جاري تحميل ... فنون

إعلان الرئيسية

جديد فنون

عاجل

إعلان في أعلي التدوينة

جديد موقع علَّم نفسك

جديد علَّم نفسك

 

عباس بن فرناس

....... النسخة المعاصرة


سحب ابن فرناس الأجنحة التي صنعها من الريش وبدأ صعوده الجبل ....كان الجبل عاليا وصخوره ملساء تزيد من صعوبة التسلق ...قدما ابن فرناس بالكاد تحملانه خطواته ثقيلة وواهنة كل مافي المكان أو الزمان مضنٍ ..... تلفت ابن فرناس خلفه ونظر بأسى لماض قريب عانى فيه الأمرين .....كم أنت قاسية أيتها الأندلس .... أنا عباس بن فرناس العالم الفلكي والكيمائي والفيزيائي الذي خدمت أمتي لسنين طوال .....وأنا من صنع الزجاج من الرمل....وأنا من اخترع عدة أجهزة للقياس ستستخدمها الأجيال من بعدي لقرون ......ولكن للأسف علمي الواسع الذي سخرته لخدمة أمتي والذي سينير الطريق لمن بعدي لم يشفع لي عند صاحب الدار التي استأجرتها ....ربما معه حق أنا متخلف عن دفع الإيجار منذ عدة شهور ....ولكن ما بيدي حيلة أنا مفلس تماما ولم أتمكن من إيجاد أي عمل أقتات منه أنا وعيالي منذ أكثر من عام ....آه أيتها الأندلس كيف تفعلين بي ما تفعلين .... ألست مواطنا عربيا على أرض العرب؟ ألم أخدم بلدي أكثر مما يفعل الآخرون؟ كيف وأنا عالم الكيمياء الكبير لا أستطيع تأمين أسطوانة غاز لبيتي؟ ....!كيف وأنا عالم الفيزياء الكبير لا أستطيع دفع فاتورة الكهرباء؟ كيف وأنا عالم الفلك الكبير لا أملك سيارة ولا وسيلة نقل بسيطة تقلني وسط زحام قرطبة ؟..... كيف وأنا معلم الأجيال والمخترعين لا أتمكن من دفع أقساط أبنائي الجامعية ؟.... آه منك أيتها الأندلس وآه منك يا قرطبة .....كم حاولت أن أجد عملا ولكني لم أفلح .... كم حاولت أن أسافر لمملكة أخرى من ممالك الأندلس ولكني لم أوفق ... أغلب الممالك الأندلسية الأخرى تطلب كفيلا لتسمح لي بالعمل على أراضيها .... على الرغم من أني أندلسي أيضا .... على الرغم من أن هذه الممالك كانت يوما ما مملكة واحدة .... ولكنها الآن تطلب مني وأنا الأندلسي الأصيل تأشيرة دخول وكفيل أيضا ....وكم استنجدت بابن عباد وكم استنجدت بالمستكفي وكم استنجدت بابن خلدون ...كلهم كان يدعي أن تأشيراته نفذت ويحتاج لوقت طويل ليتمكن من استصدار غيرها من وزارة الخارجية .... آه منك أيتها الأندلس ....وآه منك يا قرطبة سأرحل عنك وللأبد .... أجل سأرحل عنك ولن أحتاج لتأشيرة من أية مملكة من الممالك الأخرى ...سأرحل عن دنياك بلا رجعة ....تابع ابن فرناس صعوده لأعلى الجبل وقد أخذ منه التعب كل مأخذ وبدأت أنفاسه تتسارع وخفقات قلبه تزداد .... قال في نفسه : لعل ما سأفعله هو العمل الصائب الوحيد الذي أقدمت عليه في حياتي ..... وصل ابن فرناس لقمة الجبل ونظر لأسفله فوجد جمهرة كبيرة من الناس ينظرون للأعلى ويشيرون إليه ....هز ابن فرناس رأسه بأسف وقال مخاطبا نفسه : هكذا أنتم يا أهالي قرطبة لا تجتمعون إلا في المصائب والمآسي ..... بدأ ابن فرناس بربط الأجنحة على ذراعيه وهو يقول : أعلم تماما أيتها الأجنحة البالية أنك لن تتمكني من حمل إنسان مهما خف وزنه ..... أعلم تماما أنني سأسقط وأموت على سفح هذا الجبل الشاهق .... ولكن ما باليد حيلة ....ديوني بلغت مبلغاً كبيرا وبت أعجز عن سدادها وأبنائي محرومون من كل مقومات الحياة الكريمة وأنا لا أقوى على تأمين أي شيء لهم حتى بت أشعر نفسي عالة عليهم وعائقا في طريقهم .....لو عرف الناس أني سأنتحر سيسخرون منهم لبقية حياتهم ولكن إن اقتنع الجميع أني مت في سبيل العلم فهم حتما سيحترمونني بعد مماتي وسيحترمون أبنائي من بعدي ولربما سيحسنون إليهم ....أجل ليكن ظن الناس أني مت في سبيل العلم وليس لأني لم أتمكن من تسديد الإيجار أو دفع الفواتير ....ليكن ذلك ...ليكن ....ابتسم ابن فرناس بأسى ثم قفز من أعلى الجبل فشهق الناس في الأسفل و بدؤوا بالصراخ وما هي إلا لحيظات حتى ارتطم ابن فرناس بصخور سفح الجبل ومات .... اقترب بعض الناس منه وحملوا جثته بأعصاب باردة بينما قفل الجميع عائدا لبيته وكل منهم لديه اسطوانات من الغاز ويمتلك بيتا فلا يضطر لدفع إيجار ولديه المال الكافي لتدريس أبنائه والإنفاق عليهم ثم خوى المكان من الجميع بينما ظل الجبل وسفحه ينتظران ابن فرناس آخر .

.........جمال الأغواني


***********************


***********************

إعلان في أسفل التدوينة

اتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *