العقيد بن دحو
ابك ملكا كالنساء لم تحافظ عليه كالرجال
كم
تعجبني و تشدني هذه المقولة , كلما تذكرت اوطانا و امصارا و مدنا كانت تزخر
بساكنيها , مزدهرة , ولم تنم ليلا ولا نهارا في حرية و سعادة وفرح وسرور , ولم
تستيقظ فجأة من هزاعها الأخب و لا الأول إلا و هي تسلب , وتستعمر و تستدمر , و
يلحق بها ما يلحق من وباء و عفن ويذل
قادتها وحكامها بعد عز , ويفقر اهاليها بعد غنى , وتسلب نسائهم , و تؤسر
رجالاتهم....
في مجرى
التاريخ و الزمن علمتنا الحضارة لا تدوم ان لم يصحب القوة مرونة , وان لم يصحب
العلم أخلاق وقيم , وان لم يصحب العاطفة و اللهو و الترف ارشاد وحكمة.
تعود هذه المقولة التاريخية : " أبك ملكا
كالنساء لم تحافظ عليه كالرجال " !.
الى
هذه المقولة تنطبق بشكل كبير على الأمير أبو عبد الله محمد الثاني عشر المعروف
بأبي عبد الله الصغير، آخر ملوك الأندلس الذي سلم غرناطة للملك فرناندو والملكة
إيزابيلا، ليطوي صفحة سبعة قرون ويزيد من الوجود الإسلامي سطرت خلالها معالم
الفردوس الذي تتغنى به الحضارات إلى الآن.
فلا
عجب إذن أن يكون لسقوط الأندلس وقعٌ مدوٍ ما زالت ارتداداته حاضرة وشاخصة ليوم
الناس هذا، وتركت أثرا نفسيا سواء لدى الغالب أو المغلوب المسكون بتقليد الغالب
حسب القاعدة الشهيرة لابن خلدون.
ولا
غرابة أيضا أن ينال حدث سقوط غرناطة آخر ممالك الأندلس، والشخصيات التي حضرت وأثثت
لذلك المشهد المحزن؛ اهتماما كبيرا، وفي مقدمتهم الأمير عبد الله الصغير أو الزغبي
كما شاع لقبه، والزغبي تعني المشؤوم، وما زالت هذه العبارة تستعمل حتى الآن في
بلاد المغرب.
ما
أشبه هذه المقولة التاريخية الأغريقية : على اعتبار : " الحكم كنز " لذا
لا غرو ان جاءت المقولة الأوندراغوجية الفرنسية تصب في هذا الإتجاه : le pouvoir c'est un trèsor
فهو لا يقل ثروة عن بقية الثروات المادية واللامادية , و اذا كانت أي ثروة
من الثروات معرضة لمختلف الأفات الإجتماعية و الظروف الطبيعية و التلف و السرقات و
مختلف الأزمات الأخرى , ايضت يحدث هذا مع ( الحكم) , فالحكم يقسد اذا مسته ورعته
أيدي فاسدة غير مسؤولة أو مهملة , ولا ترعاه أعين ساهرة قلبها على وطنها فإنه
المسؤول يلحقه ما لحق بالأندلسي و هو يسلم أخر مفاتيح غرناطة للأسبانيين , أبو عبد
الله الصغير.. آخر ملوك الأندلس المظلوم تاريخيا.
ما أشبه هذه المقولة الأندلسية بالمقولة
الأغريقية و أم توصي ابنها : " عد بدرعك أو محمولا عليه " .
بل العديد من تلك المقولات التاريخية القوية
التي يلوم فيها الأباء الأحفاد و الأجداد الأباء , يلومونهم على ضياع الأوطان من
ضياع الكنوز .
ايا
ولدي يلومك من يـــــلوم ____ وتهجرك الخصوص والعموم
بتركك
والدا ربــــــاك طفـــلا ____ وتـــرك مبرة الاباء شـــــوم
اتتركني
ضعيف الجسم اعمى ____ فيا ولدي اني بكم رحيـم
اتهجرني
وانت ربيع قلــــــــبي____ ولم تشغلك يا ولدي علوم
اراك
بالنعيم شغلت عـــــــــني____ نعيم الـــدار ويحك لا يدوم
كانت هذه قصيدة لوم وعتاب لهدر الحقوق و المصالح
و مغادرة الأوطان و الأخوان للشاعر الجزائري الورع الصالح : " الشيخ سيدي
ايداوعلي الشنقيطي التواتي " .
فلا
تقطع زمانك في عقـــوقي____ فتفسد ما تصلي وما تصوم
