الإقتصاد الثقافي و نظرية (طه حسين) العالمية
العقيد بن دحو
من الصعوبة بمكان ولا زمان أن نجد توليفة إو معادلا قيميّا يجمع بين الإقتصاد و الثقافة , إلاّ أن ّ ومع التطور الحضاري و الثقافي للشعوب و للأمم والدول , ونظرا لتشابك دواليب الحكم والحكومات والحكامة , صار مجبرا أن ما يميز الثقافة يميز الإقتصاد , نظرا لأن الطابع الصنمي للبضائع من كتلة وحجما و لونا ونوعا صار يميز الإنسان , ونظرا لأن ( الإنتاج) اجمالا صار يتحكم في تقرير مصير ( المنتج) , ونظرا لأن الكعكة الإنمائية العالمية للنمو توقفت , صار الإنسان يأكل من رأس ماله , ونظرا لإستهلاك كل المعجزات القرون السالفة بما فيها المعجزة الإغريقية يوم صار (زوس) سيد الحكم والنظام و إله الحكم الراشد تنازل عن بعض مما يحكم الى ابنائه , بل شارك معه بالحكم الشعب , وصار الشعب جزءا من الإله , والإله جزءا من الشعب , حتى اذا تعلق الشعب بشيئ صار قانونا , وصوت الشعب من صوت الإله أو كما خلٌص اليه القول الإغريقي القديم.
اليوم وفي ظل العولمة , وفي ظل
الرقمنة وشبكات التواصل الإجتماعي الذي صار فيها المواطن سيد نجاح نفسه عوضا عن
الإله هو الألة , والنجاح المادي الخالي من أية روح عاطفية تقوي أواصر الصداقة ووشائج المحبة ما بين الإنسان و أخيه الإنسان ومحيطه
كان من الصعب اخضاع الثقافة لأي (
رائز) مفاوض , يفاوض الرجل الفنان المبدع في جميع أجناسه الفنية و الأدبية ولفكرية
ورجل المال و الأعمال اذ سرعانا ما يصير المشكل أخلاقيا
ظل العالم خجولا بتوارى غب استحباء , كيف يجد مخرجا لهذه
الثنائية أو كأن تصبح الثقافة اقتصاد كسائ المهن و الحرف , ناهيك عن رعاية الدولة
ودعمها لمختلف الأداب والفنون
عندما نقول هذا , علما أن البعض - ومن
حقهم يشككون- ان الأمر شؤم ينذر بنوايا الحكومة تخليها عن فكرة دعم ورعاية الفنون
, كون المسألة أرقتها , و الأدب و الفنون عموما يدل على الخسارة وليست على الكسب !
قد نكون متفهمين لجل الحكومات
بالعالم أن قطاع الثقافة هو اجمالا قطاعا غير منتج , ولكنها كالديمقراطية أو
كالثكنة العسكرية الخاصة نعلم ذلك لكن كسبها على مدى البعيد وليس على المدى القريب
, ثم ليس الكسب أو ( العائد) ماديا و انما بالغالب ما يكون معنويا , فليس بالخبز
وحده يعيش الإنسان
كان على المفكرين و المنظرين و
الباحثين و المنتجين أن يظلوا منتجين حتى مؤتمر البندقية عام 1952 يوم أن تدخل عميد الأدب العربي الدكتور طه
حيبن بمداخلة (أدبية اقتصادية) كانت المفتاح الأخلاقي الناجع الشاف والكاف لإيجاد
كل مجاهيل أحداثيي الثقافة و الإقتصاد على محوري تراتيب ( الزمن) وفواصل ( الحضارة)
, حين يذوب الإستغلال التجاري بالإستغلال الفني و الأدبي / taha hussein ' l'ercrivain dans l. a. sociètè moderne
بحث ألقاه ذ. طه حسين في المؤتمر
الدولي للفنانين المنشور في / l'artiste
dans la sociètè contemporaine u
n.e.s.c.o 1954
إذ قال :" بزجد هنا صفقة غير
شريفة : فنصير الأذب او الفن او الثقافة يعطي ذهبا أو فضة ينفقها رجل الأدب و الفن
و الثقافة كلما حصل عليها , أما رجل الأدب و الثقافة والفن يعطي فنه ة فكره اللذين
لا يمكن أن يصرفا بأي حال من الأحوال "
لقد تمكن الباحث العربي العالمي
الدكتور طه حسين , و أعطى للمسألة -
اقتصاد الثقافة - و للثقافة خصوصا معناها الإقتصادي الصحيح.
وسواء - شئنا أو أبينا - وكيما يتسنى
لنا فهم ما تسردع لنا الجهات الوصية عن الثقافة والفنون أو الحكومة لا بد من
المرور على فكرة الدكتور طه حسين , الذي أحسن العطاء المادي والروحي للكلمتين ,
وبالتالي خلص العالم من هذا القلق الذي يؤرقهم سنين طوال.
ما يحز بالنفس ليس البيع بالزاد العلني أو بأي
مزاد محتملا كان , ولا يالتفاوض , ولا المقايضة , لأنها صارت سائرا مفعولا , بعد
أن أصبح الرجلين لا يستحييان من شيئ , وبعد أن انهكا عدة ضمائر بعد ان لك يكغيهم
ضميرهم , وبعد ان اصبح الروائي يراهن هلى عدد المشترين أكثر منهم على جودة انتاجه
الإبداعي , انما ما يحز بالنفس غياب صاحب النظرية المفكر العربي الدكتور طه حسين
من المنابر العربية الرسمية وغير الرسمية.
فالماء عنصر الحياة الأساسي بين
ايديهم وهم يبحثون عنه خارج مجالات لتغطية الغربية , التي أكيد ذات يوم تستشهد
بنظرية طه حسين , بينما تظل حكوماتنا ومنظرينا و باحثينا و مثقفينا و كأن الطير
على رؤوسهم.
كل شيئ صار ممكنا , لكن في نفس الوقت ( كل شيئ لا شيئ) النظرية الرمزية
, نظرية الإغتراب , العدمية , التفكك , اللاانسانية , السيريالية.
حينما نذهب الى سوق ونشتري أشياء لم
تكن في حسباننا أصلا , ولم تكن من أولوياتنا أصلا.
ليس الإستثمار بالثقافة يكمن في
مؤسسة مصغرة فحسب , انما تتم حبر وسيط وظهير تجاري يحفظ ماء وجه الفنان والمثقف ,
كون الصفقة أصلا غير شريفة كما قال الدكتور طه حسين.
ولكن لأن التجارة صارت أمرا مقضيا ,
ارجو أن يراعى ما ينتجه الفنان من قيم لا تقدر بثمن و بين المشتري , أكيد الأولى
من نور ونار و الثانية من تراب.
المهم أنسنة الإقتصاد الثقافي , و أن
يراعى فيه ما لله لله و ما لقيصر لقيصر , ما للثقافة للثقافة و ما لإقتصاد
للإقتصاد بالنهاية , مع مراعاة أن الدولة من مهامها الدفاع عن الثقافة و هي
تعلم لن ولم ولا تصير ثقافة حتى ان فعلت