سلوى حجازى شاعرة واعلامية من الزمن الجمبل
السيد الهيبان
حال الشروع فى الكتابة عن الشاعرة والإعلامية "سلوى حجازى" التى احتلت مكانة مميزة وسط ابداعات الزمن الجميل .. بدت الحيرة فى المدخل الذى يمكن الولوج منه إلى مسيرتها الحياتية .. لتساوى المفاضلة بين بدايتها ونهايتها ..لما تمثلانه من اختيار كنقطة بدء..يمكن البناء عليها ..بسبب نهايتها المأساوية فى 21 قبؤاير (شياط) عام 1973..بعد عمر حافل بأجمل معانى الحياة..تخللته محطات عديدة تراوحت بين النشأة والثقافة والأسرة والإبداع والعمل..لكنها رغم تعددها لم تكن كافية ..وكانت تضيق بعالمها المحدود ..الذى لم تقتنع به..وتشعر أنه لايرضيها..ولا يخرجها عن عالمها الذاتى المغلق على إسعاد أسرتها مثل أية ربة بيت.... مما جعلها تبحث دائما عن شىء يملأ عليها حياتها ويبعد عنها الإحساس بالفراغ القاتل..لكل رغبة وجدانية تحس بها.. إذا ماتفاعلت فى داخلها..من خلال استمرارها فى القراءة وممارسة تجربة الرسم وكتابة الشعر .
وضح ذلك فى بداية كتاباتها الشعرية.. التى بدت فى تجاربها الأولى لاتخرج عن
الأنا والأجواء الرومالنسية النزعة .. الخيالية البعيدة عن واقع الحياة ..وفى تلك
المرحلة كانت تعانى من عجزها عن كتابة قصائدها بالعربية..لغتها الأم التى تتحدث
بها.. ربما تكون قد حاولت ولم تنجح ..فاستسهلت نظم قصائدها باللغة الفرنسية ..التى
أجادتها بحكم لكن لم يبد بين القصائد التى كتبتها اية قصيدة مكتوبة بلغة غير اللغة
الفرنسية التى أتقنتها..من خلال دراستها الفرنسية..إلى أن تخرجت منها..رغم أنها
كانت تتمنى النعبر عن افكارها المصرية وأحلامها بلغتها العربية .. وهذا مازرع فى نفسها
الإحساس بالاغتراب .. ولم تخف حسدها للشعراء المصريين لامتلاكهم القدرة على
التعبير بالغة العربية الجميلة..لغتها الأم.
فقد بدأت مسيرتها الحياتية حسب تاريخ ميلادها فى مدينة القاهرة فى أول
يناير عام 1933 ..ثم تنقلت بين المدن بحكم عمل والدها فى سلك القضاء.. والتحقت
بمدرسة "اللسيه فرنسيه"الفرنسية ..وحصلت منها على "التوجيهية"
فرنسى ..ثم التحقت بالمعهد العالى للنقد الفنى وكانت من أوائل خريجيه..وتزوجت من
بطل رياضى رغم أنها كانت تتمنى الزواج من دبلوماسى يتيح لها الانتقال من مكان لآخر
..مثلما كان يتيح لها عمل والدها..وأنجبت منه فتاة وثلآثة أولاد..وعملت فترة
بإذاعة الرياض..قبل أن تلتحق بالعمل فى التليفزيون المصرى مع بدء إرساله عام 1960
مذيعة باللغة الفرنسية .. وقدمت العديد من البرامج قدمت من خلالها عددا من الأدباء
والصحفيين والفنانين والسياسيين .. كان أشهرها "عصافير الجنة الذى قدمته
للآطفال ..وحققت هذه البرامج نجاحا كبيرا بفعل خلفيتها الثقافية ..التى اكتسبتها
من خلال على اطلاعها على الكتب فى مختلف المجالات..واحتسبت عملها فى التليفزيون فى
البداية كهاوية ..ضمتها إلى هواياتها الأخرى فى الرسم والتصوير..وقراءة الشعربالفرنسية
..لكن هذه الهواية تحولت إلى رغبة فى إثبات الوجود..مما حقق لها شهرة كبيرة بين
المشاهدين..استاءت منها عندما ارتأتها قيدا على حريتها..
