استراحة مهاجر ..
.
محمد حبشي
.
.
عندما آخى رسول الله بين الأوس والخزرج
لم يخبره الوحي ، أنه بعد قرونٍ عدة ،
سوف يظهر أحد
الشياطين ،
يُدْعَى "مايكل شين" ،
ليآخي بين المستئذبين ومصاصي الدماء ..
فيتزاوجون من بعضهم البعض ،
ويقتسمون السلطة والثروة ،
وآبار النفطِ والماء ..
ويتركون لنا
خشاش
الأرض
حقول الجوع ، أنهار العطش ..
لم يخبرهُ الوحي ،
ولم يخبرني
أحد ،
أني سأصبح يوماً حشرة ، تدهسها أقدام المارة ..
دون أن تلتفت أحذيتُهم
لصراخي ..
وأن جسدي مجرد مخزن لقطع الغيار ،
أو ثلاجة موتى ،
تحتفظ
بأعضائي طازجة ،
صالحة للاستهلاك الآدمي ، حين تحتاجها الآلهة ..
ولم يخبرني
أحد ،
أنهم لم يطرحوا أسهمي في البورصة ،
أو يُدرجوا اسمي في قوائم
سوق المال ،
أو دفتر المواليد ..
مع أني أخبرتهم وأنا في المهد ،
بأني لستُ رخيصاً جداً ،
لكنني بلا أب ،
وبلا ثمن ..
وغير قابلٍ للبَيْعِ أو الخصخصة ..
لكن
لم أخبرهم ،
بأنني كلما سقطت الشمس في البحر ،
وأشرَفَ النهارُ على الغرق ،
أقابلني سراً
كل مساء ،
في حجرةٍ مظلمة تحت الأرض ،
جدرانها ،
ذات نوافذ مصمتة ، وبابٍ خشبي قديم ،
ترقدُ خلفهُ
حمامة ،
تعزف على خيوط عنكبوت ، " نشيد الفرح"
..
أقابلني سراً
كل مساء ،
كي أرسمَ نافذةً واسعةً بلا قضبان ،
يُطِلُّ منها خيالي على البحر ..
لأرقصَ عارياً ،
مع ظلي المنكسر على الشط ..
ونحن نحتسي كأسين
من البهجة ،
من زجاجةٍ معتقة من خمسةِ آلاف سنة ،
تتدلى من حبلٍ فاقد الوعي ..
عليها بعض حروف
اللغة المصرية
القديمة..
وعلامة تجارية مشوهة ، من آثار التعذيب ..
اقابلني سراً
كل مساء ،
لأتركَ آخر الليل ، ظلي وحيداً ،
يشاهد فيلم
( 30 days of nighte )
وينتظر مع " لين وازمان " طلوع الشمس
..
بينما أفترشُ بعيداً عن الضوء ،
حصيرة الجنون ،
وأتمدد كخطٍ مستقيم ،
في حضن زاويةٍ
قائمة ،
تشعرني درجاتها بالحنان والدفء ..
أتخيلها في أحلام اليقظة
امرأة ،
أحاول أن أفتح بذراعيَّ ساقيها ،
كي تنفرجَ الدنيا
قليلاً ،
قبل أن أغُطَّ في سُبَاتٍ عميق ..
وأرى في أحد الكوابيس ،
الطوفان يقترب ..
فأقومُ مذعوراً من النوم ،
قبل أن أستدعي
" راسل كرو " من فيلم نوح ،
ليعلمني كيف أصنع
سفينة ،
أو قارباً مطاطياً للنجاة ،
أو يخبرني بطريقة جديدة للهرب ..
قبل أن تتوقف الحمامة
عن الهديل ،
حين تسمع وقع أقدامهم فوق السقف ،
ويتوقف ظلي عن مشاهدة
أفلام الرعب ،
كي يتنصت على دبيب أصواتهم
خلف الباب ..
ويقول لي هامسا :
لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا ،
فأقول له مطمئناً :
ما بالك باثنين ،
اللهُ ثالثهما ،
لا يكذبان / لا يسرقان / لا يقتلان
/ لا يزنيان / لا يشربان الخمر ،
يتقابلانِ سراً
كل مساء ،
في حجرةٍ مظلمة تحت الأرضِ بمساحة وطن ،
بعيدا عن مصاصي الدماء ،
والمستذئبين
من الحكام ..
ينزفانِ أحلام اليقظة ، أحزان العمر ،
يعزفانِ على أوتارِ عنكبوتٍ أصم ، سوناتا
"ضوء القمر " ..
محمد حبشي/ مصر ..