معايشتي للشهر الكريم في الغرب...الدنمارك مثالاً!!
ملاحظة: المقال كُتب قبل جائحة كورونا اللعينة!!
بقلم: محمود كعوش
في الدنمارك حيث أُراد الله لي أن أقيم كلاجئ ومن ثم
كمواطن، يعتبر شهر رمضان الكريم وعاداته من أكثر الشهور والوسائط أهمية للمسلمين
مغتربين ولاجئين لاعتبارين، أولهما أن البلدان الإسكندنافية بما فيها الدنمارك،
موطني في الهجرة القسرية، هي بمنأى عن العالم الإسلامي حيث تفصلها عن البلدان
الإسلامية قارةٌ كاملةٌ هي أوروبا من جهة الجنوب ومساحات واسعة من القارة الأسيوية
باتجاه الشرق، وثانيهما أنه إلى جانب أن بلدان اسكندنافيا هي بلدان علمانية فإن
نسبة كبيرة من مواطنيها يعتنقون الوثنية ولا تربطهم بالديانات السماوية أية روابط
لا من قريب ولا بعيد.
للمسلمين في الدنمارك وجميع البلدان الإسكندنافية، بمن
فيهم أنا بالطبع، عاداتهم وتقاليدهم وطقوسهم الخاصة، التي تميِّز قضاءَهم لشهر
رمضان عن غيره من شهور السنة، حيث إنه وسيلة تذكير وتذكر للروابط في ما بينهم وفي
ما بينهم وبين العالم الإسلامي، إلى جانب كون الشهر مدعاة لإحياء الشعائر الدينية،
وترسيخ الشعور الديني في نفوسهم.
ففي شهر رمضان يتوجه المسلمون في هذه البلدان بقلوب
خاشعة إلى أقرب المساجد إليهم بمجرد الإعلان عن قدومه، وفي المناطق الخالية من
المساجد يلجأوون لاستئجار أماكن للصلاة تسمَّى “المصليات” لأداء الصلوات ولقراءة
القرآن الكريم والتلاقي من أجل توطيد الروابط الأسرية وتبادل التهاني، وتأكيد
إخوتهم في الله. وعادة ما تشهد تلك المصليات إقبالاً ظاهراً من جانب المسلمين في
العشرة الأواخر من الشهر الكريم، تماماً كما المساجد.
وهنا لا يقتصر إحياء
شهر رمضان على الجهود الأهلية، إذ
تشارك منظمات المجتمع المدني الإسلامية في ذلك، وتقوم الجمعيات والنوادي الثقافية
والرياضية والروابط الاجتماعية بأنشطة متنوعة تسهم في إضفاء أجواء خاصة للشهر
الكريم، تكون في أحيان كثيرة مثار دهشة وإعجاب المواطنين الإسكندنافيين أنفسهم
وبالأخص ممن أشهروا إسلامهم في المساجد وعلى أيدي الأئمة الأفاضل المنتشرين في
العواصم والمدن الإسكندنافية الرئيسية وعلى أيدي الأئمة والمشايخ الذين يُستقدمون خصيصاً
لهذا الشهر.
فالمسلمون في البلدان الإسكندنافية يحيون شهر رمضان
المبارك بطريقتين، الأولى هي العبادات، والثانية هي المظاهر الاجتماعية وتحضير
المأكولات. فمن ناحية يستقدمون الأئمة والمشايخ من الدول العربية والإسلامية
وبخاصة من مصر “بلد الأزهر الشريف” والمملكة الأردنية الهاشمية وإمارة قطر، ومن
ناحية ثانية نجدهم يعملون على تهيئة المساجد والمصليات بحيث تستوعب الأعداد
الكبيرة من المصلين الذين يرتادونها.
ولربما أن الخدمات الخيرية هي من أبرز المظاهر التي تعبر
عن نفسها بتميز ووضوح في شهر رمضان في البلدان الإسكندنافية إن لم تكن أبرزها، حيث
تنظم المساجد موائد الرحمن من أجل تنمية المشاعر الدينية الراقية في نفوس المسلمين
وبخاصة الأجيال الشابة الجديدة.