ورغم كل هذا لم تتوقف عن كتابة الشعر باللغة الفرنسية التى تجيد التعبير
بها ..فقدمت ديوانها الأول "ظلال واضواء" ..فى أوائل الستينات ..تمت
ترجمته بالعربية..بتقديم من الشاعر"أحمد رامى".. الذى اعتبره ميلاد
لشاعرة ذات شأن..أهدته إلى الذين يعرفون أن يحبوا وأن يبكوا وأن يبتسموا..و الذين
يعرفون أن يصفحوا وعبرت فيه ببساطة عن عواطفها وأرائها وأحساسيسها وتجاربها فى
الحياة.. دون أن تتعمد التصنع أو الافتعال .. وضح ذلك فى قصائدها الرومانسية
..التى تبدو أحيانا ممتزجة بالطابعى الواقعى.. الذى لايخرج عن دائرة ذاتها ..لكنها
كانت مفعمة بالتشاؤم.. الذى لم تستطع أن تخفيه ..سواء كان ذلك فى قصائدها العاطفية
أو غيرها .. وبدا الفرح عندها ممتزجا بالخوف من الحياة..ثم قدمت ديونها
الثانى"أيام بلا نهاية" فى بداية السبعينات..اتسم بالأبعاد الرمزية
..وتكرار ايقاعات الكآبة التى تكاد تكون القاسم المشترك لأحاسيسها
وانطباعاتها..بصورة نابضة بالمأساة..تبدو بالغة الحساسية ..وكأنها كانت ترى الحساة
كغابة من المآسى..رغم أنها فى تصويرها للطبيعة تبديها نابضة بالحياة ..من خلال
لوحات ممتعة للحواس..وقدمت بعد ذلك ديوانيها
"إطلالة"و"سماح"..وقد نظمت هذه الدواوين الأربعة باللغة
الفرنسية..وعنها قلدتها "أكاديمية الشعر" الفرنسية ميداليتها
الذهبية,,عام 1964..وحصلت على الميدالية الذهبية فى مسابقة"الشعر الفرنسى
الدولى عام 1965.. وقام بترجمة شعرها من الفرنسية إلى العربية ..كل من
الشاعر"احمد رامى"و"صالح جودت"و"كامل الشناوى".وقد
كتب عنها الشاعر صالح جودت كتابا سمَّاه «سلوى الشعر- الحب- الموت» كما شارك كل من
الشاعرين أحمد رامي وكامل الشناوي في ترجمة قصائد من ديوانها «ظلال وضوء» من
الفرنسية إلى العربية، أما رحيلها فكان إثر حادث تفجير طائرة عام 1973 كانت تقلها
قادمة من ليبيا إلى مصر فأخطأت ودخلت المجال الجوي الخاص بسيناء التي كانت آنذاك
محتلة من «إسرائيل».
يقول صالح جودت في كتابه: «أكتب كل حرف من هذا الكتاب بالدموع، ولا أستطيع
أن أراجع دموعي كلما ذكرت أن سلوى عاشت سنواتها الأخيرة تتعذب عذاباً نفسياً
مكبوتاً، رغم ابتسامتها الحلوة على الشاشة، كانت تحس بأنها ستموت في زهرة العمر،
وأنها ستموت في كارثة، وأنها ستترك صغارها وحيدين»..ومن قصائدها التى ترجمها إلى
العربية:
كان قلبي في الهوى طوع يدي
إن تهامست إليه يهتدي
ماله اليوم عصيٌ ؟ ماله
خان ميثاقي وجافى موعــدي ؟
طالما عاهدني أن يتّقي
قسوة الحب وظلم الحســـدِ
ماله يمشي إلى أهوائه
مشية الطفل الشقيّ الأمردِ ؟
***
أيها القلب الذي ضقت بكبتي واصطبارك
إنني أسمع آهاتـك حرّى من قرارك
لاتهددني على صبري وصمتي بانتحارك
لاتهددني.. ولا تنفــــذ لضعفي باقتدارك
***
أنا لا أدري إلى أين أسيـرْ ؟
ولماذا أرتضي عيش الأسيرْ ؟
وإذا عشت حياتي.. مثلما
