضَـى
كَيْـفَ أُجْـرِي جِرَاحَـةً لِبَنِيَّـا
عَقَّمَتْ لِي الدُّمُوعُ رُوحِيَ، لَكِـنْ
طِيبَتِي لَمْ تدْرُسْ مِنَ الطِّـبِّ شَيَّـا
وَحْدَهَا فِطْـرَةُ الْكِتَابَـةِ صَـارَتْ
قَلَمًا شَكْـلَ مِحْقَـنٍ فِـي يَدَيَّـا
كُلَّمَا مَسَّ أُصْبُعِي، قَـامَ حَرْفِـي
يَدَّعِي الطِّبَّ مُنْـذُ كُنْـتُ صَبِيَّـا
حَادِيَ الشَّمْسِ، فِي صَحَارَى عُيُونِي
تَاهَتِ النُّوقُ مِنْكَ؛ فَارْجِـعْ إِلَيَّـا
دَفْتَـرِي ضَفَّتَـانِ؛ لَيْـسَ لِنَهْـرٍ
بَلْ لِجُرْحٍ؛ فَلَيْسَ فِـيَّ....، وَفَيَّـا
مَالِحُ الْحِبْرِ، لَيْسَ فِيـهِ ازْرِقَـاقٌ
غَيْرَ حُلْمٍ لِي؛ كَـانَ مَـاءَ ثُرَيَّـا
مَنْ يَذُقْ مِنْهُ مِنْ عِيَـالِ سُطُـورِي
لَنْ يَرَى فِي بُيُـوتِ شِعْـرِيَ رِيَّـا
عُدْ؛ فَمَا فِي دَمِي جُنُـونٌ كَفِيـلٌ
بِاحْتِرَاقِي –يَابْنِي- احْتِرَاقًا بَطِيًّـا
عُدْ فَمَا فِي الدُّرُوبِ غَيْرُ سِنِينِـي
مَزَّقَتْ أَرْجُـلَ الْقَصَائِـدِ مَشْيَـا
بَحْرِيَ الْخَلْفُ، والأَمَـامُ بِحَـارٌ
وَعَلَـى الْخَـدِّ مَوْجَتَـا مُقْلَتَيَّـا
وَرَبِيبِـي رُبَّانِـيَ الْحَـرْفُ رَبَّـى
بَحْـرَ حِبْـرٍ مُضَيِّعًـا زَوْرَقَـيَّـا
رُبَّ رُبَّانِ كِلْمَـةٍ شَـدَّ فِكْـرِي
بِلِجَـامٍ يَصِيـرُ مَوْجًـا عَلَـيَّـا
آهِ يَابْنِي، وَصَوْتُكَ الغَضُّ يَـذْوِي
فِي غُصُونِي، وَيَسْتَوِي الليْلُ غَيَّـا
وِجْهَتِـي سَلَّـةٌ لِغَيْبِـي، وَفِيهَـا
يَجْتَنِي مِنْ حَدَائِـقِ الْحُـزْنِ فَيَّـا
كُلَّمَا قُلْتُ لِلضُّحَـى: لا تُرِدْنِـي
قَال شِعْرِي: إِلَى شُرُوقِـكَ هَيَّـا
قَدَرُ الْحِبْر فِـي سُطُـورِ جَبِينِـي
هَلْ يُرَدُّ الْمَكْتُوبُ فِـي سَطْرَيَّـا؟!
كَمْ طَرِيقٍ تَاهَـتْ بـه خُطُوَاتِـي
وَطَرِيقٍ كَـمْ تَـاهَ فِـي قَدَمَيَّـا
أُرْضِعُ الْجُوعَ مِنْ أَصَابِـع طِينِـي
حَالِمًا أَنْ تَكُـونَ أَرْضِـيَ ثَدْيَـا
فَارْتَدَى الْحَقْلُ مِنْ صَحَارِيَّ جَدْبًـا
وَارْتَدَى الطَّيْرُ مِنْ سُقُوطِـيَ زِيَّـا
وَاحْتَمَى بُلْبُلِي بِحِضْـنِ غُـرَابٍ
لَمْ يُوَارِ الْقَتِيـلَ... وَارَاهُ حَيَّـا!!