واللافت للنظر أن المسلمين في هذه البلدان قد حملوا
إليها عاداتهم التي توارثوها في مجتمعاتهم الأصلية، فنجد مثلاً انتشار الأكلات
العربية على اختلافها وتنوعها، كما وتحرص المتاجر التي يمتلكها عرب ومسلمون على
تقديم احتياجات الصائمين من المواد الغذائية طوال الشهر الكريم، الذي جعله الله
تعالى فرصةً للتقرب له و للعمل على إحياء المشاعر الإسلامية الراقية ونقلها إلى
غير المسلمين في بلدان المهجر.
يواجه المسلمون العديد من المشكلات في هذه البلدان
أبرزها ما يتعلق بتحديد موعد بدء الشهر الكريم وما هو متعلق بوضع المسلمين العام
وليس في شهر رمضان فحسب. ففيما يتعلق بالنوع الأول من المشكلات نجد أن هناك
صعوباتٍ تواجه المسلمين في تحديد موعد بدء الشهر وذلك بسبب الأحوال الجوية التي
تنخفض فيها درجة الحرارة وينتشر فيها الضباب بجانب تساقط الجليد معظم العام ما
يقلل من إمكانية رؤية الهلال بالعين المجردة، الأمر الذي يستدعي صيام كل منهم على
أساس بلده الأصلي أو البلد الذي يختار. وغالباً ما يكون على أساس مصر أو المملكة
العربية السعودية أو المغرب. ففي النرويج على سبيل المثال، يبدأ المسلمون صيامهم
مع البلدان العربية والإسلامية التي تبدأ الصيام أولاً، وهو ما لا يتوفر في أي بلد
اسكندنافي أو غربي آخر تقريبًا.
هذا ويواجه المسلمون في هذه البلدان مشكلةً أخرى، ربما
أنها تكون أوضح في أيام الصيف وهي طول فترة النهار، حيث يطول النهار في بعض
السنوات إلى فترات قد يصل فيها الصيام إلى 20 ساعةً، وذلك بسبب الموقع الجغرافي
لتلك البلدان في أقصى شمال القارة الأوروبية. وهذا الأمر يستدعي ضرورة تنظيم العمل
واختصار ساعاته بحيث يسهل على المسلمين أداء فريضة الصوم على أن تعوض بعد انتهاء
الشهر، إلا أن وجودهم داخل مجتمع غير مسلم يضعهم أمام حقيقة أن بعض أرباب العمل
الاسكندنافيين في القطاع الخاص لا يقدرون ظروفهم الدينية فيرفضون تخفيض ساعات
العمل ولا يسمحون لهم بأداء فريضة الصلاة في أماكن عملهم نتيجة تعصبهم الأعمى
وكرههم للإسلام والمسلمين.
يُذكر أن الأخوين الدنماركيين ” كلاوس وميجل روث” كانا
قد أرجعا، في كتابهما “قنبلة في العمامة” الذي كتباه للرد على جريمة الرسوم
الكاريكاتورية المسيئة لنبي الرحمة “ص” التي نُشرت في الدنمارك في عامي 2005 و2008
وتسربت منها إلى بلدان اسكندنافية وأوروبية أخرى، ذلك الكره إلى جهل كبير لدى
أقطاب حكومات تلك البلدان بالدين الإسلامي “لأنهم لا ينظرون إليه إلا كدين يصدّر
الإرهاب”. وكنا قد رأينا في أزمة الرسوم، أن تعصب الغربيين لقيمهم على حساب قيم
الآخرين وإغماض أعينهم عن رؤية الحقيقة التي لا تعجبهم جعلاهم يضربون عرض الحائط
بقيم الثقافات الأخرى وعلى وجه الخصوص قيم الثقافة الإسلامية.
رمضان في البلاد الإسكندنافية وفي بلاد الغرب والغربة
بشكل عام ما أصعبه وما أقساه، لكن يشفع لنا فيه كرمه وتشفع لنا فيه بركته. رمضان
كريم وكل عام وأنتم بخير وأعاده الله على الأمتين العربية والإسلامية بالخير
واليمن والبركة.
كاتب وباحث فلسطيني مقيم بالدنمارك
kawashmahmoud@yahoo.co.uk