عشت ماضيّ فما أشقى المصيرْ
قدرٌ يا قلب.. ما في طوقنا
غير أن نحياه لليوم الأخيرْ
وقضاء في ضمير الغيب.. إن
صحّ يومـاً أن للغيب ضميرْ
***
ويله من تزحف الأقدار بالقيد إليـه
إذ يرى كأس المنى مبذولة بين يديه
ثم لا يملك أن يسكبها في شفتيه
ويمر العمر والحرمان مكتوب عليه
***
أيها القلب الذي يشقي حياتي
ياهوائيّ المنى والنزوات
أنت تدري أننـي محرومة
أنا لا أملـك حرية ذاتي
وكلانـا رهن قيد ظالم
دون ذنب، فأعنّـي في ثباتي
إنني أخشى إذا أغريتنـي
أن أرى أول ضعف في حياتي
وكتب أحمد رامي في مقدمته للطبعة الفرنسية من ديوانها «ظلال وضوء»: «لو أن
الشاعرة سلوى حجازي صاحبة هذا الديوان قد صُوّرتْ على هيئة الطير، لكانت بلبلًا
يرفرف على غصن نديٍّ، مرسلًا أغنيةً يطرب لها الظل والماء، ولو أن لهذه الطائفة من
الشعر نسخة مسموعة، لطرب من يصغي إلى هذا البلبل، لبدْعِ توقيعه وحسْن ترجيعه، هذه
هي الصورة التي أراها للشاعرة، كلما سمعت منها قطعة من الشعر صاغتها من صميم وجدانها،
وصبغتها بألوان خواطرها، ورددتها على وقْعِ خفقات القلوب».«في هذا الديوان شِعر
ينبجس من قلب رقيق وينحدر من ينبوع روح صافية، وهو شعر عاطفي إلى أبعد الحدود،
يتناول أغراضاً تمس كل نفس، وتسري في كل روح، ويكاد يهجس بها كل خاطر، وهو شعر
يجلو الحياة بأبهى مظاهرها، من جمال يشيع في كل ركن، وهو شعر يصف من ينعم في هذه
الحياة باجتماع شَمْلٍ، أو رفاهة عيش، ويصور كذلك من يشقى بها من لوعة فراق، أو من
طيف شقاء، وشعرها صادق في تصويره، حسن في تعبيره، ينبع من نفسها فيصل إلى كل نفس،
وينطلق من فيها فيسكن حبة كل قلب»..
ولعل انتقاء بعض المقاطع من قصائدها..يكشف عن نظرتها للحياة وعمق أحساسها
بها.. بما يشى باعتمادها على رؤيتها الذاتية لها.
عن سر نظمها للشعر
عندما يكدرنى العالم
ولا أستطيع تغييره
أدلف إلى قوقعتى
وأخلد إلى الأحلام
عن الأحلام
أحس بها بهجة طاغية
تهز كيانى وأعماقية
وتملا قلبى بآماله
وبالنور تملأ أياميه
عن خفقات القلب
كان قلبى فى الهوى طوع يدى
إن تهامست إليه يهتدى
ماباله اليوم يمضى ماله
خان ميثاقى وجافى موعدى
عن الحب
هنالك عند التقاء الطريقين جاء اللقاء
بقلب الزحام ووسط الضجيج
وكان القدر يقود خطانا
فلما لتقت فى الطريق العيون
تلاشى الزمان تلاشى المكان
احاول ان اخفى رعشة يدى
ويحمر وجهى كطفل صغير
ويدق قلبى ويبلل العرق وجهى
أحاول أن أتكلم مع آخرين
ولكننى لا أسمعهم
عيناى إليهم وأذناى لك
تلتقط همسك تقدس صوتك
كإسفنجة فى محيط
عن الطبيعة فى الليل
عقد من اللؤلؤ والزمرد والماس
ينبسط أمام عينيى براقا
عن القمر
عبر ستائر الياسمين
يطلق أشعته الرمادية
فى غرفتى المغلقة
المفروشة بالمخمل الناعم
عن عاطفة الامومة
طفلى الحبيب
فى أى زمان وأى مكان
من يأخذ عمرى ويعطيك فى مقابله
زهرة وسلاما وكتابا
عن المستقبل للأطفال
أطفالى كنت أرجو أن أراكم
