كتب صلاح عبد العزيز ،
شاعر و ناقد من مصر :
إضاءة على نص (كذئب منفرد)
للشاعر المغربي محمد بنطلحة
الإبحار ما بين الحلم والكابوس والواقع يتطلب قدرة فذة على النجاة فكلها مهالك
تواجه الإنسان الفرد وهذا التجول ما بين تلك الأنظمة إذا جاز التعبير يعنى أن هناك
فخاخ متعددة بعضها مخفى وبعضها واضح للعين المدققة التى تستعين بحواس الذئب ؛
فواقع الحلم وواقع الكابوس وواقع الواقع ، حياة متضاربة وعاصفة تتجول فى المخيلة
ونتجول فيها ، وفى مجموع تلك النصوص صورة ثرية عن عالم الشاعر محمد بنطلحة العالم
الذى تملأه حيتان الغرف وموتى التوراة وانبيائها والذئاب والكلاب وأمواج ورمال
وصحراء وقبور ومتاهات ، عالم مطحون فى المجاز اللغوى على نار هادئة تارة وعلى
بركان مشتعل تارة أخرى وفى تلك المحاور الثلاثة تقع تلك النصوص ما يعنى تنوع
محاولات احتواء العالم متى تضيق المسافة فيه ومتى تتسع ، بحواس الذئب كملمح طوطمى
قادر على الاكتشاف والتوجيه فالعالم حسبما يشعر ويكتب ، ويتحول بتحول رؤيته وتصوره
إلى بحر والسرير إلى قارب وهكذا تجرى الأمور وإن كان متوحدا بالآخر فهو الذئب
الوحيد المنفرد المتمتع برؤى أنبياء التوراة والخارج أيضا من البلبلة التوراتية
وانشقاق البحر والمد والجزر إلى اللغة ومجازاتها كلغة وحيدة بما بها من إسقاط
وانتماء لتلك اللغة وهو كذئب لغوى قناص استعارات فى حبر الدواة ومن حبر الدواة ومن
ليل الدواة شبيه بالسلوقى الوفى فاللغة عنده تشبه السلوقى يركض بالليل ويصيد
بالليل وهو العش / الشاعر القادر على فك فخاخها بما يعنى القدرة على القبض على
نسورها وطرائدها ولا ننسى أن الشعراء العرب كانوا يسمون قصائدهم الطرائد وبنية
تفكيك المفردات تؤدى إلى ذلك التفسير .
والمرأة عنده تسليت ، وتسليت اسم مكان
يعتز به ككل الشعراء فى تلبس الحبيبة بالوطن أو العكس أى أن إضفاء صفة الإنسانية
والحبيبة على المكان فى رمزية تعنى الهوية والتشبث بكل تاريخ وطبيعة المكان
والحبيبة الذى يتسع ويشمل المنطقة كلها ، وتكون تسليت هى بؤرة المحبة والرمز فى
دائرة تلك المحبة .
ولوفرة الاحتمالات فى تلك النصوص تتلبسه
أرواح الشعراء العرب القدامى والمحدثين وهو القادم من ألف عام ومن طريق الحرير
الذى صار مقبرة ، ومن كلمات ألفريد دى فينى :
لنرى ما كنا على الأرض
وما نتركه
فقط الصمت هو عظيم
كل شيء آخر هو ضعف
فالاقتباس لتلك الأسطر لا يعنى الصمت فقط
لا يعنى الضعف فقط بل يعنى المعاصرة والوقوف أمام الحضارة الإنسانية برمتها
وشعرائها من الفراعنة إلى العصر الحديث فى صمت وجلال ومهابة تليق بهم فى كل عصر
كشاعر مجهول كتب على المقبرة الفرعونية ما كتب فربما يكون قبره أو قبر طرفة العبد
أو ...... أو ...... ولوفرة الاحتمالات ربما يكون قبر لا أحد ، فى تداخل زمنى
وتاريخى كالموت الذى يترصده كنحات إغريقى أو بحّار الأوديسا فى مواجهة الموج ، وفى
انتظار الذى ربما فى متاهة اللغة والرمز والقناع والأسطورة يضل الطريق .
جريدة " العربي الآن "
10.11.2020
