الحياة أيضا ممتلئة بالموت
محمد صالح البحر
..
الحياة أيضا ممتلئة بالموت
....
فقدتُ روحي بالأمس
لكنني لم أمت حتى الآن
كنت أسير مع الظلام في شارع بلا نهاية
بطني ممتلئ بالجوع
وكلما توغلنا في السير ازددتُ فقدا
هكذا سقطت مني عيناي
فسقط بعدها كل شيء
اختفى الأمان كأنني لم أدسه في جيبي أبدا
وعندما سيطر الخوف لم أجد بُدا من التهام الظلام
التهمته بنهم الذي يقف على حافة القبر
ويكاد يسقط
قِطَعُ الظلام لا تُشبع
وتوغلُ الجوع إلى عظامي
نبهني أنني أأكل صديقي الوحيد
وأن الحياة لم تعد تليق بي
.
مع شروق الشمس
ظننت أنني أعثر على حبيبتي
في وجه البنت التي ظلتْ تتثاءب خلف نافذتها
كان بيننا تاريخ طويل من العشق
قبل أن ترتحل تحت وطأة الأسباب الكثيرة
التي تمر على رِقاب العشاق
في مسافة النظرة المباغتة التي امتدتْ بيننا
تمطتْ الدهشة
وقبل أن يأتي الجنون من الأفق
ليصير سيدا وحيدا للمشهد
انتبهتُ أنها تتجشأ
أن الأسباب الكثيرة قد شربت من دمي حتى افتقاد
الروح
وأن الحياة لم تعد تليق بي
.
في الظهيرة
كان الموتى يتأففون من سطوة الحر
والقبور الفجَّة لا تتوانَ عن سرقة الحياة من كل
عابر
وحين دخل الليل
تبخَّر كل شيء في الغروب
.
بات مؤكدا أنني أحتاج إلى "مفتاح
الحياة"
كي أعود إلى بيتي
لا شيء هنا سوى الشارع الذي يمتد بلا نهاية
والقبور التي بلا أبواب
والمطر الذي يدوي بالخوف
كصرخات عبيد تسقط من القرون الوسطى
وأنني أنسل من روحي لأقف وحيدا في مواجهتهم
في الليل
ستعرف أنك مجرد عابر
ربما لا تليق بك الحياة
وستفقد روحك
ثلاث مرات على الأقل
لكنك ستظل تسير إلى جوارهم بلا عينين
ولن تنتبه أبدا إلى اللافتة العريضة التي تملأ
الشوارع
ـ الحياة أيضا ممتلئة بالموت