فى عالم كهذه المرآة صاف
الجهد الذى أبذله لتحلو حياتكم
المستقبل الباسم أتمناه لكم
ولكن واسفاه أتلفوا الحدائق
طالما سقيناه كل صباح
عن الحياة
وجهك مرسوم
بحيث يخفى بعناية
الناس الجائعين
الذين يبحثون عن الخبز
والناس الذين يكرهون
والذين يبتسمون
عن المدينة
الناس بدون رؤس
إنهم هياكل عظمية
يسرعون بالآلاف
أشباح تسير فى نومها
ممزقة المدينة
لاتعرف أين تذهب
عن الاضواء
هذه الاضواء كم أكرهها
قيدت حريتى قيدا عنيفا
أبعدوها أبعدوها إنها
شبح يبدو لعينى مخيفا
عن الوحى
أشعر أنى غارقة فى أفكارى
كالقارب ضد التيار
أشعر أن الموج يثور يعربد
يهدا ثم يعود
أشعر أنى ضائعة
فى صمت الصحراء
تكبر فى رأسى أصداء الماضى
تكبر تكبر ثم تصير هباء
أشعر أنى متعبة من أفكارى
كذبول الأوراق الصفراء
عن رحلتها فى الحياة
أنا لا أدرى إلى أين اسير
ولماذا أرتضى عيش الأسير
وإذا عشت حياتى مثلما
عشت ماضى فما أشقى المصير
قدر ياقلب مافى طوقنا
غير أن نحياه لليوم الأخير
عن الحزن
أنا دائما حزينة
أنا أحيانا كالمومياء
وأبقى هكذا ساعات صامتة
لأفكر فى استمرار الحياة
أحلم جالسة أحلم واقفة
عن العمــــــــــر
أهكذا الدهر بنا يجرى
ويأكل العمر..ولا ندرى
وأخيرا عن الموت
أخاف الألم
أخاف أخاف أخاف
أخاف العذاب
أود أموت كشمس تغيب
بدون ضجيج
أود أموت كما ابتلع البحر
دون وداع
بقايا شراع
لو الموت يأتى إلى بلطف
كأوراق ريح الخريف
تموت وتهوى لقاع القرار
بدون انتظار
أريد انطفاءا رقيقا وديعا
كشمعة ليل أضاءت طويلا
خيرا
أود أموت كيوم يغيب ويمضى
بكل أناة
سلوى حجازي - بداية الضعف.. ت: صالح جودت
تاريخ البدءmay additionally 15, 2017
may additionally 15, 2017
#1
لكنها لم تمت تلك الميتة التى تمنتها وصورتها فى قصيدتها فلم يأت اليها
الموت بلطف وبلا ضجيج ولم تعش مرحلة الانطفاء كالشمعة بل انتهت حياتها بعد لحظات
من الرعب عاشتها بعد ظهر يوم 21 فبراير سنة 1973 قبل ان تحترق داخل طائرة ليبية لم
ينج من ركابها البالغ عددهم 112 راكبا غير ثمان ركاب فقط لم تكن من بينهم.. وذلك
بعد ان تعرضت لها المقاتلات الاسرائيلية واسقطتها وهى تحلق بطريق الخطا فوق صحراء
سيناء المحتلة فى طريق عودتها الى القاهرة .. مع بعثة تليفزيونية قامت بتصوير
حلقات للتليفزيون الليبى وبدا من الصعب التعرف على الجثث بعد تبديل متعلقات
أصحابها .. بوضعها فى حقائب آخرين ..لكن تم التعرف على جثتها من وجود أثر لعملية
جراحية كانت قد أجرتها..وقد منحها الرئيس الراحل "أنور السادات" وسام
العمل من الدرجة الثانية..باعتبارها شهيدة الوطن ..وكرمها الرئيس"حسنى
مبارك"بمنحها وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى..وغاب عن الشاشة الصغيرة الوجه
الذى كان يشد اليه الناس والابتسامة الجميلة التى كانت تريح النفس وفقد الاطفال
ماما سلوى التىكانت اما لكل الأطفال