وَأَبِي عَـادَ مِـنْ أَمَانِـيَّ نَحْـوِي
حَامِلاً فَوْقَ ظَهْـرِهِ الْقُـرْبَ نَأْيَـا
أَيُّهَا الْحَـرْفُ، لا تَمـدَّ جِرَاحِـي
أَنْتَ لَنْ تَبْلُـغَ الْبْسَاتِيـنَ رُؤْيَـا
لا.. ولَنْ تَخْـرِقَ الظَّـلامَ بِرُؤْيَـا
مِثْلَمَـا عِشْـتَ خَارِقًـا جَنْبَيَّـا
عُدْ لِقَلْبِي وَلْتَكْفِ شَـرَّكَ خَيْـرِي
وَابْقَ في أَضْلُعِـي ضُحًـى أُمِّيَّـا
وَخُذِ الصَّمْتَ مِنْ دَمِي الْجَدِّ إِرْثًـا
يَا ضَنَا الضَّـوْءِ وابْنِـيَ الأَبَدِيَّـا
لا تُفَرِّطْ عَلَـى الدَّفَاتِـرِ دَمْعِـي
لَيْسَ مَاءً وَحَسْبُ بَلْ كَانَ وَحْيَـا
كَيْفَ أَمْعَنْتَ فِي انْطِفَـاءِ مَسَائِـي
فَرَأَيْـتُ الصَّبَـاح وَهْمًـا جَلِيَّـا
***
يَابْنَ فِكْرِي، مَلامِحِـي لَـكَ دَارٌ
تَمْنَحُ الدِّفْءَ طِفْلَهَـا السَّرْمَدِيَّـا
فَاغْفِرِ الْحُزْنَ فِي شِتَـاءِ دُمُوعِـي
طَالَ فَصْلُ الْبُكَـى وَلَـمْ أَتَهَيَّـا
لا تَلُمْنِـي إِذَا قَسَـوْتُ؛ فَحِينًـا
لَيْسَ يَبْقَى سِـوَى الْعِتَـابِ لَدَيَّـا
تَعْرِفُ الطِّفْلَ حِينَ يَغْضَـبُ: نَـارٌ
لَمْ تُجِـدْ قَـطُّ يَاصَغِيـرِي كَيَّـا
لا تُطِعْنِـي إِذَا سَعَيْـتُ بِضَعْفِـي
فَوْقَ سَطْرٍ إِلَـى قُنُوطِـيَ سَعْيَـا
أَنَا يَابْنِي -مَهْمَا أَكُـنْ- بَشَـرِيٌّ
بَيْنَ طِينِـي وَنَجْمَتَـيْ أَصْغَرَيَّـا!!
هَبْ مَلامِي عَلَى الْقَصِيدَةِ جُرْحًـا
لَمْ يَزَلْ مِثْلَ جُـرْحِ غَيْـرِيَ نِيَّـا
إِنَّهُ الشِّعْرُ فِـي نَقِيـضِ نَقِيضِـي
يَرْسـمُ الْبَحْـرَ شَاطِئًـا عَقْلِيَّـا
إِنَّهُ الشِّعْـرُ حِيـنَ يَأْتِـي مَسَـاءً
يَرْضَعُ الرُّوحَ مِنْ شُمُـوعِ يَدَيَّـا
فَتُضِيءُ الأَوْرَاقُ قُـرْبَ انْطِفَائِـي
ضَوْءَ حِبْرٍ، مِنَ الطُّمُـوحِ، غَنِيَّـا
وَتَمُرُّ الأَوْقَاتُ فِي غَيْـبِ رَأْسِـي
مُسْرِعَـاتٍ كَصَمْتِهَـا وَبطِـيَّـا
وَيُطِلُّ السُّكُـوتُ مِـنْ كَلِمَاتِـي
نَجَفًـا مُطْفَـأً عَلَـى شَفَتَـيَّـا
مُؤْنِسِي أَنْتَ غَيْـرَ أَنَّـكَ تَنْـأَى
بَعْدَ حِبْرِي إِلَـى فَرَادِيـسَ عُلْيَـا
حَامِلاً فَوْقَ ظَهْرِكَ الْغَـضِّ صُلْبِـي
مُنْجِبًـا مِنْـهُ لِلسَّمَـاءِ ثُـرَيَّـا
مُنْجِبًـا مِنْـهُ فَارِسًـا، وَلِطِفْـلٍ
مُنْجِبًـا صَـوْتَ دَفْتَـرِي أَبَوِيَّـا
وَلِثَكْلَـى شَهِيدَهَـا، وَلِــزَوْجٍ
زَوْجَهَـا بَعْـدَ أَنْ تَسَاقَـطَ عَيَّـا
مُنْجِبًـا مِنْـهُ لِلأَرَامِـلِ صَبْـرًا
وَخُيُولاً تُخَضِّـبُ الْعَـدْوَ وَرْيَـا
***
آهِ يَابْنِـي!! أَرَاهُ حُلْمًـا طَوِيـلاً
فِـي قَصِيـدِي أَعِيشُـهُ يَوْمِيَّـا
آمُـرُ الْيَـأْسَ مَـرَّةً... وَمِـرَارًا
كُنْـتُ لِلْيَـأْسِ خَاضِعًـا عَرَبِيَّـا
كُلَّمَا تُبْتُ مِـنْ هُمُومِـيَ قَالَـتْ
لِيَ نَفْسِي بِخُضْرَةٍ: "هِيَ دُنْيَـا!!"