هل عاد الفلاسفة الى التنجيم؟
بقلم عمر بوساحة
التقيت مرات عدة مع
طلبة الباكالوريا في المكتبات وفي المعارض التي تنظمها الجمعية الفلسفية يبحثون عن
كتب في الفلسفة تعالج موضوعات فلسفية تخص منهاجهم الدراسي كتبت على شكل مقالات،
وحين تسألهم عن الفائدة من ذلك وانت تعرف انه لا علاقة لتدريس الفلسفة بذلك يجيبونك بأنهم يحفظون البعض منها للاجابة بها
على اسئلة امتحان الباكالوريا التي ينجَم لهم بعض أساتذتهم بأنها ستقع في الامتحان،
فتحول درس الفلسفة الذي عهدناه درسا عقلانيا يعلمنا مناهج التفكير ومبادئه
وابجدياته الى طقس تنجيم يكشف للطلبة علوم الغيب وما يخفيه المركز الوطني
للامتحانات والمسابقات بخصوص اسئلة الفلسفة في الباكالوريا. هكذا حوَل بعض أساتذة
الفلسفة في الجزائر "أم العلوم" والفكر النقدي الى دروشة تقرأ الطالع
وتسلمك الوصفات والحروز للنجاة والنجاح في شهادة الباكالوريا.
نشأت الفلسفة حينما جعل
الانسان من العقل وسيلته في المعرفة متجاوزا الخرافات والاساطير وأباطيل السحرة
والمنجمين، تحمَل الانسان منذ نشأة الفلسفة مسؤوليته في معرفة العالم بعيدا عن
العادات القديمة التي عطلت فكره وارادته في تغيير العالم لمئات السنين، فأصبح
الانسان باكتشافه لقدراته العقلية عبر الفلسفة سيد نفسه، فنزع منها الخوف والتردد
والاتكال. لقد كان أكبر درس علمته الفلسفة للانسان هو التعويل على نفسه في هذا
الوجود العظيم ولا ينتظر الفرج والحلول تأتيه من قوى لا عقلانية لا يعرف عنها
شيئا، عطلت فكره وارادته لقرون، لقد أنار العقل للانسان سبيله نحو العلم والحرية
واكسبته الفلسفة مناهج التفكير في العلوم وفي غيرها فراح يرسم مستقبله بعيدا عن
كوابح التجهيل والاستيلاب....
لا أهمية للفلسفة ان هي
لم تدربنا على التعاطي العقلاني مع مشاكلنا ومع قضايا الحياة، بل وموضوعات الفلسفة
نفسها، نتعلم من الفلسفة كيف نفكر في القضايا التي تعترضنا، من قضايا العلم
والاجتماع والسياسة والاخلاق .... الى قضايا الاجابة على سؤال امتحان الفلسفة نفسه
في الباكالوريا وفي غيرها. إننا نهين الفلسفة و"عقل الانسان" حينما
نجعلها تعول على الشعوذة والتنجيم للتحدث عن نفسها والاجابة عن اسئلتها وهي التي
علَمت الانسان طرق التفكير وطرق العيش السعيد، وحررته من تلك الأباطيل، إننا نهين
الفلسفة حين نعود بها الى عصر ما قبل "طاليس" نتوسل بالاساطير والمنجمين
ليعطوننا أجوبة عن سؤال في الفلسفة كان يفترض منا أننا هيأنا انفسنا للاجابة عنه
بالتعلم السليم للفلسفة. ليست الفلسفة ولن تكون حفظ مقالات وحشو ذاكرة الطلبة
بمعلومات يستعينون بها في الاجابة على اسئلة الامتحانات بتوجيه من الاساتذة
المنجمين.
لا ننتظر من الدرس
الفلسفي ان ينجح ويرسم للفلسفة طرق الولوج الى الحياة الثقافية والاجتماعية ما لم
نعد النظر جذريا أساتذة ومؤسسات في الطرق التي يتم بها تقديم الفلسفة للطلاب، ولا
يمكننا التعويل على الشعوذة والتنجيم في معرفة اسئلة الامتحانات، فقد تجاوز عقل
الانسان ومعرفته ذلك منذ عصور ما قبل الميلاد بفضل الفلسفة ذاتها.