جاري تحميل ... فنون

إعلان الرئيسية

جديد فنون

عاجل

إعلان في أعلي التدوينة

جديد موقع علَّم نفسك

جديد علَّم نفسك
شعرعبد الوهاب الملوحنقد

القصيدة حين تفكر في نفسها

 

القصيدة حين تفكر في نفسها

عبد الوهاب الملوح



مسودة

عثرتُ عليها

لا يهم، في الحقيقة، أين

...

ليكن ذلك في خيال صبية من الأدغال

امتهنوا الرقص

فأيقظتهم أغاني المطر

وتمايل السنبلة

ليكن... عند امرأة تعيش القصيدة

كل يوم، ليتخطاها الشاعر 

ليكن في البيوت التي تضيق ذرعا بأهلها

لأن غدا وضاحا عانق الجدار

أو ليكن في المحطة....

والمحطة مليئة بالراحلين

حين تقف على الحياد

دون أن تعلّم أعضاءك السفر

لا يهم، أين كنت...؟

لا يهم، في الحقيقة

أن أعثر عليها أين

تلك المسودة

مادام قد أرسلتُ لك القصيدة

قبل أن يتخطفها الفراغ

والوحدة، وسنون الصمت الكئيبة

حمزة باشر

تشاد

متابعة الحركة في القصيدة هو الوقوف على مدى ديناميتها وليس المقصود بالحركة هنا تحولاتها وتطوراتها في المكان والزمان بما قد يحدث دينامية فيزيائية، فالحركة قد تتشكل من مقطع حلم، من لحظة رؤيا فالته، من لقطة مشاهدة يومية عابرة، من  استعادة وامضة للذاكرة، من تخمين يؤرجحه نواس الاحتمال،  من  مجرد كلمة يتفوه بها بائع متجول أو ابتسامة رضيع يطل من وراء ظهر أمه من رفة جناح طائر أو تساقط ورقة شجرة الخ قد يؤلف شيء من هذا القبيل حركة تتحول في القصيدة إلى جوهر رؤيا حول الكون أو الذات أو الوجود أو هذا كله  كما أنه لا يمكن معاينة هذه الحركة من خلال تطورها أو تحولها بما يجعلها تقع تحت طائلة أفاعيل الزمن أو تأثيرات إحداثيات المكان فاللغة وكيفية تصريف هذه اللغة، ذلك ما قد يحدد نوعية هذه الحركة ومدى ديناميتها بما يحول القصيدة ليس فقط مجرد تعبير عن مشاعر أو تحليل فكرة بل إلى سؤال جمالي متنام سؤال يزداد تعمقا كلما زاد منسوب تدفق الحركة وتكثيفها للتحول من مجرد لحظة عابرة إلى موقف جمالي متكامل وها هي هنا لحظة تؤرجحها الاحتمالات، لقد شكل تكرار مفردة :

"… وليكن…" ليس كلازمة ايقاعية لأحداث نغمية موسيقية للإشارة للوقوع تحت ضغط الشديد للاحتمال وللزيادة من التوتر الذي يمثل هنا مدى دينامية الحركة

فالقصيدة تدشن تَشَكُّلَها من خلال جملة مفيدة متكاملة العناصر هي بمثابة النتيجة النهائية :

"

عثرتُ عليها

لا يهم، في الحقيقة، أين

وليس بإمكان القارئ أن يعرف ما الذي تم العثور عليه فباقي القصيدة يأتي في شكل احتمالات تزيد من توتر الحركة وتفتح آفاقا لمزيد السؤال فلا يمكن معرفة ما تم العثور عليه وفي المقابل هناك احتمالات متعددة على المواضع التي يمكن فيها العثور عليها وكل هذه المواضع ممكنة وتتوفر على قابلية أن تكون حضنا ملائما لما  كان محل بحث  وبالتالي هل المهم هو ما نبحث عنه أم اين نبحث عنه؟ هكذا تتحول حركة القصيدة من  لائحة احتمالات إلى فضاء أسئلة مزدوجة عن مواضع البحث :

في خيال صبية/في امرأة تعيش القصيدة /في بيوت تضيق ذرعا/في المحطة، كل هذه المواضع هي ممكنات وجود، تسائلها القصيدة في  كينونتها ومنها تتشكل فتكون وكل هذه الممكنات هي في الأصل عناصر حياة حيوية ومنها تتحقق حياة الفرد، غير إن القصيدة وهي تباشر لحظات قفلتها  تقوم بحركة ارتدادية قد تظهر على أنها نسف كلي لكل ما جاء في الأول فهذه الحركة الارتدادية تكشف أن كل ما جاء كان في سياق اسلوب شرطي ليس قائما على الافتراض بل على الهدم الكلي :

"لا يهم، في الحقيقة

أن أعثر عليها أين

تلك المسودة

"

كل هذا ليس مهما، فهذه الحركة التي قامت على لحظة تأرجح وتخمين قد كانت في النهاية  مسودة شأنها شأن هذه القصيدة التي هي جسر تواصل مع الآخر للنجاة من حالات عصيبة :

"الفراغ

والوحدة، وسنين الصمت الكئيبة

"

و المسودة هي النواة الأولى التي تنبثق منها القصيدة بل هي الأصل كما يؤكد رولان بارت في معرض حديثه عن المخطوطات وفيها تكمن ذراها الشعرية الأصيلة ولعلها هنا وهي تفكر في ذاتها تؤكد على جانب من جوانب الشعرية الحديثة القائمة على الميتا شعر كما سبق ورأيناها في قصائد أخرى لكن شعرية هذه القصيدة هو هذا اللعب باعصاب القارئ من خلال هذا التأرجح النواسي في مراكمة الاحتمالات من خلال تكرار وليكن التي وان بثت غنائية خفيفة في القصيدة لكنها لم توقعها في هاوية الانفعالات والشطحات العاطفية، يبقى السؤال قائما لماذا الإصرار على الكتابة وفق نظام الأسطر؟ فهذه القصيدة تجيء نموذجا للاحتفال بالقصيدة في حالتها الهيولية الأولى وفي حالتها التي يباشر فيها الشاعر عمله عليها، ليست مسودة القصيدة مجرد وحي يوحي وهي أيضا ليست مجرد نفثات انفعالية بقدر ما هي اشتغال مجهد على تشكيل  الكون خزفيا  من وجهة نظر الشاعر الذي يرى في الشعرية شكلا من أشكال إقامته في الوجود وبالتالي يمنح للقصيدة حرية التفكير في ذاتها وهو ما يطرح سؤال هل المسودة  أهم  من القصيدة المنشورة  ام الشاعر يريد أن يكون أكبر من مسوداته؟

عبد الوهاب الملوح


***********************


***********************

إعلان في أسفل التدوينة

اتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *