إبراهيم المصرى
نصوص من كتابي "الديوان العراقي
"..
في ذكرى التاسع من أبريل ـ نيسان 2003، هذه نصوص
من كتابي "الديوان العراقي" المكتوب عام 2004 والمنشور عام 2009 عن
منشورات بابل.
1
ساحةُ الفردوسِ في الواقع
أصغر ممَّا تبدو عليه
في أي صورةٍ فوتوغرافية
لكنَّ بغداد أكبر
من أي صورة.
2
أحتفظ بنسبي إلى أم باسم
منذ أنْ قالت لي: أنتَ مثل ولدي
ثم سردت ما تسرده أمي
من أوجاع جسدها.
3
كلُّ هؤلاء ماتوا؟
نعم...
وما تبقى منهم.. ركامٌ من عِظام
لا يدلُّ على ملامح أصحابهِ الذين عاشوا
في هذه المقبرةِ الجماعية
لكن أحداقَ الجماجم تُومض
بفرح العائد من غربةٍ طويلةٍ إلى بيته.
4
جرِّب أنْ تتخيل
أنك مقطوع اليد
حتى تعرف
لماذا كان ليث يبتسم حزيناً هكذا
وهو يمد يده اليُسرى لمصافحتي.
five
يقرأ محمد الغزِّي
قصيدةً عن انطلاقهِ في الشارع
صاعداً بدراجتهِ النارية إلى الفضاء
الحمد لله
لم تعد ثمة صور للقائد الضرورة
تحجب الأفق.
6
مثل أي شعب
يوجد الكثير من العراقيين
مَن هو: وردة
وهناك مَن هو: رصاصة
وهناك أيضاً
مَن يكون قاعدةً
لرفع تمثال طاغية.
7
يمرُّ نهر دجلة صامتاً
تحت جسر الجمهورية
تمرُّ فوق الجسر
دبابةٌ أمريكيةٌ صاخبة
ولا يلتفت النهر.
8
من على سطح فندق أرض الزهور
تبدو بغداد
وكأنها تقف على أصابع قدميها تحت الليل
والتوجس الذي تقطعه أحياناً طلقاتُ الرصاص
يبدو ملموساً إلى حدِّ الخوف
من انفجار كوني.
9
بحيرةٌ على هيئةِ خارطةِ العالم العربي
يتوسطها مسجد "أم المعارك"
الآن فهمت
لماذا يحب العرب صدام حسين
إنه مَثلُهم الأعلى الذي
يمسح الدم عن سكين القاتل
في سجادة الصلاة.
10
كربلاء صباحاً
الشوارع شبه خالية
وقبةُ مرقدِ الحسين الذهبية
تتوهج تحت شمسٍ تشتدُّ حرارتها
ورؤوسٌ مقطوعة
تتجول في الخفاء بحثاً عن الماء
أو الطمأنينة.
11
داخلَ كلِّ عراقي
حياةٌ كاملة
لهذا يبدو إنساناً غيرَ آيلٍ للسقوط
والمقبرةُ الجماعية
ليست أكثر من حفرة
يعبرها العراقي بالكثير من الحزن
لكنه يعبر.
12
موسى الكاظم وأبو حنيفةَ النعمان
يتبادلان الحديث على جسر الأئمة
يبتسمان بثقة العارف
أنَّ هذه الغيمة من شجارٍ دموي
سوف تنقشع عن سماء العراق
وأنَّ كليهما سوف يصعد مئذنته
لكي يدعو: حي على الصلاة
فيجاوبه صاحبه: حي على الفلاح.
13
"مالي
شغل بالسوق
مريت أشوفك"
يغني العراقي
ربما ينتبه العرب
إلى أنَّ الحبَّ ضرورة
أكثر من التجارة التي كانت وحدها
نشاطهم المقدس في الحياة.
14
أعطانا العراق بدر شاكر السيَّاب
وأعطيناه أبو مصعب الزرقاوي
أعطانا نازك الملائكة
تلك المنسية بضوئها في غرفةٍ للغياب
وأعطيناه مناضلي فضائيات
أخشى أنْ تتمزق أوداجهم
قبل العودة من الشاشاتِ إلى بيوتهم.
15
عراقيةٌ كرديةٌ بلسانٍ عربي
وتمزحُ أحياناً بالكردية التي لا أفهمها
وتجلس معي لتدخين سيجارة
وتحدثني عن بناتها اللاتي تأملُ في تزويجهن
قريباً
وتسألني صباحاً
إنْ كنت قد تعشيت قبل النوم
يحتاج كلُّ إنسانٍ إلى أمٍّ كهذه
لكي ينجو من الغرق.
16
يبدو صباح بغداد مختنقاً
وأسوأ ما في الأمر
أننا نحن الغرباء
من غزاةٍ وصحفيين ومستثمري مصائب
نزاحم أهلَ بغداد
على حظوظهم القليلةِ من الأوكسجين.
17
حين دخلت بغدادَ لأول مرة
شاهدتُ مَن يحاول متطوعاً
تنظيمَ حركة المرور
ثمة في العراق
مَن هو قادر أيضاً
على تنظيم دقات القلب.
18
ما يحتاجه العراقيون
أكثر من أي شيءٍ آخر
هو الحب
وتفعلون خيراً
إنْ توقفتم قليلاً
عن دسِّ ثوابتِ الأمة
في وجباتهم اليومية.
19
لم أكن أعرف
مَن هو السني ومَن هو الشيعي
وربما كان بينهم صابئٌ مندائي
أو كردي
كانوا يتعاملون معي
ويبتسمون في وجهي كعراقيين
أقول هذا عن خبرةٍ أو عن وهم
لا عن غرامٍ عربيٍّ بملوك الطوائف.
20
رفع أحدهم بنطلون طفل عراقي
في مقبرة كربلاء الجماعية
وكانت روحه عند بارئها
حيث لا يمكن لوالدةِ الطفل
أنْ تعطيه مصروفَه اليومي
أسألُ اللهَ في ملكوتِه
أنْ يعطي الطفلَ مصروفَه اليومي.