.هل الجريمة تفيد؟/حين يسبق الفن العدل
العقيد بن دحو
لم تترك روائع الفكر الكلاسيكي ابداع لأحد أكثر
مما كان , الإغريقي الأرسطي الروماني , عير أثاره التمثيلية التراجيدية المأسوية و
الكوميدية الدرامية منها , وهي تعالج تلك الجرائم الفوقية والتحتية , الجزائية و
الثقافية و الإقتصادية و السياسية و الإجتماعية وكما يجب أن يكون , وليس كما هو
كائن.
و لأن الحياة هي التي تقلد الفن سابقا عن لاحق.
وبالتالي لم يترك الفن وعن طريق لعبة فن المحاكاة , اللهبة العميقة الجذور , سبق
الفن العدل وقام الحد على المجرم وحد من وقع الجريمة.
فالحكمة الأخلاقية التي تقول : " الجريمة
لا تفيد " واحدة من تلك الأفكار التي تقدمها جل المآسي الإغريقية - تسمى هذه
الأفكار التي تنهض عليها هذه الأثار بالقيّم الفلسفية-ولكنها تطرحها في صيغة سؤال
: " هل الجريمة تفيد " ؟
غير أن العدالة لا يمكن لها وحدها أن تسوس
الخليقة بخلاّق , بعدل وقسطاس , على أساس العدل أساس الملك . وانما ترفق هذه
الأفكار الفلسفية القانون ايضا , على شرط ألآّيكون هذا القانون مناهضا للعدالة.
فالعدالة اصلا قائمة أصلا وفصلا بجل الفنون
الزمكانية , فدون شك الفن الجميل الذي يشد الإنتياه ويسرق وظائف الحواس الحيوية
للمتتبع أو للمهتم , ذاك يعني أن العدالة قائمة بهذا الفن , بهذه الإيقونة
المنحوثة , و اللوحة الفنية , والقطعة الموسيقية , واللوحة الكاريغرافية ,
والمسلاحية و السينما.
بل بالتراكم تنتقل الى مصلى فني أدبي مقدس.
وحين لم يكن كل هذا كله كافيا , تصحب الإغريق
اعمال البشر بأعمال الألهة , لتضفي على العمل الفني المقدم قدسيته , حتى اذا ما
تعلق البشر بشيئ صار بدوره قانونا.
عند الإغريق والرومان القديمة كل ما هو فن جميل
يسلب الجماهير يصير قانونا , بل يصير عدالة.
فالعدالة قائمة لا يبطلها تقادم ولا عرف ولا
قوة. فهما تجبر البطل الفارس في الأخير لا بد أن تأخذ العدالة مسارها الى أخره ,
فالعدالة ههي من أدخلت (أونتجون) ابنة ملك الى ( هيديز) , وهي من أدخلت الفتاة
النبيلة (إلكترا) الى غرفتها السوداء , والعدالة هي من حكمت الى (أوديب ملكا)
بالتشريد والعمى , وهي من احمت على (أياس) البطل الفارس بالجنون , وهي من حكمت على
( فيلوكتيتيس) بالنفي رغم انه يملك السلاح البتار الخارق.
لكن كل العدالات لم تقم عبثا على خيرة ابطال
اليونان وفرسانها , وانما من اجل اتزان و اتوازن عدالة بغية توفير التكفير و
التطهير عند الطرف الأخر المتفرجين.
وبالقياس و نحن نرى التباكي الفرنسي و الإعتراف
بجرائمها على بعض الرموز الثورة الجزائرية , و كأن فجأة صارت لفرنسا قلبا أو ضميرا
, تسترده متى شاءت .............!.
الجريمة لا تفيد قي كل زمان و في كل مكان , وان
المجرم مهما طال الزمن لا بد أن يلقى عقابه , ليست من أجل العدالة بحد ذاتها وانما
العدالة للناس اجمعين , من أجل أن يسود العدل الجميع.
اذا كان الفن : هو الإنسان مضافا الى الطبيعة ,
فمن أولى العدالة أن تكون مضافة الى الطبيعة و الى الإنسان و الى الفن اجمالا.