ليلة القبض على (أونتجون) و القبض على ( اللحظة المسحورة)
العقيد بن دحو
ملاحظة
:
------------
في
البدء : و الله اظنني أنا الأحمق و ما بعدي الأحمق , ما ( نعرفش صوالحي) , و
الله لو أنني ترشحت لإنتخابات البرلمان
القائمة الحرة , وسواء فزت أو لم تفوز نكون ضمنت لنفسي اعانة مالية قدرها 30مليون سنتيما , أحسن و أفضل لي بكثير من هذه
وجع الرأس و البحث أياما طوال ليالي بنهارها حول أدب يوناني لا يقرأه أحدا ,
ويزيده تعقيدا كونه اسطوري , و اليوم العالم مشغولا كل الإنشغال بالبطون أكثر منها
بالعقول , بالبافلوفية و المنعكس الشرطي , اكثر منه بالبحث حول الحلم و الكلمة و
الفكرة و الفعل , تلك الفكرة التي تغير وجه العالم , فما أشقاني , و ما
اتعسني..... و جمع اقراني يوشكون أن يصيروا برلمانيين , و أنا لا زلت أؤمن بالغد الثقافي الحضاري
الجميل..........!.
*- نعود الى صلب الموضوع
=================
يدخل الحارس وهو يقود (أونتجونا) الى قضر الملك
كريون , يصرخ بإسم الملك , و يخبره أين زجدها و ماذا تفعل , وجدها تدفن جثة أخاها
( بولينيس) من حرم الملك اكرامه بالدفن.
هذه
اللحظة بالضبط من أهم اللحظات الدرامية التراجيدية المأسوية الإغريقية , و كأن
بالمؤلف و المخرج ( صوقوكليس) في آن واحد يريد أن يضع جمهوره في صراع تتنازعه
عاطفتين , عاطفة القانون و الواجب ,
وعاطفة اجرام ذوي القربى , أونتجون أبنة أخيه وخطيبة ابنه ( هيمون) في نفس
الوقت , فماطا ترى الملك فاعل أما هذه الحالة , بل الجمهور ايضا !؟.
ه
هذه اللحظة الزمنية من أهم اللحظات التي يتوقف
فيها ( الزمن) - انك لا تخطوا بالنهر مرتين - على الرغم من الزمن سلسلة متواصلة لا
يمكن ايقافها , إلا أولئك العباقرة الأفذاذ , المبدعين , الخلاقين العالميين ,
المثقفين , من لهم خبرة بالأداب العالمية و بالأسطورة العالمية ولا سيما الدراما و
المحلمة بشقيها : التراجيدي و الكوميدي.
يتلعثم
بادئ الأمر الملك , كونه انسان بالمقام , لكنه سرعان ما يتماسك نفسه , و يسترجع
وعيّه الجمعي , ويواصل انصاته الى الحارس اذنا و قلبا مادام الألم واحد , فهو يؤدي
مسامعه بقدر ما يؤدي قلبه .
يقبل الملك على مضض حكم القوانين التي سنها على
نفسه , و ها هي اينة أخيه (أونتجون) وخطيبة ابنه ( هيمون) اللحظة أمام صولجان هذا
القانون و الحكم , و أي حكم , و أي قانون ؟
(هيديز) : الإعدام للجاني / المجرم تحت الأرض /
مملكة الأموات و حيدة حتى الموت.
ففي حين
(أونتجون) ترى أنها تقوم بعمل بطولي شريف من أجل دفن أخيها ( بولينيس) من حرم
بطقوس الدفن وقرابين الموتى , ودون أن يبكي عليه أحدا , في حين يرى الملك انه يطبق
القوانين حتى على نفسه وحتى ان كانت به خصاصة , وحتى ان كانت ( ضحاياه) ابنه أخاه
(أونتجون) و طبعا ان ماتت سيتبع موتها رجل أخر , فلذة كبده وولي عهده , وخطب ابنه
اخاه ( هيمون) !
هذه هي اللحظات الخالدة التي يجب على النقاد و
الدارسين و المثقفين ايضاحها للناس اجمعين لترسخ في وحدة زمنية أخرى خالدة , تسمى ( باللحظة المسحورة).
اللحظة المسحورة
===========
اللحظة المسحورة بالفن و الثقافة و الفكر هي تلك
التي يلقطها الفنان في مجرى الزمن , فيخطها على الورق لفظا و لحظا و اشارة ورسما ,
أو يثبتها على الحجر تحثا و نقشا.
أن تثبت حالة من حالات الوجود بتفصيلاتها التي
تجعلها فردا فريدا بين سائر الحالات , بحيث يضفي عليها الفنان المثقف العبقري طابع
الديمومة و الخلود , ويبعث بها الحياة انطلاقا من المحلية الى العالمية الى
العولمية , الطابع الهائل المذهل المدهش ’ والانسان مضافا الى الطبيعة.
علمتنا
العديد من المدارس و المذاهب و البيانات
الأدبية و الفنية و الفكرية , و العديد من الكتاب و المؤلفين و الفنانين و
في مختلف الأجناس الأدبي و الفنية على تثبيت حالة فنية معينة.
فالرسام افني (كوكتو) يثبت (ميلوزين) الحالة
الشعرية لحزة تحولها الى أفعى مجنحة.
و ايضا
ارسام العالمي السيريالي ( بيكاسو) يوم تبث (دافني) يوم طاردها اله الشعر ( أبولو)
و هي تتحول الى شجرة !.
من
الصعب اليوم على فنان ضيق الفهم غير مطلغ بالأسطورة العالمية أن ينمو بإتجاه أي
لحظة مسحورة ويوقف من خلالها الزمن.
هذا هو
الفن الحقيقي , أن تأخذك حالة معينة , لحظة معينة من النص الكامل , وتوقف الزمن
فيه , وتجعل الجمهو يكتشقه من جديد , و الانتقال به من جنس فني الى جنس فني أخر.
ما
اروعك أيها الفن الجميل الأصيل , و البحث المضني الذي ينتهي دائما الى المتعة ’
لكن الأجمل لو اني كغيري ترشحت للإنتخابات , وحتى ان لم افوز , حاولت عوضا عن هذه التعاسة الأدبية التي ارتميت
فيها و لم أجد مخرجا , وكل ما حولت أن اشط الى شط الأمان تعمقت أكثر و اكتشفت أني
اسبح في قطرة من ابحر الأدب و الفن و الجمال , بينما الإنتخابات زمنها ومكانها و حدثها وجمهورها محدد , و
بالأخير سوف الناس تنسى الرابح و الخاسر على حد سواء , بينما الأدب و الفن هو شقاء
و تعاسة بلا انقضاء , نفي اللحظة , ولا يطالها زمان ولا مكان ايضا.